باختصار أعرب الدكتور رضا حجازي، عن رؤيته للمنظومة التعليمية التي تهم كل بيت في مصر، ما يستهدف وما يعتزم اتخاذه من آليات لتنفيذ تلك المستهدفات.
الرجل الذي خبر المنظومة التعليمية وتدرّج في سلمها الوظيفي، حتى أسندت إليه حقيبة وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، يُدرك من البداية أنها وزارة ذات صلة مباشرة بالمزاج العام لشعب مصر، وفي الوقت ذاته فإن تطوير منظومة التعليم قضية دولة.
وزارة مؤثرة في مزاج الرأي العام المصري، لما لها من مساس مباشر بمصالح الملايين من أبناء مصر، يتجاوز عدد طلاب التعليم ما قبل الجامعي 25 مليونًا، بما يعني أن القرارات تهم 25 مليون أسرة، أقلها فردان في الأسرة، الأب والأم، بما يعني 50 مليونًا يتأثرون بشكل مباشر بأي قرار يتعلق بهذه المنظومة.
وفي الوقت ذاته، فهي قضية دولة، لما تمثله من تأثير مباشر على مستقبل هذا الوطن، وقدرته على إنتاج مخرجات تعليمية، قادرة على بناء إنسان واعٍ يملك من الخبرات والمهارات ما يؤهله لمواجهة تحديات المستقبل.
فكيف يرى الوزير دوره في المرحلة المقبلة؟ وما أهدافه وآليات تنفيذها، وكيف يعظم ما بدأته الدولة عبر الوزراء السابقين؟ وفي الوقت ذاته كيف سيعالج ما ارتكبه سابقوه من أخطاء خلال تنفيذ رؤية الدولة لإصلاح التعليم، أسهمت في خلق مزاج لقطاع ليس قليلًا قاوم التطوير؟
والخلاصة.. ما أهداف التطوير، والآليات الحكيمة، لبلوغ تلك الأهداف بما يقنع الرأي العام ويجعله عاملًا مساعدًا على إنجاح استراتيجية التطوير؟
كل هذه الأسئلة دارت في ذهني في طريقي للهيئة الوطنية للصحافة، التي يستضيف رئيسها المهندس عبد الصادق الشوربجي، الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، في لقاء دعي له رؤساء مجالس إدارات ورؤساء التحرير، وهي لقاءات بالغة الأهمية لفتح نقاش موسع مباشر، مع متخذ القرار.
الدكتور رضا حجازي، أوضح أن تطوير التعليم استراتيجية دولة، وليس خطة وزير، ومن ثم فإنه مستمر فيما بدأته الدولة من استثمارات في تطوير التعليم.
إذًا ما الفارق هنا بين وزير وآخر قد يتساءل القارئ؟ وهنا يجيب الوزير، دوري هو الإبداع في آليات تنفيذ الاستراتيجية لبلوغ المستهدفات.
إذن ما مستهدف استراتيجية تطوير التعليم؟
يلخص الوزير: تستهدف استراتيجية الدولة، بناء إنسان قادر على التعلم الذاتي، نعلمه كيف يتعلم، عبر منظومة تعليم تعتمد على بناء قدرة الإبداع والابتكار لا الحفظ والاستذكار، لتخريج شباب معتز بذاته، مؤمن بوطنه، يمتلك من القدرات المعرفية والمهارات ما يؤهله لسوق العمل ومواجهة تحديات الواقع والمستقبل.
إذًا ما آليات تحقيق ذلك؟
يجيب الوزير: من خلال العمل على اعتماد نظام التعليم الهجين، الذي يجمع بين التعليم عن بُعد، والواقع المعزز داخل المدرسة، لتوفير مساحات زمنية يتم استثمارها في التعليم عبر النشاط المدرسي، الرياضي والفني والثقافي، والزراعي، وغير ذلك من الأنشطة.
ماذا يعني هذا؟
يوضح الوزير، نستعين بأمهر المدرسين في مختلف المجالات، لتدريس المنهج عن بُعد، بحيث يكون لدينا شاشات داخل الفصول بالمدارس، وفي الوقت ذاته مدرس داخل الفصل يعزز المحتوى ويعمقه من خلال أمثلة تجريبية وتدريبات عملية.
وفيما يخص النشاط، فإن الطلاب يمكن أن يكتسبوا مهارات عدة، من خلال نشاط ممتع كالمشاركة في تقديم عرض مسرحي، فإن الطالب سيكون عليه أن يقرأ النص ويستوعبه ويحفظ حواره ويقوم بالأداء الإبداعي، وهنا يكتسب الكثير من مهارات تستهدفها العملية التعليمية، وهو يستمتع بالعمل بتعليم غير تقليدي.
وهنا يتبادر لذهن القارئ سؤال: هل كل مدارسنا مؤهلة ومجهزة بالإمكانيات التي تحقق ذلك؟
يجيب الوزير: معظم المدارس مجهزه بمعامل بها أجهزة كمبيوتر وأجهزة عرض، وسيتم تجهيز ما يفتقر لذلك، أما متطلبات النشاط الثقافي والرياضي، فيجرى العمل على إبرام بروتوكولات مع وزارتي الشباب والرياضة والثقافة، لتوفير مستلزمات الأنشطة الرياضية والثقافية وتقديم الدعم الفني للمدارس.
كانت هناك أزمة ناتجة عن أخطاء في أسئلة امتحانات الثانوية العامة، بل وفي مناهج وامتحانات رابعة ابتدائي، وهو ما خلق حالة من الاستياء لدى قطاع ليس قليلًا من أولياء الأمور، ماذا اتخذ من قرارات وما التطوير في الآليات التي قدم بها الوزير الجديد نفسه؟
يقول الوزير: وهل اشتكى أحد من امتحانات الدور الثاني؟ ويكمل: أوضح كيف تعاملت مع امتحانات الدور الثاني لنحقق هذا النجاح، لقد شكلت لجنة من الخبراء في كل مادة لمراجعة أسئلة الامتحانات والوقوف على المعايير العلمية لها، وكل سؤال اختلف عليه أعضاء اللجنة ألغيته ووزعت درجته على باقي أسئلة الامتحان، فكيف نعتمده والمدرسون الخبراء مختلفون على الإجابة؟ الأسئلة يجب أن تكون مصاغة بمعايير علمية لا خلاف عليها.
وفيما يتعلق بالتصحيح، تم الاستعانة بأجهزة كمبيوتر مملوكة لمدارس حكومية متخصصة في التصحيح الرقمي بدون تدخل من العنصر البشري، سوى للمراجعة النهائية، لضمان عدم مرور سؤال دون تصحيحه والتأكد من دقة جمع النتائج، وبذلك استطعنا إعلان النتيجة بعد يوم واحد من انتهاء الامتحانات.
أما المرحلة الابتدائية، السنة الرابعة، فتم مراجعة المنهج واختصاره بما لا يخل به وأهدافه.
لكن هل هذه الإجراءات كفيلة بعودة الطلاب للمدارس والقضاء على الدروس الخصوصية؟ يرى الوزير أن قضية الدروس الخصوصية سيتم معالجتها تدريجيًا، من خلال استعادة دور المدرسة وفق آليات، منها سالف الذكر، وتعزيز الخدمة التعليمية للطلاب عبر أنشطة تعليمية إضافية.
لكن المنظومة التعليمة عناصر متداخلة ومتشابكة، معلم ومنهج وطالب وبيئة تعليمية ووسائل تكنولوجية، فهل يشمل التطوير جميع عناصر المنظومة؟
يعد الوزير بالبناء التراكمي، والعمل على تطوير كل عناصر المنظومة، فالمنهج ذاته يجب أن يكون تراكميًا بين سنوات المرحلة التعليمية الواحدة والمراحل المتتابعة ليسهم في بلوغ الهدف البعيد، وهو بناء إنسان واعٍ ممتلك من العلم والمعارف ومهارات التعلم الذاتي، الاعتزاز بالذات والوطن، ما يؤهله لسوق عمل متطور.
ومع الاحتياج الملح لتطوير التعليم الفني، فإن الوزير، يؤكد أهمية دور الإعلام في تصحيح الصورة الذهنية المشوهة عن التعليم الفني، ليدرك المجتمع أهمية الفنيين، فليس من المنطقي أن يكون لدينا خمسة مهندسين مقابل اثنين "فنيين"، بل العكس يجب أن يكون لدينا خمسة خريجين "فنيين" مهرة مع كل مهندس في العمل.
ويؤكد الوزير هنا على الالتزام بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاهتمام بدعم نماذج التعليم الفني الناجحة والتوسع فيها، ودعم- كذلك- المبدعين والمتميزين من الطلاب في مراحل التعليم العام والفني، لصقل مواهبهم وتعظيم قدراتهم.
هذا كان ملخصًا وافيًا لرؤية الوزير واللقاء، الذي استضافته الهيئة الوطنية للصحافة، الأحد الماضي، بجهد مشكور من رئيسها المهندس عبد الصادق الشوربجي وأعضاء الهيئة، وهو دور الإعلام الذي يقع موقع السمع والبصر من المجتمع، حلقة الوصل بين الجمهور، ينقل همومه وتساؤلاته للمسؤولين متخذي القرار، وينقل رؤية متخذ القرار للجمهور، ليأتي الرأي الشخصي تاليًا في مقالات الرأي.
أمنياتي أن تنجح مصر، الدولة، في تطوير منظومة التعليم، لبناء عقول نقدية واعية قادرة على مواجهة طوفان المعلومات الرقمية، التي تنهال على عقولنا لحظيًا.
تعليم يقضي على الحفظ والاستذكار، ويعظم قدرات الإبداع والابتكار، يخلق عقولًا مؤمنة بريادة الأعمال تمتلك قدرات مواجهة ثورة تطور متلاحق واحتياجات تتطلب قدرة على التعلم الدائم الذي لا يتوقف، وهنا تنجح الدولة إذا حققت هدف تعليم أبنائنا.. كيف يعلمون أنفسهم بأنفسهم، ما يضيف لما يقدم لهم في فصول الدرس.
بينما المعلم يحتاج إلى نهضة حقيقية بمستوى التأهيل والدخل المادي، ليليق بما يقوم المعلم به من دور، ويمكن تمويل جزء من تحسين أجور المعلمين من خلال:
١- تدشين صندوق تحسين دخول المعلمين.
٢- يمول جزء من موارد هذا الصندوق عبر تقنين تشريعي لمراكز الدروس الخصوصية ومضاعفة الضرائب عليها حتى تتلاشى، مع التطور التدريجي في المدارس.
٣- استحداث طابع المعلم، بنسبة متباينة في كل المعاملات، بداية من طلبات حصول رجال الأعمال على رخص الحضانات والمدارس الخاصة، مرورًا بتقديم ملفات التحاق الطلاب بالمدارس والانتقال بين المراحل.
٤- دعم الدولة لميزانية أجور المعلمين.
مصر تتطور فعليًا، لتحيا مصر وشعبها بالعلم والعمل.



