أخصائية إرشاد نفسي: "التفكك الأسري ومنصات التواصل فتيل جرائم الشارع".. حوار
ظاهرة التفكك الأسري، واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع في الآونة الأخيرة، وأزمة من أهم الأزمات التي برزت على السطح وأثرت بالسلب على ثوابت الأسرة المصرية، ونتج عنها الكثير من السلوكيات غير المقبولة اجتماعيا، بل ويجرمها القانون في كثير من الأحيان.
فهل أضاع هذا الانقسام الحاد بين الزوج والزوجة روابط المودة والحب الأسرية وأنتج للمجتمع كيانات مشوهة زادت من معدل الجريمة ؟؟ وكيف نجنب الأبناء كل هذه الصراعات ونتائجها المدمرة في حال تصدع العلاقات بين الزوجين؟
توجهنا بهذه الأسئلة إلى رشا سلامة أخصائية إرشاد نفسي وأسري للإجابة عنها ...

التفكك الأسري قنبلة موقوتة في حياة الأبناء
أكدت رشا سلامة، أنه من الطبيعي وجود مشكلات أسرية بين الزوج والزوجة ولكن تكمن المعضلة الحقيقية في كيفية التعبير عن هذه المشكلات وإيجاد الحلول، بعيدًا عن نظر الأبناء حتى لا يؤثر عليهم ذلك بالسلب.
مشيرة إلى أنه أيا كانت طبيعة هذه المشكلات سواء كانت خاصة جدًا أو عن المسؤوليات والالتزامات المشتركة يجب ألا تخرج عن حدود غرفة نوم الزوجين مهما حدث، فالاحتدام أمام الأبناء هو بداية الانقسام وإشعال فتيل التفكك الأسري، واحساس الابناء بالتشتت تجاه الأب والأم والبيت بصفة عامة وهو ما يخلق صراعًا داخليًا لدى الابن أو الابنة، فينحاز أحدهم ويتبنى وجهة نظر الأب والآخر ينتصر لوجهة نظر الأم تحركهم في ذلك أهوائهم الشخصية ورغباتهم الداخلية وعدم فهمهم لطبيعة الحياة.
_20221101191620.jpg)
الذات الوالدية وتأثيرها على بناء الشخصية
أضافت رشا سلامة، أن النفس البشرية بداخلها العديد من الذوات المؤثرة فيها والتي تكون لدينا الذات العليا ومن أهمها ما يسمى بالذات الوالدية، وهي مدى تأثر الأبناء بأفكار وسلوكيات ووجهات نظر الأبوين وطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض والأخرين في المجتمع، وهو ما ينعكس على سلوك الأبناء وشخصياتهم خلال فترة تربيتهم وحتى آخر العمر فنحن جميعنا بشكل أو بآخر نشبه أبوينا في تصرفاتنا وسلوكياتنا وردود أفعالنا تجاه الأشياء، فكما يرى الابن معاملة الاب للام، فهو ينشأ ليعامل أبويه بتلك الطريقة كرد فعل طبيعي، فإذا كان هناك احترام متبادل بين الزوجين نشأ الابن على احترام والديه وتقديرهما وانعكس ذلك على تعامله مع المحيطين به، والعكس صحيح إذا تجاوز الأب في معاملة الأم ولجأ للعنف فإن الصغار سيكبرون على أن هذا العنف هو الفعل الطبيعي وبالتالي لن يحترم أبويه بل وسيتجاوز في حقهم وحق أصدقائه ومجتمعه.
_20221101191740.jpg)
التفكك الأسري ومنصات التواصل الاجتماعي فتيل الجريمة
وأشارت سلامة أنه مع تقدم الحياة السريع وسهولة الوصول للمعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت واليوتيوب، فإن الاضطرابات التي يمر بها الابناء عند تحولهم من مرحلة المراهقة إلى الشباب، أصبحت الآن تحدث في سن مبكرة بمرحلة الطفولة حيث أصبحت كل الموضوعات مباحة ومتاحة مما أدى لزيادة اضطراب الشخصية لاطلاع الطفل على أشياء لا تلائم مدى فهمه وإدراكه.
مبينة أننا يجب ألا نغفل عاملا مهما وهو الأصدقاء، فهم أيضا مصدر للمعلومات باختلاف ثقافاتهم وأسرهم ومستواهم الاجتماعي وهي معلومات ليست لها ضوابط، وعند وجود اختلاف حاد بين وجهات نظر الأب والأم يؤدي ذلك إلى لجوء الأبناء لأقرب مجتمع لديهم وهو الأصدقاء وهو ما يشكل خطورة كبيرة، فإذا شبهنا الحياة بالبحر متلاطم الأمواج ووجود الأبناء يصارعون الحياة في المياه، فإن المنقذ الأول هو الأسرة التي تلقي إليهم طوق النجاة وتشد طرفه إلى بر الأمان، أما في حالة التفكك الأسري فلا يوجد طوق نجاة وإن وجد ليس هناك من يشد طرفه ولكن يظل الأبناء وحيدين صرعى بين مختلف الآراء والاتجاهات بلا بوصلة أو هدف.
وقالت: "لو افترضنا أن المرض الأخلاقي هو الخلافات الزوجية، لذلك فإن البيئة التي تحتضن نمو هذا المرض عند الأبناء هي فكرة أن كل شيء أصبح مباحًا ومتاحًا للطفل والشاب فالبيئة المحيطة وسهولة وسرعة تداول المعلومات من العوامل المؤثرة جدا، مضيفة أن كل الاضطرابات والسلوكيات العدوانية التي نراها في الشارع الآن أساسها من المنزل، لذلك لجأنا إلى تم اللجوء لحملات التوعية الأخلاقية في وسائل الإعلان، لأن البيت فقد دوره في تعليم الأبناء كيفية التعبير عن الرأي دون التجاوز في حق الأخرين ومن هم أكبر سنا واحترامهم"
الأبناء بين سلوك الانعزال والعدوانية
أكدت سلامة، أن الانعزالية والعدوانية من أشكال التعبير عن الرأي، ففي حالة وجود التفكك الأسري والاحتدام الحاد بين الأبوين يتسبب هذا في انعزال الأبناء أو عدوانيتهم وهو في ذلك يعتمد على شخصية كل ابن فإن كان غير قادر على المواجهة أو التأقلم لجأ إلى الانعزال أو واجه واعترض بعدوانية لفرض وجهة نظره ولفت الانتباه إليه، وهنا يجب على الأبوين احتواء أبنائهم وتربيتهم منذ الصغر على مناخ المناقشة والتبادل بدون حجر على أفكارهم أو تسلط أو عزل أو فرض للأمر الواقع لأن السلوك العدواني سيتسع إلى الأسرة والأصدقاء والمجتمع، وهو ما نلاحظه بوضوح حولنا في تعنت الأبناء والهجوم على وجهة النظر الأخرى بدلا من المناقشة للفت الانتباه إليهم وإسكات الطرف الآخر وإذعانه لمطالبهم، فالعدوانية أصبحت ظاهرة ليست حكرا على الذكور فقط، بل الإناث أيضا.
_20221101191802.jpg)
الأب والأم المرجعية الأولى والأساسية
أوضحت أخصائية الإرشاد النفسي والأسري، أن صورة الأب والأم لها مكانة عظيمة أمام الأبناء، فيجب على الزوجين توحيد آرائهم دائما فلا يتخذ كل طرف رأيا مخالفا للآخر لأن أبنائنا، وخاصة إن كانوا صغار السن لن يستطيعوا إدراك مدى صواب أو خطأ هذه الآراء بسبب عدم نضج شخصياتهم ولأن الأبوين هما المرجعية الأساسية والأولى لأبنائهم وبالتالي فإن الاختلاف بينهم يعجل من نمو بذرة تفكك الأسرة.
لذلك فإن ظهور الزوجين كجبهة موحدة قادر على تشكيل شخصيات سوية للأبناء وترتيب أفكارهم عن الحياة وأبويهم ومنزل الأسرة وبطبيعة الحال، فإن العلاقة الوثيقة بين الأب والأم كلما كانت مستقرة ومترابطة كلما زادت قوة واتزان شخصية ابنائهم على المستوي النفسي والاجتماعي، وعدم السماح للمشكلات في انقسام الببت لينشأ الأبناء على قدر من المسؤولية وأن يكون البيت بمثابة البوصلة دائما في خضم ما نعيشه من صعوبات الحياة.



