الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

تأملت كثيرًا في وجه الأمير خالد وهو يتحدث إليّ، لم يكن الرجل النموذج الذي تتمناه كل فتاة لأمير الأحلام، فالرجل أمير لكل الناس. في الفترة التي التقيت فيها به، كان أميرًا لمنطقة عسير، يعمل على تحقيق النمو والرخاء لأهلها والنهوض بالمنطقة، وبقي فيها سبعة وثلاثين عامًا، أتاحت له هذه الفترة فرصة معرفة المكان وساعدته على النهوض بالمنطقة التي حظيت بقفزات تنموية شملت وجوه الحياة، حتى أصبحت منطقة عسير من أهم المناطق السياحية في الخليج، فقد أدرك بثاقب بصره وبصيرته مقومات المنطقة المكانية. يقول الأمير في كتابه: 

 

"بناء الإنسان وتنمية المكان": {أمضيت بضعة أشهر في جولة تفقدية شاملة وقفت فيها على طبيعة المكان وحاورت الإنسان، وخلصت إلى أن المقومات المتاحة "في المكان" تشكل منظومة جامعة لكل التضاريس والمناخات قلما تجتمع في مكان واحد.. السهل والوادي والجبل والصحراء والبحر و"في الإنسان" صدق عزيمة لفعل ما يقتنع به}. أدرك الأمير طبيعة منطقة عسير واختلاف تضاريسها وجمال طبيعتها ومناخها فقرر تفعيل إمكانيات المكان وقدرات الإنسان لتطوير المنطقة، فطرح فكرة السياحة في المملكة مدركًا أن مفتاح التنمية في عسير يكمن في مجال السياحة، وأن أسلم طريقة للتنمية ترتكز على بناء الإنسان، أي نوع من بناء الإنسان يريد؟ فكانت الإجابة الإنسان القوي الأمين. أن تجربة إمارة عسير ليست بدعة- كما قال- لكنها عمل يتم من خلال النظام. فقد حاول استثمار كل فرصة نظامية لتفعيلها، ووضع استراتيجية للتنمية في المنطقة دعي للمشاركة فيها مجموعة كبيرة من الأهالي والمختصين في شتى العلوم من الشباب والكبار من الجنسين.

 

  رغم دعوة سموه لي لزيارة منطقة عسير لكن سفري المكوكي بين الرياض ولندن لم يتح تلبية الدعوة وتحقيق الأمنية. 

 

 

عام 2007 صدر الأمر الملكي بتعيين الأمير خالد الفيصل أميرًا لمنطقة مكة المكرمة. وعلى الفور بدأ في وضع استراتيجيته وخطة عشرية للتنمية شاركت المجتمع في المنطقة، وتراجع كل خمسة أعوام لمناقشة ما أنجز وتعاد دراسة جوانبها لتعزيز الجوانب الإيجابية وتلافي السلبية، إضافة لمراجعة المنجزات وتذليل المعوقات لتحقيق التنمية في المنطقة.

 

وأخذت الاستراتيجية، التي ارتكزت على محورين رئيسيين هما بناءً الإنسان وتنمية المكان، في الاعتبار إحداث تنمية شاملة، تكون ممرًا ثقافيا وعلميًا واقتصاديًا وإعماريًا، تنطلق إلى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ومنها إلى جدة ثم إلى مكة المكرمة، حيث الروحانية والسكينة، ثم صعودًا إلى أعالي جبال السروات التي تتربع عليها الطائف المصيف الأول، التي تحتضن سوق عكاظ الرمز الأدبي الذي يعود تاريخه لأكثر من 1300 عام. 

 

إن الحراك الثقافي الذي تبنته إمارة عسير، وبعدها إمارة مكة، هدف لتحقيق أحد أهم ركائز التنمية، وهي بناء الإنسان، إذ إنه لا يمكن الوصول لتنمية حقيقة ما لم تكن هناك حركة ثقافية، فحضارة الأمم تقيم مكانها بين الشعوب التي تحترم الإنسان وتقدر عقله وتنشد جماليته، لذا فإن الإمارتين تحت رعايته تعملان على نشر الثقافة، وهو لا يمانع في الانفتاح على العالم والاستفادة من الأفكار والأطروحات، التي تسهم في الارتقاء في إنسان المملكة، شريطة ألا يتعارض ذلك أو يمس المبادئ والقيم الإسلامية”.

 

وفي هذا الشأن أطلق الأمير خالد الفيصل أكثر من ورشة لصناعة المبادرات التكاملية التي تهدف إلى قيام أكثر من جهة للتعاون والتكامل لتقديم مبادرات وبرامج نوعية تخدم هدف رسالته ورؤيته، عبر مشاركة مجموعة من المفكرين والمتخصصين في 6 مجالات مختلفة، وهي: المجال الصحي والرياضي، المجال الاجتماعي والأسري، المجال القيمي والأخلاقي، المجال العلمي والتقني، المجال الثقافي والإعلامي، المجال الاقتصادي والمالي.

 

 

أشار الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز إلى أن أسلم طريقة للتنمية ترتكز على أساسين، هما بناء الإنسان وتنمية المكان، قائلا: "فكرنا ماذا يريد الإنسان في هذا المكان، الإنسان المواطن والمقيم والوافد، ورأينا أن أسلم طريقة للتنمية ترتكز على أساسين هما بناء الإنسان وتنمية المكان، ثم فكرنا أي نوع من بناء الإنسان نريد، فكانت الإجابة مذكورة في القرآن الكريم وهو الإنسان القوي الأمين. وانتقلنا بعد ذلك إلى التفكير في تنمية المكان، فوجدنا أن هناك ثلاث مدن رئيسة في المنطقة، لكن هناك مدنا أخرى ومحافظات منتشرة، فحتم علينا ذلك أن نتوجه إلى تنمية متوازنة تصل إلى كل مدينة ومركز وقرية ومتوازية تسير في كل تلك المدن في الوقت نفسه".

 

وضح الأمير- في أكثر من لقاء- أن التجربة من نقطة البداية، ومنذ بدأ العمل وضع استراتيجية التنمية لكل منطقة بالدعوة للمشاركة بمجموعة كبيرة من الأهالي والمختصين في شتى العلوم من الشباب والكبار من الجنسين، إذ جرى تشكيل فريق عمل يضم 120 كفاءة من السيدات والرجال لوضع هذه الخطة الاستراتيجية للمنطقة حتى تم التوصل لرؤية واضحة في استراتيجية المنطقة للفترة الزمنية المقبلة مبنية على النظام الأساسي للحكم والخطط الخمسية للدولة والمخطط الإقليمي للمنطقة وحسب الموازنات المرصودة ومنهجية الدولة المتبعة في التنمية، مؤكدًا بالقول: "أهم ما كنا نسعى إليه عند وضع هذه الاستراتيجية هو وضوح الرؤية، وأن نعرف تماما ماذا نريد وكيف نريد الوصول إليه وكم المدة الزمنية التي تلزمنا للوصول إليه".

 

وقال سمو الأمير خالد الفيصل: "بناء على كل ما سبق انطلق فريق العمل في اختيار المشاريع التي تخدم المنطقة كما ونوعا. لكننا عندما شرعنا في تنفيذ هذه المبادئ التي قامت عليها الخطة الاستراتيجية لكلا الإمارتين، رأينا أهمية أن نبدأ بأنفسنا وأن نرتب بيتنا الداخلي أولًا، فلا يمكن أن نبدأ بإصلاح ما حولنا إلا بعد إصلاح أنفسنا وبيتنا. فتقدمنا بطلب إلى وزارة الداخلية لإعادة هيكلة الإمارة كتجربة جديدة لمدة عامين، وجاءتنا الموافقة على البدء في التنفيذ، وكانت أهم إدارات هذه الهيكلة الجديدة استحداث وكالة مساعدة للتنمية، تم تخصيصها فقط لشؤون التنمية، ثم أنشأت إدارة عامة للدراسات والعلاقات العامة تعنى بعلاقة الإمارة بالمواطنين والإدارات الحكومية".

 

أنشأ إدارة خاصة في كل إمارة لمتابعة تنفيذ المشاريع، وكشفت له وجود أنواع عدة من المشاريع تشمل المشاريع المتعثرة، والمشاريع المتأخرة، والمشاريع المنجزة، والمشاريع الجاري إنجازها، ونجح بفضل هذه الآلية في تحريك الكثير من المشروعات المتعثرة، مؤكدًا أن أهم معوقات التطوير التي جرى كشفها تمثلت في العرف والتقليد السائد في الإدارة. المبادرات التي تبنتها الإمارتان للعناية بإنسان المنطقة، أولها يتمثل في إشراك المواطن في الواجب والمسؤولية التي تحتم عليه لرقي المنطقة، إضافة إلى إنشاء جمعية شباب للتطوع، اختير منها لجنة شبابية للمشاركة في مجلس المنطقة لحضور المجلس والإسهام فيه.

 

سعى الامير خالد الفيصل إلى العناية بالإنسان بإنشاء الكراسي العلمية في الجامعات السعودية، وهي: كرسي الاعتدال في جامعة الملك عبد العزيز، وكرسي العشوائيات في جامعة أم القرى، وكرسي بناء الإنسان في جامعة الإمام بالرياض، وكرسي النظام في جامعة الطائف، وجميعها تقدم أبحاثًا علمية وفكرية ودراسات ميدانية.

 

بناء الإنسان لم يكن مجرد شعار إعلامي أجوف، بل كان هاجسًا حقيقيًا للأمير، يعيشه بوجدانه، ويصنعه بفكره، ويترجمه بقوله وفعله. ولذا وضع للرؤية خارطة طريق، واستراتيجية إدارية ورقابية محكمة، بل وضع تصورها الدقيق في كتابه الذي يحمل الاسم ذاته: «بناء الإنسان وتنمية المكان». وأخذ على نفسه عهدًا بالمضي حتى نهاية الطريق.

 

ما أروع أن يكون المسؤول معنيًّا بتخفيف آلام الحياة ومشاقها عن الناس! بل ما أروع أن يبث في الجميع ثقافة العدل والتكافل والعطف، ويترجم بفعله قبل قوله. ما أروعك يا خالد الفيصل الإنسان، وقد علمت أن خدمة الناس شرف يستحق العناء.

 

عدت من لقاء الأمير وأنا أكثر حماسًا للعمل على نجاح مشروعه الثقافي الجديد. فالرجل صاحب رسالة يعمل على بناء الإنسان اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، حمايةً للمبادئ والقيم التي اختارها الملك المؤسس للشعب والدولة، الرجل تنبع منه طاقات ايجابية تدفعك لمشاركته فيها لتحقيق الهدف. 

 

وجمعت كل ما وهبني الله به من فكر وفن وإبداع للتحضير لإصدار العدد الأول من "الفيصل".

 

الأمير خالد الفيصل الإنسان.. رائعًا في خدمة الناس وهو يعلم أنه شرف يستحق العناء، هنيئًا للإنسانية بأمثاله.

 

 

تم نسخ الرابط