الكتابة والموضة.. قراءة فى «حتى فساتيني»
الاحتفاء بالأزياء، والأقمشة وألوانها يطل من بين سطور هذه المجموعة القصصية التي شاركت بالكتابة فيها تسع كاتبات هن: مي التلمساني، ونورا ناجى، وإيناس الهندي، ومريم حسين، ونور حلوم، وشيماء ياسر، وأسماء جمال عبد الناصر، ودانى ناجى، ووفاء السعيد.

المجموعة القصصية بعنوان «حتى فساتيني.»، وهي نتاج «ورشة الكتابة والموضة» التي نظمها بيت التلمساني بالتعاون مع دار المرايا، والكتاب تحرير ومشاركة مي التلمساني.
- في الذاكرة والخيال
وتأتى عتبة النص أو عنوان المجموعة كمعارضة سردية لقصيدة شهيرة لنزار قبانى وعلى وجه الدقة لبيت شعرى فيها، القصيدة هي «أيظن»، وهى من قصائده المغناة والبيت الشعرى الذي يستدعته في الذاكرة والخيال هو قول: نزار على لسان بطلة القصيدة مصَّورة فرحتها بعودة حبيبها «حتى فساتينى التي أهملتهاـ فرحت به.. رقصت على قدميه».
والقصيدة التي بدأت بتمرد الفتاة على حبيبها «أيظن أنى لعبة بيديه؟ـ أنا لا أفكر في الرجوع إليه»، انتهت بمسامحته، والاستسلام لعاطفة الحب.
وإذا كان هذا المدخل يعد ضروريا للدخول إلى النص من عنوانه فإنه يمكن القول أن القصص التسع في مجملها قد حملت تمردا واضحا على الفساتين والأزياء التي حملت في حد ذاتها دلالة ما، اجتماعية أو طبقية، أو مرتبطة بمراحل عمرية أو عاطفية، لتصنع هذه القصص بين أيدينا حيوات أنثوية مفعمة بالحيوية والتمرد، والرغبة في تحقيق الذات، وفي أغلب الأحيان بعيدا عن الرجل، بل وهجرانا له في بعض القصص، مما يمثل تمردا حتى على أبيات نزار المدخل والبداية وعتبة النص.
- فستان أخضر
القصة الوحيدة في المجموعة التي استدعت ثانية أبيات لنزار هي قصة «فستان ديور الأخضر» للكاتبة إيناس الهندي وقد استدعت فيه قصيدة له بعنوان:
«كريسيتان ديور» فضمنت قصتها هذه الأبيات من القصيدة «شذاى الفرنسي.. هل أثملك؟ ـ حبيبيـ فإني تطيبت لكـ لأصغر.. أصغر نقطة عطر ذراع تمدـ لتستقبلكـ وقل لي بأنكـ لا.. لا تقل ليـ وأبحر بشعرى الذي ظلكـ وشعرا قصيرا. لماذا شهقت؟ ـ أخيَّب شعري ترى مأملك».
وترى بطلة قصتها أن هذه القصيدة تمثلها وتشعر أنه يصفها فيها، وهى تحب القصيدة لأنها لا تحب الروتين فهي تقص شعرها في الصيف وتعقده كذيل حصان في الشتاء فهي لا تحب التقيد بشيء، متفانية، لم تتحقق حتى أحلامها كعروس فترتدى فستان زفاف بسبب تقديم موعد الزفاف فارتدت بلوزة وجيبة فتقول "طقم بسيط من الكتان الأبيض العاجي، بلوزة بفتحة على شكل رقم سبعة عليها زخارف من الركامة حول الصدر، وجيبة فضفاضة، زخارفها الركامية على الذيل، ارتديت على البلوزة حزاما أصفر رفيعا، ولبست طرحة الأبيض العاجي، وفي يدى أسورة بسيطة بها فراشة رقيقة، وثبتت طرف الطرحة الملمومة إلى الوراء بعد أن صنعت بها لفة حول عنقي، وتمت المراسم وانطلقت مع زوجها إلى منزلها، كانت من قبل تحلم دائما بفستان أخضر يتجلى في أحلامها يرتبط بالفرح وبالعرس، فهي تتعلق بأغنية تقول كلماتها: «راحة فين يا عروسة يا أم توب أخضرـ راحة أجيب الورد وأجيب سُكَر.
ثم ينتقل الفستان الأخضر -الحلم -إلى مرحلة أخرى في حياتها فقد رأته ثانية في فاترينة أحد محلات الملابس، وقد ذهبت مع صديقتها المُقربة لشراء فستان للصديقة لزفافها وزواجها للمرة الثانية، كانت الصديقة تفتش عن فستان وردى أو من ألوان الباستيل الفاتحة، ووقعت عينا الصديقين على الفستان الأخضر الصريح، فتعلقت به كلتاهما مما أثار فضول بطلة القصة فتقول: «أردت أن جرب مقاس الفستان وأرادت هي أيضا أن تجربه، كانت مفاجأة بالنسبة لي فهي تعرف أنه لونى المفضل، وهي ترغب بفستان فاتح، لماذا تريد فستاني؟
وتكشف القصة مفاجأتها الثانية وهي أن صديقتها لا تريد فستانها فقط لكن تريد الزواج من شريك حياتها أيضا! فتقول البطلة عنه "كان يخبرني دوما أننا توأم ملتصق لا ننفصل أبدًا، ربما ذلك التوءم قد وجد طبيبا يستطيع أن يفصل القلب الواحد. روحانا كانت واحدة، أفهمه قبل أن ينطق، بمجرد نظر إلى عينيه اللتين تضيقان جدا عند الابتسام، وتلمعان لي، اعتدت أن أخبره بفرحة عينيه التي تتلألأ حتى في الظلام عندما أتحدث معه، يجد سعادة غامرة بحديثي ولمسات يدي، يقول إنها تداعب قلبه».
وتصف صديقتها وموقفها الملتيس: «أما هى فقد اعتادت أن تمازحه بطريقة مبالغ فيها على صفحات فيسبوك أمام الجميع، والإغراء المبالغ لكل بوست عادى حتى دخل قلبى الشك من جانبها.
فجأة رأيتها تجلس أمامى إلى جواره في مراسم احتفالية تشبه الزفاف، كنت في اليوم السابق قد رأيت صورة جناح طائرة على صفحتها على الفيسبوك، وإحدى صديقاتها تعلق عليها بجزء من الأغنية التي أحبها «راحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر».
وهنا يتحول الفستان الأخضر الحلم إلى طعنة إلى دلالة، إلى معنى قاس، من غدر الزوج وغدر الصديقة التي أجلت شراء الفستان لآخر لحظة، والزوج الذي تحجج بسفره إلى مهمة عمل، حيث أصبح الفستان هنا وقد تحول من حلم إلى انهيار الحلم، فتقول بطلة القصة: «فشلت في أبسط الأشياء، التي تستطيع أن تفعلها أى فتاة عادية لم ارتد فستانا للزفاف». عشت سنوات كثيرة أحلم بتلك اللحظة تلك السنوات عشتها على صفحات المجلات أقلب وأختار أزياء وأثاثا، أحلم بالفستان والبيت».
- فستان قديم
وتأتى قصة «صورة جديدة لفستان قديم» للكاتبة نورا ناجى لتقدم معارضة عميقة سردية لقصيدة نزار «أيظن» أو بالأحرى لأبيات «حتى فساتيني...»، فامرأة القصيدة تبدى التمرد والرغبة في الهجران، وامرأة القصة فساتينها لا ترقص حين تلقى الحبيب بل تضطر إلى إخفاء فساتينها الجديدة أسفل الكنبة لتتمكن من الإجابة على سؤال زوجها الغاضب دائما: ماي اشتريتها؟ فتستطيع أن تقول وهي تخفي حزنا عميقا: «من زمان!!». وهنا تلعب الفساتين في حياتها دورا تعويضيا فهي تجسد أحلامها بالأناقة والفرح في زيجة لم تتحقق فيها الأنثى فلم تجد إلا قسوة الزوج وتجاهله لها بعد شهرين من الزواج، رغم أنها سافرت معه إلى إحدى الدول الخليجية لتشاركه حياته وتحقق أحلامها كزوجة وشريكة حياة، تكتشف بطلة القصة اكتشافا مؤلما.
إنها ما تزوجته إلا للحصول على «لاب توب»، فقد باعت ما أهداه لها من ذهب «الشبكة» لتحصل على جهاز لاب توب، وأنها حملت معها إلى الغربة فقاقيع ملونة ومعطرة لتضعها في بانيو متخيل تحلم أن تنعم فيه بحرية، وتبقى فيه لأطول وقت ممكن بعدما كانت لا تستطيع أن تملك هذا الترف مع عائلتها رغم وجود بانيو في بيتهم القديم، تبكى عندما الشقة الجديدة عارية من كل شيء، وبلا بانيو، فتلقى الفقاقيع المعطرة في القمامة، تبكى لأن زوجها يلبى طلبها للسفر إلى الوطن الأم بسرعة ويتركها تحمل حقائبها وحدها، تبكى لأنها تضطر للعودة إليه بعد أن تلد ومعها طفلتها يراها للمرة الأولى فيحملها ويتركها تجر حقائبها خلفها ودموعها كالمطر ثم تقرر في لحظة ترك كل شيء، الملابس الأنيقة التي كانت تشتريها بعيدا عن عينيه، وتخبئها أسفل الكنبة صوته القاسى، تعنيفه الدائم لها، الآن سوف تكتشف في بيتها القديم صورتها الحقيقية المحبة للحياة، عاشقة الأناقة، تضم طفلتها إليها وترتدى فستانا تحبه بعد أن سافرت إلى الوطن الأم، تاركة حياة فقدت فيها ألقها، وصورتها الحقيقية التي كانت تشعر معها بالرضا والفرح.
-باترون
أما في قصة «باترون مزيونة» للكاتبة شيماء ياسر، فبطلة قصتها تعانى من وحدة نفسية قاسية رغم حياتها مع والديها وتعانى في الوقت نفسه صراعات داخلية عميقة تشطرها إلى نصفين نصف تمثله «فادية» التي تذعن دائما إلى أوامر والديها د.لطيفة ود.شاكر وهى دائما تحدث إليها بألقابها العلمية لم تقل مرة لأبيها.. يا أبى، ولا لأمها يا أمي!، تذعن «فادية» لرغبة والديها بالموافقة على الزواج من «أسامة» ابن العمة الذي تحرش بها وهى صبية، وترك في نفسها جرحا لا يندمل، ضغوط والديها، أمها التي أعدت الجونلة «الكاروه»، والبلوزة التي تلاءم ألوانها، أبوها الذي يأمرها بالخروج لملاقاة العريس، ويدعوها ألا تحرجه برفضها مع أخته، وهى لم تستطع أن ترفض لكنها لجأت للنصف الآخر فيها، إلى «ندي» التي تراها أقوى منها، ترتدى ما يحلو لها من ملابس قد تتعرض للانتقاد من العائلة لو قلدتها، «ندي» التي لم تحب أبدا «باترونات» الوالدة التي تقصها بالمقاس لتناسب جسدها، "ندي" التي لا تحب «الكاروه»، وهى الوحيدة التي يمكنها أن تتصرف في مشكلة «فادية»، الوحدة العميقة تشكل ملامح حياة «فادية» التي تتغنى بأغنية «داليدا» ليفصح النص عن شجن خاص، وألم فادح تشعر به بطلة القصة وهى تغنى: «كي لا نعيش بمفردنا ـ نعيش مع كلبـ نعيش مع ورودـ أو مع اعتقادـ كي لا نعيش بمفردناـ نحن نصنع منا سينماـ نحب الذكرىـ ظل ـ أي شيء».
وترسم الكاتبة نهاية مهمة لقصتها فهي تجعل «فادية» بما يعذبها من هشاشة وضعف واستسلام تنسحب من حياة «ندي» التي ستنهض بالشخصية بنصفيها «فادية»، و«ندي» معا، بما يمثلانه من ضعف وقوة، ورغبة عارمة في التوحد والاتساق فتقول الكاتبة «اختفت فادية» من حياة «ندي» بل طلبت منها وأجبرتها على التدخل في هذا الزواج المزمع، بل في هذه الحياة التي كادت أن تعيشها الشخصية الرئيسة بدون إرادتها «ندي» ستملك زمام أمورها، وذلك بعد اختفاء «فادية» المفاجئ بكل هشاشتها، وعدم قدرتها على اتخاذها قراراتها بنفسها، وأهمها قرار زواجها. > تمرد «لى لى »
وكما مثلت الملابس في قصة «باترون مزيونة» لشيماء ياسر ضغطا اجتماعيا، وكأن «الباترون» هو مساحة محسوبة مقتطعة يتم فيها تشكيل الجسد قطعة قطعة، ويعد الخروج على «الباترون» نقيصة تهدد بفشله، وصياغة «الباترون» على هذا النحو مرسوما بيد الأم القامعة تجده في قصة: «مروحة روميو وجولييت» قصة الكاتبة دانى ناجى، فالقصة تصَّور حياة «لي لي » التي تعانى وأمها من تسلط الجدة، وتكشف «لى لي» أنها لابد أن تثور على أوامر الجدة التي كدرتها لأنها ارتدت بلوزة وبنطلونا في عزاء الجد وأجبرتها على تغيير ملابسها لترتدى فستانا، وأن تغير تسريحة شعرها الذي شبهته بذيل الماعز!، وأمرتها بأن ترفعه بمشبك شعر، أذعنت «لى لي» لأوامر الجدة التي قرصتها في ذراعها، وكادت أن تلطمها وهى توجهها إلى كيفية الالتزام بملابس العزاء وطقوسه، لكن تكتب لهذه القصة نهاية جديدة فتتمرد «لي لي» بعد أن أذعنت وارتدت الفستان، وغيَّرت تسريحة شعرها، فلقد طالبتها الجدة بمروحة لتستخدمها أمام السيدات في العزاء، فنادلتها «لي لي » مروحة مرسوم عليها «روميو وجولييت» مروحة ملونة تحمل عاطفة نفتقدها «لى لي» بعد أن حرمتها الجدة من الزواج من الشاب الذي تحبه، وعندما تنهرها الجدة على مناولتها هذه المروحة، وتهرول الأم حاملة مروحة الجدة الدانتيل السوداء، تتخذ «لي لي » قرارها بترك البيت القصر، تواجه سطوة الجدة، وضعف الأم، محاولة الاعتماد على نفسها بعد أن بلغت سن الثلاثين، ولم تجد دعمًا من أحد، وهنا تصبح المروحة «روميو وجولييت» حاملة لدلالة مُغيَّرة وثائرة معًا، وتنقل النص من قساوته إلى ملمح جديد باحث عن العاطفة والتحقق حيث تصبح المروحة هنا نقلة في حياة «لى لي» بينما تقع الجدة أسيرة لمروحتها التقليدية، فتصورَّ الكاتبة في الشهد الأخير موقف الجدة فتقول: «بلعت الجدة ريقها، وقبل أن تعود السيدات الواقفات لجلستهن، رفعت الجدة صوتها بثبات قائلة:
شرفتن فتوجهن الواحدة تلو الأخرى نحوها، ومدت كل واحدة كفها تصافحها والجدة لا تنظر لأى منهن في وجهها، وما إن خرجت آخر سيدة حتى عادت لكرسيها الوثير، ورفعت صوتها هادرا آمرا: أعطوني مروحة.. هذا الثبات العقيم في موقف الجدة في الوقت الذي خرجت فيه حفيدتها لملاقاة المجهول، هربا من قسوة الواقع وسلطة الجدة الغاشمة، واستسلام الأم التي تابعت «لى لي» بنظرها وهي تقطع طريقها في الحديقة الكبيرة حتى خرجت من البوابة للشارع، واحتفت عن مرمى بصرها والدموع قد حجبت رؤيتها».
- طرحة سوداء
أما قصة «طرحة سوداء» للكاتبة وفاء السعيد فهى تصَّور الضغط الاجتماعى التي تتعرض له فتاة تعيش في حى شعبى بسبب الملابس، فعندما سافرت إلى ألمانيا للدراسة - ثلاثة أشهر - وهى تُعد لدرجة الماجستير، حاولت التخلص من «المعصم» البوليستر الذي ترتديه ليخفي ذراعيها وما يسببه لها من حساسية جلدية.وأطلقت شعرها وقد تخففت من طرحتها ذات الألياف الصناعية، وعندما عادت من سفرها إلى الحى الشعبى كانت قد قررت خلع الطرحة والمعصم، واختيار لون جديد لشعرها، وهنا تعرضت لانتقاد شديد من النسوة في الحى الذي تسكن فيه بل استاء منها صاحب منزل المغتربات الذي تقطنه عندما عادت بهيئتها الجديدة، وتضطر الفتاة إلى العودة لارتداء الطرحة و«المعصم» من جديد، ومضت تئن تحت خيوط البوليستر القاسية بعد أن استدعاها أخوها لرؤية أمها المريضة فمضت تتعثر في الحى الشعبى، ترمقها النساء بعلامات تعجب واستفهام حول هيئتها، والتندر على تقلب أحوالها، من ارتداء الحجاب وخلعه ثم العودة إليه.
وفي البيت كان في انتظارها مفاجأة قاسية وحزينة فقد توفيت أمها، وتصف الكاتبة مشهد الفتاة المؤلم فتقول «لطمت خديها وانهارت قواها فارتمت على الأرض، وانفك حجاب رأسها فحملها الأخ منتفضا إلى مدخل البيت ليواريها عن أنظار الرجال، ألقى بها «للحريم» كمن يدفع بكيس نفايات ليساعدها على النهوض.
وهنا تتجدد مرة أخرى دلالة الثياب فتعيرها عمتها جلبابا أسود، وطرحة سوداء لتكون رمزا للحزن والحداد على وفاة الأم، وتنتهي القصة بمشهد للفتاة وقد بقيت وحيدة مع الأم الراحلة في غرفتها، التي ظل على وجهها وملامحها الساكنة «ابتسامة رقيقة غير مكتملة على ثغرها معلقة بين السماء والأرض، كأنها تنتظر شيئا قد تأخر.
- في الخزانة!
وتأتى قصة «خزانة لا تتسع لكل شيء» للكاتبة نمور حلوم لتصف تجربة فتاة تصر على الارتحال للعاصمة للدراسة بتشجيع من جدها ودعمه المالى، ورفض والدتها وخوفها عليها من الإقامة في شقة مفروشة مع بعض الفتيات اللواتى يدرسن أيضا في جامعات تحاول الأم التعرف عليهن، والإقامة معهن لفترة حتى تطمئن على ابنتها، ثم تعود إلى بلدتها، وتكشف «هالة» بطلة القصة عوالم جديدة، معنى الصداقة العميقة واحترام الآخر من خلال صداقتها لسمر، لكنها بدأت ترتدى ملابس متحررة، وتدخن السجائر مما جعل الأم ترسل بمن يراقبها، ويلتقي بها خالها في أحد المقاهي، ولا يرضي عن ملابسها المتحررة ولا عن ثلة أصدقائها من الطلبة والطالبات، وتزداد «هالة» ابتعاداً عن أسرتها عندما علمت بموقف الأم وتهديدها لها بمراقبتها.
ثم يحدث تطور جديد في موقفة «هالة» بعد أن عانت من السكني في الشقق المفروشة، وتدخل من تساكنهن في شؤونها الشخصية، بل يستحبن أشيائها ومتعلقاتها، فتتخذ قرارها بالعودة إلى بلدتها، بل والعودة إلى حضن أمها، وقد افتقدت الأمان والاستقرار في تنقلها المستمر وبحثها الدائم عن مكان مناسب للإقامة.
- الجمال والأناقة
أما قصة «فستان عند الركبة» للكاتبة مي التلمساني فهي إبحار في العوالم الداخلية العميقة لامرأة ناضجة تتشبث بحيويتها وجمالها في مجتمع يربط الجمال والأناقة بسنّي بالعمر، بطلة قصتها تصف معاناتها تلك فتقول:في الحلم، أغطس وسط الثياب وارتديها كلها بلا ترتيب، طبقة فوق طبقة، أتأمل نفسي في المرآة، فأبدو مثل «بازل» من الملابس القديمة والجديدة، ماض وحاضر في الوقت نفسه، أنا، ولست أنا تماماً، يعجبني شكلي الجديد، وكأني تحولت إلي كرة هائلة من الثياب الوثيرة في مرحلة لاحقة تؤنبني أمي علي هيئتي الخالية من الذوق والرقة فأعدها مثل ابنة طيبة من بنات الريف السعيد- بأني يوما ما سأتخلص من تلك الهلاهيل، وأعاود الاسترخاء علي كرسيها القديم محل الثياب المهملة».
وبطلة القصة لا تتعرض فقط لتأنيب الأم في الحلم علي ملابسها، وإنما أيضا تتدخل بائعات الملابس في اختيارها لفستان جديد فينصحها بارتداء ما يناسب سنها ومقامه.
وأن تشترى «تي شيرت» لارتدائه تحت الفستان الأبيض الواسع الصدر، و«لينجنج» لأن الفستان عند الركبة فتضيق بتدخلهن في اختيار ملابسها، وتختار الفستان الأبيض الذي اختارته.
ويستدعى هذا الفستان الأبيض عند الركبة فستانا أبيض آخر هو فستان الزفاف الذي تراه وهى ترتب دولاب ملابسها فتتذكر تمردها، ورفضها حجز قاعة تتلألأ بالأنوار والطقوس التقليدية للأفراح، واعتذار بعض أقاربها عند حضور الفرح اعتراضا على خروجها عن التقاليد، وشيئا فشيئا تتضح دواخل الشخصية في هذه القصة وتكتمل تفاصيل ملامحها، فبعد التمرد على المظاهر، والأمل في السعادة والفرح نكتشف وحدة البطلة مع أغنية جميلة شجية تنبعث من خلف شيش الجيران: «عايزك أنت، قلبك أنت.. م البداية للنهاية. أعمل إيه، أعمل إيه؟
وحينما تفكر لو صحيح أن بعض الحب صعب المنال فالأكيد أنه كله مستحيل، ومن هذه اللحظة تمضي بنا الكاتبة إلى لحظة أعمق في دواخل بطلتها فتقول على لسان البطلة: «تتجول فكرة الحب في رأسي وتلف وتدور قبل أن أتمكن من تعيينها والبوح بها لنفسي، ترتبط بوجه آخر حبيب غامت ملامحه بعد عام من الانفصال، وأجبته بحزن: أعمل إيه؟، أعمل إيه؟».
ومن فستان أبيض تحت الركبة، إلى فستان الزفاف الأبيض، إلى فكرة الحب وديمومته تعود البطلة إلى ترتيب صوان ملابسها وتخليص الكرسي من تلال الملابس، وربما من تلال الذكريات.
وتنتهى القصة بمشهد مهم وهو أن بطلتها لا تستسلم لكل ما يسلبها إحساسها بالحيوية والجمال، بل تنعم بكل ما هو جميل حولها فتقول: «النسيم البارد يحمل روائح عطر تنبعث من حدائق قريبة وبعيدة، عطر زهور البنفسج والليليوم والنعناع»، تعشق فستانها الأبيض وهو يرفرف مع هواء البحر الساري، وتحكم اغلق الجاكيت فوقه اتقاء للهواء البارد، وعندما تفكر في ضرورة ارتداء «ليجنج» في المرة القادمة فسيكون ذلك أيضا لاتقاء الهواء البارد، وليس نزولا على رغبة أحد.
- الملابس والمشاعر
وتأتى قصة «اختلط علينا الأمر» لمريم حسين لتجعل الملابس وثيقة الصلة بالمشاعر الإنسانية بل تمثل نبضا حيويا عند ارتدائها وخصوصية ما، فبطلة القصة ربطتها عاطفة الحب بالشاب «نائل»، فهى تحتفظ بالفستان الذي اشترته من وكالة البلح لكنه أنيق، ويحمل طابعا هنديا، وقابلت به نائل فهو رمز لذكرياتها معه وإحساسها به لكنى أمل تجمع بعض المتعلقات وتتخلص منها فتمسخها لزوجة البواب ومنها هذا الفستان دون أن تعرف مدى خصوصيته بالنسبة لأبنتها، وتحاول الفتاة استعادة الفستان في الصباح من زوجة البواب لكنها تجد ابنتها قد ارتدته، وبدا الأمر وكأن الفستان انفصل عنها بشكل نهائى فلم يعد يحمل رائحتها وعطرها وتفاصيلها وذكرياتها فتتركه وتنسى كل ما يتعلق بأمره.
-بين المسموح والممنوع
وتأتى قصة «لا قصة ولا مناظر» للكاتبة أسماء جمال عبدالناصر لتحكى بطلة القصة عن موعد تسليم قصة ورشة «الكتابة والموضة» التي لم تستقر لها على بداية أو وسط أو نهاية، فهى تعمل كرقيبة على سيناريوهات الأفلام، وتعانى اكتئاب ما بعد السفر فهي لا تقوى على الذهاب للعمل بعد ما يقرب من شهرين فضتهما بعيدا عن الوطن الأم، وهى تعيش أيضا في وسط محافظ، فالأب لا يسمح لها برؤية فيلم «تيتانك» بعد أن سمع هتاف أخيها «الحقى بنت ع الطبيعة» فهرول الأب ليمنع مشاهدتها للفيلم على الرغم من أنها تعمل رقيبة على سيناريوهات الأفلام مما يشعرها بأنها تفتقر إلى الثقة الاجتماعية، وهى تتمنى في أعماقها أن تنتقل من مقعد الرقيبة إلى مقعد المشاهدين، وتبحر بنا القصة في العالم الداخلي لأسماء بطلة القصة تحاور نفسها حول عاطفة الحب فتستعين بكلمات لابن حزم في كتابه «طوق الحمامة في الألفة والآلاف» وتحاول التجديد في قصتها بمقاطع من السيناريو الذي تقرأه، وتصورها لما يمكن أن يكون عليه لو كان بيدها التعديل، وبالطبع لا تفعل ذلك فهو ملك لصاحبه، وتتداعى ذكرياتها عن عملها كرقيبة، والصراع بين المسموح والممنوع في السينما، وتبدو رغبتها في الانعتاق من الرقابة إلى المشاهدة، وتضعنا القصة في أجواء محاولة كتابة قصة لورشة «الكتابة والموضة» فتنجح في تصوير محاولات الكتابة، ودمجها بالمشاعر الداخلية للكاتبة، وابتكارها تقنيات جديدة للسرد فتنتقل بنا في رشاقة من مشهد لمشهد، وإن كانت قصتها لا ترتبط ارتباطا وثيقا بالحكي عن الملابس وطرزها وأنساقها لكنها ترتبط بالكتابة كفعل جمالي وفكري ومبدع، وهو ما تهدف إليه ورش الكتابة بصفة عامة.
«حتى فساتيني...». مجموعة قصصية لافتة لاتسع كاتبات يتمتعن برؤى عميقة لفن القصة القصيرة وتعبيرها عن الذات الإنسانية، ودواخلها ومشاعرها من خلال نماذج إنسانية حيوية تم التعبير عنها بشكل جمالي وفنى.



