الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

بدعوة كريمة من ملتقى السرد العربي الذي يديره الناقد د. حسام عقل شاركت في ندوة الثلاثاء الماضي 15 نوفمبر 2022 بعنوان السيكو دراما.

 

وعندما هاتفتني مديرة الندوة د. إيمان حجازي وافقت على الفور، لاهتمام قديم بهذا النوع الدرامي السيكو دراما، وأيضاً لأهميته الحاضرة في عالمنا المعاصر.

 

فما هي السيكو دراما؟ وما هي صلتها بموضوع العلاج بالفن؟ وهو الموضوع الذي نحتاجه في مصر الآن في ظل الظروف التي تضغط علينا كجزء من عالم معاصر متغير.

 

بشكل محدد يعرف د. إبراهيم حمادة في معجمه المرجعي معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية بأنها Psychologic Drama أي الدراما النفسية، التي تعالج مشكلات عقلية أو موضوعات تتعلق بعلم النفس وكشوفه. 

 

وكما هو مستقر ومتعارف عليه يعد الطبيب المهتم بالعمل المسرحي جاكوب مورينو (1865 – 1974) هو مؤسس السيكو دراما أو الدراما النفسية كأحد طرق العلاج بالفن ودعم عملية الإبداع، وله في ذلك ريادة تأسيسية في الموضوع العلمي الحديث.

 

وهي في جوهرها الوظيفي إحدى الأساليب التي تهدف إلى إثارة الإبداع عند المرضي الذين يتحولون من خلال هذا الأسلوب إلى ممثلين، فهي طريقة من التعبير التمثيلي العفوي وفقاً (لسيناريو) بسيط، وهو ما يتيح الارتجال الذي يشبه التداعي الحر الطليق.

 

مما يسمح للعواطف المكبوتة بالخروج والتعبير عنها، ومن خلال تلك الجلسات المنتظمة يستعيد الممثل / المضطرب مزاجياً اتزانه وتأقلمه مع البيئة المحيطة.

 

ومن السيكو دراما وجلساتها ظهر ما يمكن تسميته بالمسرح الإبداعي أو المسرح العفوي.

 

وفيها وفقاً لمورينو، يمثل الزمن مرور النفس البشرية في الحاضر الذي يظهر في الماضي، وبذلك يصف المستقبل.

 

فمن خلال التمثيل وتأمل الذات وذوات الآخرين يحدث عبر هذا الجهد ما يمكن أن نسميه الاستبصار.

 

والاستبصار بالسبب النفسي الحقيقي للأزمة التي يعيشها الفرد في الحاضر ولها جذور في الماضي هو بداية الحل والتنفيس والتوازن المستهدف، من أجل الدخول الصحيح للمستقبل.

 

فالسيكو دراما إذن هي منهج من مناهج العلاج النفسي الجماعي قائم على أساس الخبرات الواقعية.

 

ولعل أبرز ما يناسبنا الآن في مصر حلاً لعدد من الخلافات الأسرية والاقتصادية والاجتماعية هي ما أسماه مورينو بالمشهد السيكو درامي، وهو مشهد تفاعل المواجهة بين شخصين.  وهي طريقة تبادل وجهات النظر وإبدال الأدوار.

 

سأنزع عينيك وأضعهما مكان عيني وسأمنحك عيني لترى بهما.

 

وكل ذلك يحدث بشكل انفعالي عفوي، وبشكل عام كم نحتاج لتأمل الهدف النهائي للسيكو دراما من وجهة نظر مورينو، وهو أمر ينسحب على الإبداع بشكل عام، يقول مورينو في ذلك عن كل البشر : 

 

"أعتقد أننا عفويون فعلاً، وعباقرة ومبدعين".

 

أما ما يمكنني الاهتمام به بشكل مباشر في واقعنا المصري والعربي المعاش، فهو ضرورة استخدامها (الدراما النفسية) في علاج التوترات الظاهرة وعلاج الأطفال وعلاج الإدمان بشكل مباشر. جدير بالذكر أن المعالج النفسي بعيداً عن أطباء النفس الذين يعالجون بالعقاقير الاضطرابات النفسية والعصبية لا يزال يعاني عدم الاعتراف، ولا تزال نقابة الأطباء المصرية لم تمنح هؤلاء المختصين المتخرجين من أقسام علم النفس بالجامعات المصرية حق ممارسة مهنة المعالج بشكل منظم، وقد تابعت نقاشات سابقة في هذا الشأن، ربما أتاحت مساحة من الاعتراف بالمعالج النفسي، إلا أن ذلك يحدث تحت إشراف الطبيب النفسي المختص في الحالات النادرة في أقسام الطب النفسي بالمستشفيات المصرية.

 

فما بالك إذا ما دخل المخرج الفنان المهتم الدارس لعلم النفس إلى هذا المجال؟ 

 

ومن هنا يأتي اهتمامي بالموضوع القديم الذي يتجدد في الطرح العام مع ملتقى السرد العربي ألا وهو موضوع السيكو دراما.

 

حتى أتمكن من الدعوة لوجود هذا الفريق متعدد التخصصات من الطبيب والمعالج النفسي والفنان للمساهمة في ممارسة العلاج بالفن كممارسة معاصرة هامة، وهو أمر يحتاج لتعاون وثيق علمي بين نقابة الأطباء المصرية والمهتمين بذلك النوع الدرامي من الفنانين الجادين والمعالجين النفسيين.

 

كما يجب أن يساهم الأطباء المختصين في علم نفس المجتمع مع أهل الفنون في التخطيط لموضوعات فنية بعيداً عن السيكو دراما ذاتها، ولكن استلهاماً لأهدافها كي يساهم الفن المصري الدرامي التعبيري في عملية التوازن النفسي المجتمعي لمساعدة الناس على فهم ضرورة الاحتفاظ بالعفوية والإبداع كهبة إلهية وهبها الخالق العظيم للبشر، رغم الضغوط التي يمكن للإنسان أن يعيشها على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.

 

كما أنها الطريق الفعال لحل مظاهر الاضطرابات السلوكية العامة.

 

ويجدر الذكر في هذا الصدد بأنه توجد مؤسسة أهلية مسجلة في 18 يناير 2017 في محافظة الإسكندرية هي مؤسسة السحاب للتدريب والتنمية والعلاج بالفن إلا أنها لم تحصل على الاعتراف الطبي الواضح، وأذكرها لأنها أبرز ما وجدت في العمل الاجتماعي المصري في مسألة العلاج بالفن والتي تحتاج لمؤسسات متعددة في كافة أنحاء مصر، بل وتحتاج لتنسيق جاد بين المهتمين برعاية وضمان طبي علمي متميز.

 

في هذا المجال لا يمكنني إلا العودة لرسالة الدكتوراة الخاصة بالمخرج المسرحي عضو المسرح القومي د. حسين عبد القادر وهي الرسالة الهامة التي أشرف عليها د. زيور عالم النفس المصري الأشهر في جامعة عين شمس. 

 

وفيها رصد لمسارات السيكو دراما والعلاج بالفن وقد عاد فيها د. حسين عبد القادر للعلاج النفسي بالفن إلى جذور في الحضارة المصرية القديمة وفي الحضارة الإسلامية.

 

وإن كانت إشارته إلى استخدام التمثيل العفوي في العلاج عند ابن سينا إشارة ملهمة، إلا أن الفضول دفعني أكثر نحو البحث عن ذلك الجذر التاريخي في العلاج بالفن في مصر القديمة.

 

وقادني البحث إلى دراسة شاركت بها المهندسة سارة نصار بدعم علمي من استشاري العلاج بالفن د. منال عليوة، وهى الدراسة التي ساهمت بها في واحد من أبرز ملتقيات اتحاد الأثريين المصريين، بعنوان العلاج بالفن في مصر القديمة، وفيها تشير لمصادر عدة منها كتاب الأحلام في مصر القديمة الذي حققه الباحث جاردنر، والذي يشير لمعرفة قدماء المصريين للعلاقة بن الأحلام والحياة اليومية، وفيه إشارة لغرفة العلاج النفسي الشهيرة بمعبد فيلة، والتي هي موجودة حتى الآن ويسود اعتقاد بأنها كانت لعلاج الاضطرابات النفسية وجزء من هذا العلاج كان الطقس الاحتفالي، حيث كان الطبيب المصري القديم ينصح أصحاب الاضطرابات النفسية بممارسة الرياضة وبممارسة الفنون والانغماس في مسرات الاحتفال المصري القديم الذي كان يجمع بين الرقص والغناء والموسيقى والتمثيل، إنه مجمع المسرات كما عرفه المصريون القدماء.

 

وما أحوجنا اليوم لاستعادة مجمع المسرات المصري القديم بشكل معاصر.

 

وما أحوجنا للنظر العلمي المنظم لتكوين فرق العمل التي تجمع الفنانين والأطباء والمعالجين النفسيين.

 

وما أحوجنا على صعيد إنتاج الفنون التعبيرية للعودة لفنون تقدم النماذج الصحية المعدلة للأدوار الاجتماعية، والتدريب على أفعال العفوية والصلابة والإبداع نحو نماذج أكثر مقدرة على تحسين الحياة اليومية والصمود الإنساني لكسر التحديات اليومية الضاغطة والصعبة بلا شك في عالم متغير.  

تم نسخ الرابط