الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

لم أكن من محبي قراءة الأبراج، وما تخفيه لك مع بداية كل شهر ميلادي، يومًا، وبالمصادفة تسلمت بنفسي المواد التحريرية لإحدى المجلات التي أشارك إنتاجيًا في إصدارها، لتقع عيني على مسودات باب الحظ، وعن مواليد برج "العذراء".. ليقول المحلل المتخصص "أنت بصدد شهر صاخب مليء بأحداث استثنائية، تضطر أن تعالج أمرًا لم يكن في الحسبان، فتكون الأحداث والظروف التي ستعرفها هذا الشهر مفاجئة جدًا، تصطدم اعتبارًا من منتصف إبريل ببعض العوائق، وتضطر إلى لجم اندفاعك".     عاد الشاب "مارك"، المندوب الذي أرسلته لتحصيل شيك من السفارة الليبية، حيث تقع بميدان سان جيمس، بخفي حنين، فقد أغلقت الشرطة الإنجليزية الميدان، ومنعت الدخول والخروج منه نظرًا لقيام حشود من الليبيين بالتظاهر أمام مبنى السفارة، في مظاهرة نظمت ضد حكم العقيد الليبي معمر القذافي يوم 17 إبريل "نيسان" 1984، استمر التظاهر، وأنا أحاول الوصول إلى الأخ علي جليد أو أي عضو من أفراد اللجنة الثورية من الموظفين والدبلوماسيين أعضاء المكتب الشعبي الليبي، وهي التسمية الجديدة لإعادة تسمية السفارات الليبية حول العالم "مكاتب الشعب" حسب أوامر القذافي، ما دعا الشرطة إلى محاصرة المنطقة، ومحاولة فض التظاهرة، وفجأة سمعت طلقات رصاص، وإطلاق نار في الميدان، شارك فيه المكتب الشعبي الليبي، وشوهد قناص من داخل السفارة يطلق الرصاص، تسبب في مقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر أمام مقر السفارة وإصابة 10 محتجين… "مؤخرا وبعد 32 عامًا أعلنت لجان التحقيق أن إطلاق النار استخدم فيه سلاحان، أحدهما مسدس صغير، والثاني رشاش أوتوماتيكي. وأوضحت أن وابلًا من الرصاص أطلق من داخل مبنى السفارة الليبية، فأصابت إحدى الرصاصات الشرطية فليتشر في الظهر، بينما جرح عدد آخر من المتظاهرين الليبيين. وأن المعتقل لدى شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية هو طالب لجوء سياسي المدعو «ص. أ» وهو من رجال القذافي، العقيد الليبي الراحل، كان يعمل بالسفارة الليبية بلندن وقت مقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر أمام مقر السفارة بميدان سانت جيمس بوسط لندن عام 1984".

 

    أدى إطلاق النار إلى حصار للسفارة، الموجودة في ميدان سان جيمس في لندن، استمر 11 يومًا.

 

    وبسبب الحصانة الدبلوماسية لم تتمكن قوات الشرطة من تفتيش حقائب الدبلوماسيين والموظفين، الذين تم ترحيلهم بعد الحادث. ولم يُعثر على سلاح الجريمة ولم يعاقب أحد عليها، وتم قطع العلاقات الدبلوماسية بين ليبيا وبريطانيا، وطرد السفير البريطاني أوليفر مايلز وباقي البعثة الدبلوماسية البريطانية من طرابلس، على خلفية أحداث السفارة الليبية في لندن..…

 

     وقتها وجهت الاتهامات فورًا لـ"مبعوث الموت" موسى كوسا، كما يلقبه خصومه، لقب أطلقته عليه بعض الصحف البريطانية في ثمانينيات القرن الماضي، بدأ مساره المهني من بوابة الأمن مسؤولًا عن أمن السفارات الليبية في شمال أوروبا (1978)، ولم يلبث حتى اختير سفيرا لبلاده في بريطانيا. وفي عام 1980 عين سفيرًا في بريطانيا، لكن طردته المملكة المتحدة في العام نفسه لاعترافه بالإشراف على اغتيال معارضين ليبيين في بريطانيا، هما: الإعلامي محمد مصطفى رمضان، والمحامي محمود عبد السلام نافع.

 

       زاد طرد كوسا من مكانته لدى القذافي، فواصل شغل المناصب الأمنية، وتنفيذ المهمات الحساسة والمعقدة، وغير النظيفة بالنسبة لخصوم العقيد، خصوصًا منها ما يتعلق باغتيال وتصفية المعارضين خارج الحدود.

 

    حادث مقتل الشرطية. معلومات وقرائن جديدة وصلت منذ أسبوعين بعد أكثر من ثلاثين عامًا إلى المحكمة العليا بلندن، قد تعيد محاكمة الأكاديمي الليبي صالح إبراهيم المبروك، الموصوف بأنه أحد المساعدين السابقين للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ومطالبة ليبيا بتسليمه فيما لو تمت إدانته بما سبق ونفاه عن مسؤوليته بإطلاق الرصاص من السفارة الليبية على معارضين ليبيين عام 1984. القرائن والمعلومات الجديدة، جمعها زميل للشرطية Yvonne Fletcher القتيلة بعمر 25، كان في الخدمة أثناء المظاهرة، واحتضنها لحظة إصابتها، ثم أقسم حين لفظت أمامه آخر أنفاسها، أنه سيجهد لتسليم المسؤول عن مقتلها للقضاء، لذلك يأمل الضابط المتقاعد البالغ 66 حاليًا، أن يشكل ما جمعه من معلومات "أدلة كاملة" تحيط بمقتلها المستمر لغزا للآن. 

 

 

وقتها لجمت المفاجأة حواسي الخمس، في اللحظة المباغتة، لحظة اغتيال الشرطية، واغتيال حقوقي المالية، ونزف جهد ضاع في ميدان سان جيمس، خانني جسدي وأصبح كشجرة أسقطت ثمارها على الأرض المرتجفة احتجاجًا، ارتعدت الفرائص أمام الخسارة.

 

    جمعت نفسي وكتمت أنفاسي، ولجمت اندفاع الغضب، وأذعنت لما يجرى، رغم أنني لم أعي كل هذه الأحداث المفاجئة. استعضت الله في خسائري، مستسلمًا للقضاء والقدر، فهانت عليّ الخسارة، احتضنني تعاقداتي بدفئها الفسيح، خفف عني عملائي ومطبوعاتهم.

 

 

   حكاية عشتها مع غربتي الثانية في ثمانينيات القرن الماضي ازدحمت بالأحداث، وتجاوزت وقتها الصحافة حدودها الجغرافية، ولعبت دورًا في خلق حالة من العولمة بين شعوب العالم، وكان لها أثر قوي في التأثير بمسار حياة وطريقة تفكير البشر سواء بالإيجاب أو بالسلب، ودخل عصر الصحافة في ثورة جديدة بعد أن دخلت قبلها بسنوات ثورة الأقمار الصناعية في مجال الصحافة والإعلام لبث الأخبار عبر التليفزيون من جميع أنحاء العالم، ونجحت شركات في اختراع أجهزة تنقل صفحات الصحف بمادتها التحريرية والمصورة عبر القارات، لتطبع طبعتها الدولية وتوزع في عدة دول في وقت واحد بنفس الوقت مع الصحيفة الأم في بلدها، وشهدت الثمانينيات مقتل صحفيين عرب قتلتهم كتاباتهم ومواقفهم… وهناك مزيد من الحكاوي.

 

 

تم نسخ الرابط