

سامية صادق
(النصف غير الآخر).. ظل رجل
بقلم : سامية صادق
أشاهدها بشارع قصر العيني من حين لآخر ...تسير وبطنها منفوخ أمامها يبدو أنها حامل في شهورها الأخيرة... وبصحبتها ثلاثة أطفال ربما لا يتجاوز عمر أكبرهم الثامنة أو التاسعة من العمر...كما كان يسير بجوارها شاب صغير أنيق متوسط الطول يرتدي بدلة وكرافت...لا أدري صلة قرابته بها... ولكن لا أعتقد أنه زوجها ...فهما مختلفان تماما في مظهرهما وغير لائقين على بعض بالمرة!!!...فيبدو عليها الإهمال وعدم الاعتناء بنفسها... حيث ترتدي ألوانا غير متناسقة وموديلات قديمة ...كما تصفف شعرها للخلف على شكل( كحكة)...ولم تكلف نفسها تمشطه قبل أن "تلململه"!!!...وتضع في كتفها حقيبة يد بالية قد عفا عليها الزمن!!.. وبقدميها حذاء موضته قد بطلت ...فلا يوجد أي إنسجام أو صلة بين كل ماترتديه!!!
بينما الشاب الذي يسير بجوارها كان عكسها تماما ...فيرتدي بدلة أنيقة ...وكرافت ينم عن ذوق رفيع ...وحذاء مميزا من الجلد الطبيعي .. يصفف شعره بعناية ويضع عليه بعض (الجيل) فيبدو مرتبا لامعا... كما أن بشرته نضرة براقة!!!
لقد شاهدتهما من قبل أيضا في نادي الصحفيين بالجيزة ولكنني لم أتعرف عليهما ولا أدري من فيهما الذي يعمل بالصحافة هو أم هي...أم الاثنان معا؟!
وتمضي الأيام وألتقي بها هي وأبنائها وبطنها منفوخ أمامها كما اعتدت أن أراها دائما...ولكن يبدو أن أبناءها قد زادوا واحدا ... وأنها حملت من جديد أيضا!!!
تلمحني أجلس في المائدة المجاورة لها ...تبتسم لي أبادلها الابتسام...ثم تقول:
أشاهدك كثيرا بشارع قصر العيني
أهز رأسي قائلة:
نعم...حيث مقر عملي بمجلة روز اليوسف
ثم تطلب مني أن أنتقل لمائدتها...وتخبرني أنها تجلس بمفردها....بعد أن ذهب أولادها للعب بالأراجيح!!
كنت قد طلبت قهوة ...ويحضرها الجرسون على مائدتها...
وحين يضعها أمامي تقول:
هل تحبي القهوة؟
أقول باسمة :
نعم أحبها وأحترمها كمان!!...ولو مر يوم بدون فنجان قهوتي المضبوط الذي أتناوله صباحا يحتج رأسي بصداع غير محتمل ...فالقهوة مشروب مختلف وله شخصية وخصوصية ومكانة...إنها صديقة المبدعين!!!
تقول بلهجة لا تخلو من ضيق:
كل المحامين يحبون القهوة ما عدا زوجي
أسألها:
وهل زوجك يعمل محاميا.. لكنني شاهدتك من قبل في نادي الصحفيين.. ؟
تقول:
نعم كنا مع شقيقه الصحفي ..
وتستطرد
أن زوجي محام على الورق فقط لكنه يعمل بوظيفة إدارية بإحدى الشركات.
كنت أتمنى أن يكون مثل شقيقه الصحفي شخصية اجتماعية ولديه علاقات ويستطيع أن يتصرف في المواقف الصعبة .. فلولا منصب والده الكبير كضابط شرطة وتوسطه له كان لا يمكن أن تقبله أي شركة كي يعمل بها !!
ساءني أن تتحدث عن زوجها بهذه الطريقة ...ولا أعلم لو كان زوجها هو ذلك الشاب المهندم الأنيق الذي أشاهده يسير بجوارها بشارع قصر العيني بجاردن سيتي أم لا؟!
وتستطرد دون توقف:
هل تصدقيني لو قلت لك أنني تمنيت لو كان زوجي يجلس على القهوة ويدخن الأرجيلة والسجائر ويشرب القهوة مثل كل الرجال الحقيقيين!!
أقول باستنكار:
وهل التدخين والقهوة والجلوس على المقهى هو مقياس الرجولة؟!!! ... أعرف رجالا غاية في قوة الشخصية والرجولةالحقيقية لا يدخنون ولا يشربون القهوة ولا يجلسون في الكافيهات.
تبتسم وهي تنظر للنيل بأسى:
لكنهم بالتأكيد لديهم اهتمامات أخرى ومنشغلون بأمور ذات أهمية ...الذي أقصده أنني تمنيت لو رأيت زوجي يحب أشياء معينة ويرتبط بها حتى لو كان ما يحبه فنجانا من القهوة!!
انني أعيش مع رجل بلا معنى ...بلا شخصية بلا ملامح...لا يرتبط بشئ ولا يتعلق بشئ ولا يتميز بشئ!!!
وتواصل حديثها الذي يزعجني ولا أرحب به:
حتى دراسته للحقوق لم يستفد منها ولا يتذكر منها شيئا.. فهو يعمل حتى الثالثة عصرا ثم يعود إلى البيت شأن كل الموظفين..
ان كل ما يفعله في الحياة أن يرتدي البدل والكرافتات ويضع البرفانات و الماسكات على بشرته والكريم على شعره ويخرج ويتركني ويلقي على عاتقي بالمسئولية ...فأنا من أقوم بكل شئ ...وبكل صغيرة وكبيرة ...فأذهب لتقديم للأبناء في المدارس والمذاكرة لهم ...وأقوم بالتسوق وشراء إحتياجات البيت ...وأنا من تستقبل الضيوف وترحب بهم... وأقف مع العمال والصنايعية... وأستقبل السباك والنجار والكهربائي حين يحضرون لإصلاح شئ في البيت بينما يكون هو جالسا أو نائما بحجرته!!! ...حتى صرت أشعر أنني رجل البيت بدلا منه!!!
يبدو أن زوجها هو من شاهدته بصحبتها بشارع قصر العيني ...أنه بالفعل كان أنيقا مهتما بنفسه كثيرا
أقاطعها قائلة:
ولماذا تزوجتِ به طالما ترينه بكل هذا السوء؟!
تقول وهي تبتسم بمرارة:
كان لابد أن أتزوج ...ولم تكن فرصي كبيرة في الزواج من شخص تتوافر به أحلامي ...فأنا أعرف إمكانياتي جيدا وأعلم أنها لا تؤهلني حتى للحلم !!!
وكنت أعتبر زوجي حينها فرصة لن تتكرر... فمستواه الإجتماعي أعلى مني كثيرا ... فهو من سكان حي جاردن سيتي الراقي ... ووالده ضابط كبير كما أنه من عائلة عريقة ومشهورة ...و لديه شقة في عمارة والده بجاردن سيتي .. بينما أنا من سكان حي الدرب الأحمر الشعبي ...كما أن مستواه التعليمي يفوقني فهو حاصل ليسانس حقوق بينما تعليمي متوسط.. وأعمل سكرتيرة!! باختصار وبحسبة عقلانية بسيطة هو فرصة بكل المقاييس.
أقول بأسى:
وما موقف قلبك منه؟!... ألم تعملي حسابه وتحكميه في هذا الأمر المصيري الهام؟!
تقول وهي تتنهد تنهيدة عميقة كأنها تنفث فيها كل همومها:
لو حكمت قلبي لرفضه تماما!!
يؤلمني ويدهشني ويحزنني ما تقوله هذه المرأة!!!
أسألها بأسى:
هل أنت نادمة على هذا الزواج؟
تقول وهي تبتسم:
أبدا... لم أندم لحظة...بالعكس أنا مقتنعة تماما بزواجي منه حتى لو لم أكن أحبه أو أشعر معه بالسعادة!!!
لا زالت تدهشني بماتقوله:
أسألها بلهجة لا تخلو من غضب:
أن ما أسمعه منك غريب فعلا ؟!
تقول بهدوء وعقلانية...دون أن تعبأ بدهشتي:
لقد حققت أشياء ماكانت تتحقق إلا بالزواج منه!!!
لقد صرت أم لأربعة أبناء وأنتظر الخامس...كما أنه رفعني لمكانة إجتماعية لم أكن أطولها أو أحلم بها حين أصبحت زوجة فلان إبن فلان ...أتأبط ذراعه في المناسبات الإجتماعية وأرتدي فساتين سواريه يشتريها لي كي أشرفه في حفلات عائلته الكبيرة..كما أقيم العزائم في بيتي لأقاربه وأقاربي وأحاول أن أفرح بدوري كصاحبة بيت ومضيفة حيث أتفنن في صنع ألوان وأشكال من الطعام وأتباهي بطاقم الصيني الرائع وأدوات مائدتي المميزة أمام أقاربه ... وكذلك صرت أستمتع بأشيائي وبملابسي و(أفرح بهم جسدي) فألبس وأقلع كما يحلو لي !!!
أقول بدهشة:
لقد ذكرت أشياء كثيرة تسعدين بها نفسك دون أن تكوني سعيدة بزوجك شخصيا!!!
تقول وهي تبتسم في هدوء:
هل تصدقينني لو قلت لك أنني لا اهتم بوجوده في حياتي كرجل أصلا بقدر إهتمامي أن أسعد نفسى بالمكاسب الإجتماعية والشخصية التي منحها لي زواجي منه وأحاول أن أستمتع بها!!
الحقيقة أن منطقها لا يعجبني...ولا أجد مبررا لكي نتزوج من أشخاص غير مقتنعين بهم ولكن طمعا في مراكزهم ومستواهم الإجتماعي !!!
أسألها ولا زالت نبرة الضيق في صوتي:
وكيف تعرفت عليه؟
تقول ببساطة وهدوء وكأنها تذكر شيئا عاديا:
لقد كان يحب صديقتي الطبيبة التي تعمل بنفس المستشفى التي أعمل بها سكرتيرة ...و يرسل لها الخطابات الغرامية وباقات الورد ...ويأتي لزيارتها في العمل من حين لآخر ... لكنها لم تكن تحبه أو تتفاعل معه... فهي غير مقتنعة به ولا بشخصيته التي تراها مهزوزة ضعيفة بلا معنى أو تأثير!!...وحين أخبرتني أنه تقدم للزواج منها ورفضته... طلبت منها أن تقترح إسمي عليه كعروس وتحاول أن تقنعه بي... وكنت أعلم أن تأثيرها عليه كبير وربما يواقف أن يتزوجني لاجل خاطرها ولأنه لايمكنه أن يرفض لها طلبا!!!
وبالفعل يوافق و يتزوجني لاجل عيون حبيبته صديقتي!!!
بعد أن تنتهي من حكاية زواجها التي إعتبرتها حكاية مؤلمة وقصة زواج لا تخلو من وصولية وإستغلال ...ألمح زوجها الشاب الصغير الأنيق ذو الملامح النضرة والشعر اللامع يتوجه ناحية مائدتنا ...لكنني اراه مختلفا هذه المرة بخلاف المرات التي كنت أشاهده فيها وهو يسير بجوارها بشارع قصر العيني...لقد قامت زوجته بتعريته أمامي وتشويه صورته وتجريده من كل الصفات الجميلة ...فصرت اراه كما تراه هي... ضعيفا تافها بلا شخصية أو معنى!!