يقينًا ستظل حرب أكتوبر 1973 الحدث الأكبر في تاريخ مصر الحديث كلحظة انتصار للإرادة المصرية، التي تلقت ضربة هائلة قبل ست سنوات، أدت إلى هزيمة عسكرية ضخمة كان يمكن أن تظل نتائجها النفسية والمجتمعية وإلى أجيال قادمة مهددة للكيان المصري بكل مكوناته ومسيطرة على الوجدان الشعبي بكل تفاصيله، كلحظة انكسار مظلمة في اختبار وجودي.
ولكن المعدن المصري بأصله التاريخي، لم يستطع التعايش مع هذه اللحظة القاتمة، ولم يجرؤ على هضم الهزيمة فصنع انتصاره في عمل عسكري هو بكل المقاييس عمل إعجازي لا تقدم عليه أقوى جيوش العالم حتى تلك الجيوش التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية، والتي وصف جنرالاتها أي تحرك عسكري مصري في مهاجمة إسرائيل بهذا النوع من التسليح، وتحت هذه الظروف العسكرية من وجود مانع مائي ضخم مزود بفوهات نابالم تحول سطح المياه إلى جحيم من النيران وسد ترابي مستقيم عالي الارتفاع وخط دفاعى حصين مزود بكل عناصر تكنولوجيا هذا الوقت ومدعم من خلفه بقوات مدرعة جاهزة للتحرك في وقت وأي اتجاه وتفوق جوي إسرائيلي قادر على السيطرة على سماء أي معركة.
وصف الجنرالات المنتصرون في الحرب العالمية الثانية محاولة قيام مصر بشن هجوم عسكري، لاستعادة الأرض، هو انتحار عسكري بكل المقاييس العسكرية والفنية، فلا مسرح العمليات مؤهلًا ولا نوعية التسليح تتوازى مع التسليح الإسرائيلي، ولا عناصر الاقتصاد جاهزة لعمل عسكري، ولا الظرف الدولي وقوتيه الأعظم أمريكا وروسيا تحت مظلة الحرب الباردة قابلة لنشوب حرب.
لكن الإعجاز المصري في التفكير العسكري، الذي أنتج خططًا تتعامل مع هذه الظروف المستحيلة عمليًا، وأعد الجندي المصري المتمتع بالطبيعة الصلبة والذكاء الفطري وعزيمة الروح القتالية وفضيلة التضحية لهذا النوع من الحرب المستحيلة، وتم تدريبه طوال ست سنوات مضت بأرقى أدوات التدريب، التي راعت الظروف المتوقعة للمعركة الكبرى وقسوتها واحتمالات تطورها، فهذا الجندي المصري المقاتل في حقيقة الأمر لم يحارب في 1967، ولم يختبر، وعندما جاءت لحظة الاختبار جاء أداؤه مثاليًا رفيع المستوى، على نحو ما تصفه كل نظريات العلوم العسكرية في العالم.
تغيرت نظريات عسكرية عالمية مستقرة بعد الابتكار المذهل للجنرال المصري في خطط التحرك العسكري والاستخدام الأمثل للأسلحة المتوافرة على اختلاف أنواعها، وإبداعه في برامج تدريب الجنود في ظروف تماثل ظروف المعركة المتوقعة بكل جدية، واستحداثه لوسائل التغلب على الموانع، قناة السويس وفوهات النابالم والسد الترابي والخط الحصين وقوات احتياط خط بارليف، وبعد الأداء القتالي رفيع المستوى للجندي المصري، الذي أصبح رابضًا على الضفة الأخرى وحسم نتيجة الحرب لصالحه في ست ساعات.
العام القادم ستأتي ذكرى انتصار أكتوبر المجيد وقد مر خمسون عاما، وستتكشف وثائق جديدة عن الحرب، ولكن في كل الأحوال ليس سرا أننا لم نقدم أعمالا فنية تليق بمقام هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر، والتي أعادت الكبرياء الوطني لكل مصري، بما يضمن إتاحة قيم ودروس وماهية هذا الانتصار العظيم للوعي الجمعي وتثبيته في الذاكرة المصرية للأجيال الجديدة، صحيح أنه تم إنتاج مجموعة من الأفلام لا تتعدى أصابع اليد الواحدة عن حرب أكتوبر، ولكنها ستظل أفلاما من وحي اللحظة وقد انتجت قبل ما يقرب من 45 سنة، وبلا شك جرت في النهر مياه كثيرة، بما يستدعي إنتاج عمل فني ضخم فيلم يليق بمكانة حرب أكتوبر فى الوجدان الشعبي وحجم ما قدمته الأمة المصرية من صمود وتحديات وعمل وصبر لتحصل على انتصارها في 6 أكتوبر 1973، ولنخطط من الآن ونجهز لاحتفالية ضخمة بمرور خمسين سنة على حرب أكتوبر على رأسها فيلم ضخم وثري الإنتاج تتبناه وتوفر له كل السبل الإنتاجية وتشرف على تنفيذه القوات المسلحة المصرية الباسلة، يؤكد على حق الجيش المصري العظيم في المجد وحق الشعب المصري في الفخر والاعتزاز، وهي قيم من حق مصر أن تُسجل لأجيال من شبابها.



