عاجل
الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
أبناء فى مهب الریح!

أبناء فى مهب الریح!

بقلم : سامية صادق

من قبل كان الآباء یضحون بأنفسهم من أجل أبنائهم.. لكننا نشاهد حالیًا العدید من القصص الغریبة على مجتمعنا التى یضحى فیها الوالدان بأولادهما من أجل أن یظفر كل منهما بحیاة أخرى سعیدة بعد الانفصال.



فلم تكن بطلة قصتنا قد تجاوزت الرابعة عشرة عامًا حین تزوجت.. فكان لها جسد طفولى نحیف ضعیف ضئیل.. ورغم ذلك جدتها تَُزَوِجها لشاب یكبرها بخمسة عشر عامًًا، حیث كان فى التاسعة والعشرین من العمر، بینما هى فى الرابعة عشرة.. أیامها لم یستطع أحد من الجیران أن یوجه اللوم لجدتها أو یتهمها بأنها ظلمت حفیدتها.. فلم یكن أمامها حل آخر.

 

عروس المولد

تبدأ الحكایة.. حین تعرف والدها فى بدایة شبابه على فتاة وأحبها.. وخلال أسابیع قلیلة من معرفتها یقرر الزواج منها.. ویطلب من أمه أن تخطبها له..ولم تمانع الأم.. تذهب معه لبیت الفتاة لخطبتها.. لكن لم تسترح الأم لأسرة العروس.. فوالدتها یبدو علیها أنها سیدة مستهترة.. فكانت تتلفظ بألفاظ نابیة دون تحرج.. وترتدى ملابس لا تخلو من خلاعة.

وتنزعج والدة العریس من جرأة العروس، وعدم حیائها فهى تنظر لابنها بوقاحة أمام أمها وأبیها، وتجلس بجواره على نفس الأریكة الضیقة.. كما تبالغ والدة العروس فى طلباتها وتشترط شبكة كبیرة ومهرًا أكبر.. وتؤكد لها أنهم لن یشاركوا فى الجهاز وعلى العریس أن یتكفل بكل شىء.

وبعد مغادرة بیت العروس ترفض الأم أن یتزوج ابنها من هذه الأسرة التى تبدو مستهترة.. غیر محافظة.. ولكن الابن یصر ویخاصم والدته.. وأمام إصراره وتهدیده بترك البیت توافق الأم على مضض.. ویتزوج الابن من الفتاة التى ترفضها أمه.

وخلال ثلاثة أعوام تنجب طفلین.. بنتًا وولدًا.. لكنها لا تهتم بهما وتهملهما وتظل طوال الیوم إما خارج البیت أو تتحدث فى التلیفون، ورغم أن الولد مازال رضیعًا وعمره تسعة أشهر فقط وكثیرًا ما تذهب الجدة فتراه ینفطر من البكاء دون أن ترضعه أمه.. بینما أبوهما یعمل بالغردقة ویحضر أسبوعًا إجازة كل شهر.. تحزن الجدة من أجل حفیدیها فتقوم بنقلهما لبیتها لتنظیفهما وإطعامهما، والاهتمام بهما خصوصًا أنها تسكن فى بیت مجاور لهما.. وأمهما لا تمانع فهى ترید أن تتخلص من مسئولیتهما.

وفى أحد الأیام.. بینما الحفیدان یبیتان لدى جدتهما.. تختفى الأم، ولم تسأل عنهما لیومین.. فتسأل الجدة علیها فى بیتها ولم تجدها.. ثم تسأل عنها فى بیت أبیها لتؤكد لها أمها أنها لم تشاهدها منذ أسبوع.. وتمضى الأیام ولم تظهر أمهما.. ویأتى زوجها ولم یجدها.. فیجن جنونه ویبحث عنها فى كل مكان إلى أن یصل للحقیقة ویعرف أن زوجته قد هربت مع عشیق لها، ولا یعرف مكانها.

أهمل الزوج عمله ونفسه وأبناءه وصار هدفه الوحید الوصول لزوجته وعشیقها للانتقام منهما.. وبعد أن یأس من الحصول علیها.. عاد لعمله بالغردقة، وتزوج من سائحة ألمانیة وسافر معها لیعیش بألمانیا تاركًا طفلیه لوالدته التى طالها المرض، وأصیبت بالقلب حزنًا على ابنها.. وظلت الجدة المریضة تفعل كل ما فى وسعها لتربیة حفیدیها رغم صحتها المتدهورة.. ویمرض الولد الصغیر ویموت وعمره عشرة أشهر، بینما تظل الحفیدة معها.. تقوم الجدة برعایتها وتربیتها وإدخالها المدرسة.. لكنها طوال الوقت تشعر بالخوف والقلق علیها.. فتخشى أن تموت وتتركها وحیدة تتلطم فى هذه الدنیا، وتتصل الجدة بقریب لها.

وتفصح له عن قلقلها وخوفها على حفیدتها وتطلب منه أن یجد لها عریسًا یكون متدینًا، وعلى خلق وعلیك أن توضح له مخاوفى وأسباب رغبتى فى ترویجها مبكرًا.. كى أجد من یحمیها ویصونها ویحتویها بعد موتى.. وتؤكد له الجدة أنها مستعدة أن تتكفل بكل تكالیف الزواج.. وستحضر شقة باسم حفیدتها وتجهزها لها.. یتعاطف قریبها معها ویقرر أن یزوج ابنه لحفیدتها.. حتى تكون تحت رعایته هو أیضًا.. وتتزوج الفتاة الصغیرة بعد أدائها امتحان الشهادة الإعدادیة، وقبل ظهور النتیجة.

وترتدى البنت الصغیرة الضئیلة فستان الزفاف الطویل الأبیض.. وتلون خديها وشفتیها باللون الأحمر فتبدو فیه كعروس المولد.

بینما تشعر الجدة بالارتیاح والاطمئنان على حفیدتها.. فلن تترك وحیدة فى هذه الحیاة.. لكنها لم تكن تدرك أنها سلمتها بنفسها للموت.. لقد ماتت الصغیرة وهى تلد مولودها الأول.. فجسدها النحیف الضئیل لم یتحمل الحمل والولادة.

 

محاكمة طفلة

طفلة غاضبة لم تتجاوز العاشرة من عمرها.. قابلتها فى إحدى مؤسسات رعایة الأحداث، كانت جریمتها ضرب مخدومتها بزجاجة على رأسها فسببت لها جرحًا غائرًا وعشرین غرزة.. وتخبرنى الصغیرة بحكایتها بصوت لا زال یحتفظ بنبرات طفولتها الحزینة.

أمها انفصلت عن أبیها وتزوجت من شخص آخر وسافرت لتعیش معه فى قریة بعیدة عن قریتهم.. وتركتها مع أبیها، هى وأخوها الذى یكبرها بأربع سنوات، بینما كان عمرها ثمانى سنوات.. كما تزوج أبوها من أخرى.. وكانت زوجة أبیها تكرهها هى وشقيقها.. حتى إنها أخرجت أخاها من المدرسة.. وجعلته یعمل بورشة نجارة وطلبت من أبیها أن یبیت ابنه فى الورشة ولا یعود للبیت مرة أخرى.. فهى لا تریده والأب یسمع كلام زوجته دائمًا غیر متعاطف معهما.

كما كانت زوجة أبیها تضربها وتعذبها وتجعلها تقوم بمسح البیت وتنظیفه.. وسمعتها فى یوم تطلب من أبیها أن یضعها فى ملجأ أطفال.. فهى لا تطیق وجودها فى البیت وتهدده أنها ستترك له البیت لو ظلت ابنته فى نفس البیت.. ولكن الأب الذى لا یحمل أى مشاعر أبوة .. یقترح علیها اقتراحًا یراه أفضل من وجهة نظره، وهو أن تعمل كخادمة لدى إحدى السیدات بمدینة طنطا مقابل راتب شهرى یأخذه الأب.. وأنه بذلك یبعدها عن البیت ویستفید من تشغیلها بدلًا من إیداعها فى ملجأ دون أن یستفید شيئًا من ورائها.. وتفرح زوجة الأب بالفكرة.

ویأخذها أبوها ومعها حقیبة ملابسها ویركب بها میكروباص.. وینزلا فى مكان كبیر مزدحم.. كانت لأول مرة تغادر قریتها.. وترى تلك المدن المزدحمة.. ویصطحبها لإحدى البنایات العالیة.. وتركب المصعد لأول مرة فى حیاتها.. وفى الدور التاسع یطرق باب إحدى الشقق.. لتفتح لهما سیدة تشبه زوجة أبیها على حد قولها.. وتجذبها من ذراعها لداخل الشقة.. ویتركها الأب وینصرف دون أن یودعها.. وتشعر الصغیرة بالخوف والرعب والتیه.. فهى لا تعرف هذه السیدة التى عاملتها بحدة منذ الوهلة الأولى.. وأخذتها على الفور للمطبخ وطلبت منها أن تغسل الأطباق.. فكانت تغسلها وهى تبكى.. ولكن السیدة تنهرها وتصرخ فى وجهها.. لقد غرقت المطبخ أثناء الغسیل.. فتطلب منها أن تمسحه.. وفى نهایة الیوم تلقى لها بطبق به بعض الأرز وقطعة صغیرة من اللحم..  لتأكلها فى المطبخ.. الذى ستبیت فیه أیضًا.

وكان للسیدة ابنة صغیرة فى مثل عمرها تقریبًا لا تقل حدة وغلظة عن أمها.. تسيئ معاملتها أیضًا فتأمرها وتنهیها وتنهرها أحیانًا.. وتذهب البنت كل یوم للمدرسة.. وتقوم الخادمة الصغیرة بتنظیف حجرتها.. وكان أكثر ما یعجبها فى الحجرة العرائس والدبادیب واللعب التى تملأها والتى حرمت منها طوال عمرها.. وتمنت لو تمتلك عروسًا منها.. فكانت تلعب خلسة بها أثناء تنظیفها لحجرة الفتاة التى تكون فى المدرسة.. وتتعلق الخادمة الطفلة بإحدى العرائس ربما لأنها لها ضفائر مثلها.. حتى إنها لم تشبع من اللعب معها.. فتقرر أن تصطحبها معها إلى حیث تنام بالمطبخ لتلعب بها لیلًا حین ینامون.

وبقیت معها عدة أیام تلعب بها.. ولم تلحظ الفتاة الأخرى غیاب عروستها.. فلدیها الكثیر غیرها.. ولن یلفت انتباهها غیاب إحداهن.. وفى أحد الأیام تدخل الفتاة المطبخ لیلا لتحضر كوب ماء.. فترى الخادمة نائمة على فرشتها بالركن الصغیر المخصص لنومها بالمطبخ وتحتضن عروستها.. فتنزعج الفتاة حین تجد عروستها فى أحضان خادمتها.. فتركلها بقدمیها لتوقظها وتتهمها بسرقة العروس.

بینما تستیقظ الخادمة مفزوعة لتجد الفتاة تشتبك بها وتضربها.. فتدافع الخادمة عن نفسها وتجد زجاجة میاه كانت أخرجتها الفتاة من الثلاجة فتتناولها بغضب وتضرب بها الفتاة فوق رأسها.. فتفتح رأسها.. وتنهمر دماؤها.. بینما تستیقظ الأم على صوت صراخ الخادمة وابنتها لتجد ابنتها غارقة فى دمائها فتنقلها للمستشفى وتسلم الخادمة لقسم الشرطة بعد أن تضربها علقة ساخنة.. لیتم تحویل الخادمة الصغیرة بعد ذلك لإحدى مؤسسات رعایة الأحداث.. بینما أبوها وأمها اللذان تسببا لها فى كل هذه المأساة یعیشان حیاتهما.. فالأم تعیش مع زوجها الجدید وتنجب منه أبناء جددًا، ولا تكلف نفسها عناء زیارتها..والأب یعیش مع زوجته الجدیدة بعد أن دمر مستقبل ابنته وابنه أیضًا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز