صدر العدد الأول من الطبعة الدولية لجريدة الثورة العراقية مع انتهاء حرب الخليج الأولى، أو الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، أطول حرب في القرن العشرين، وأحد أكثر الصراعات دموية وكُلفة من الناحية الاقتصادية والبشرية. فقد خلّفت الحرب نحو 2 مليون قتيل. وبعد أن كان الجمود يسيطر على خطوط القتال، أجبر تدهور الاقتصاد الإيراني والمكاسب العراقية في ساحة المعركة؛ إيران على قبول وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة. كانت الصفحات الأولى من الجريدة- التي صدر عددها من الطبعة الدولية في منتصف عام 1987- تحمل عناوين مثيرة منها "أبدناهم بالكامل".
وفي أغسطس "آب" 1990، وكان العراق في أفضل حال؛ خرج عدد جريدة الثورة بمانشيت "مكالمتان هاتفيتان بين الرئيس القائد صدام حسين وأخيه الملك حسين/ نحذر.. من يضرب العراق عليه أن يتوقع ضربات تزلزل كيانه".
لم تكن الثورة العراقية هي المطبوعة العراقية الوحيدة التي احتضنتها مودي جرافيك إنترناشيونال، فقد أشرف الفنان العراقي ناظم رمزي على إصدار مجلة 2000، وهي مجلة تهتم بالفضاء وعلومه، والرحلات المستقبلية إلى القمر، وتأثيرها على الإنسان، واستخدامها لتحسين الحياة على الأرض، وحركة الإلكترونيات أساس الحياة، والنظريات الحديثة. اختار لها مديرًا للتحرير الزميل الصحفي اللبناني أنطوان حيدر، ومن بين الألوان اللون الفضي لصبغ أوراق المجلة طباعيا لتتناسب مع موضوعات 2000، فهو فنان متعدد المواهب، رسام، خطاط، مصمم ومن أشهر المصورين الفوتوغرافيين في العراق. يعد من أشهر الشخصيات العراقية في تطوير فن الطباعة وحروف الطبع والفوتوغراف والفن التشكيلي في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وظل متواصلًا في أعماله بالعراق على الرغم من غربته.
جمعتني به فنون التصميم الطباعي، فقد كان يمتلك مطبعة رمزي التي تقع على طريق معسكر الرشيد، والتي كانت من أفضل المطابع العراقية، وتتكون من ثلاثة أقسام، هي: الورشة الفنية ويديرها ناظم رمزي، ويعمل معه في التصميم والإخراج فنانون تشكيليون معروفون مثل صالح الجميعي وهاشم سمرجي، ويلتقي فيها أغلب الفنانين التشكيليين الكبار مثل إسماعيل فتاح الترك، وأدباء وشعراء كان على رأسهم شفيق الكمالي الذي يرأس تحرير مجلة "آفاق عربية"، التي تصدرها وزارة الثقافة والإعلام وتطبع في مطبعة رمزي، والقسم الآخر المالي بإشراف المحامي مهدي علي زيني، والمسؤول التنفيذي النحات مكي حسين مكي، ثم المطبعة بإدارة أحد أفضل الطباعين في العراق (مريوش).
كان يعشق التصوير الفوتوغرافي، وبكاميرا (بوكس) بدائية، في الثامنة عشرة من العمر انطلقت رحلة ناظم رمزي عاشق الضوء والظل، مع الفوتوغراف.. رحلة تجلت بصور أقل ما يقال عنها إنها الوثيقة البصرية الأولى للوطن، مسحت عين رمزي الثالثة أماكن منسية وملامح لشخوص ما كانت تتخيل أن تقتنصها عدسة كاميرا يوما. ليصبح من أشهر المصورين الفوتوغرافيين في العراق.
يقول رمزي "كنت حريصًا على تصوير وجوه وأشكال الناس الذين أحببتهم طوال حياتي، وتصوير ذلك الحس الإنساني والشعري الغامض، الذي يتصل بطريقة عيشهم وعملهم".
ليس غريبًا أن يهدي كتابه الأول (إلى وطني).. فهو مصور شاعر ينشد للوطن تشكيلات من ظل وضوء، وكأنه يجسد بامتياز مقولة أورسون ويلز "عندما تكون الكاميرا عينًا في رأس شاعر".
"كان موسوعة فنية".. هكذا وصفه رفيقه الخطاط والشاعر العراقي محمد سعيد الصكار، فهو الرسام والخطاط والفوتوغرافي، والأهم الطباعي الرائد الذي كان أول من أدخل فنون الطباعة الحديثة في العراق. له فيها الحضور البهي. فهو المصور الفوتوغرافي المرهف، والرسام الذي يبدع بصمت ومن دون استعلاء، ورسام الكاريكاتير الحاذق، ومؤسس أكبر دار عصرية للطباعة في العراق، ومصمم الكتب والمجلات والملصقات والإعلانات، والخطاط، ومصمم الحروف الطباعية، والباحث الدؤوب عن الجمال في كل ما مارسه من فنون، والأجمل من كل ذلك، ما كان له من علاقات حميمة بمثقفي تلك المرحلة ولحقها من أدباء وفنانين ومعماريين ورسامين وخطاطين. وكانت كل ممارساته تتسم بالريادة والتجديد، وكان لشخصه الودود المتواضع ذلك الحضور الأنيق في ذاكرة كل من تعرّف عليه.
كما عمل في مرحلة ما في السينما، فساعد في تصاميم الديكورات والأزياء لفيلم «عليا وعصام» الذي مثله إبراهيم جلال وعزيمة توفيق والمطربة سليمة مراد، وكتب قصته أنور شاوول، وشارك فنيون أجانب في إنجازه فتولى الإخراج أندريه شوتان وإدارة التصوير جاك لامار.
إن ناظم رمزي هو خلاصة ثقافة موسوعية في شتى الفنون البصرية، كما أسس خريطة للكثير من المجلات ببراعة وحداثة، مثل مجلة "آفاق عربية" و"فنون عربية" و"مجلة 2000".
إذا كانت الثورة العراقية قد احتفلت بإصدارها بالمانشيتات الرنانة المثيرة الممجدة لرئيس جمهوريتها، فجريدة "القبس" ومع بداية صدور أعدادها الأولى من الطبعة الدولية، أقامت حفلًا كبيرًا بفندق الريتز بباريس للإعلان عن صدورها والاحتفال بها في حضرة سفراء الدول العربية في فرنسا وممثل لرئيس الجمهورية الفرنسية فرانسوا ميتران وبعض أعضاء مجلس إدارة القبس وأفراد من عائلات الصقر والشايع والنصف والخرافي والبحر، وهم المؤسسون لدار القبس الكويتية عام 1971.
وكان في استقبال الحضور رئيس التحرير محمد جاسم الصقر، وأحمد النجدي المدير العام، ومدير مطابعها عبد الله برهم، ومدير توزيع الجريدة السوري فواز عابدين، ومدير الدعاية والإعلانات للجريدة.
باستثناء جريدة الثورة العراقية، وظفت بعض الصحف العربية المهاجرة تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية في نقل وتوزيع الصحف عبر القارات. وخير مثال لذلك تجربة جريدة الأهرام والقبس، وتبعها الأخوان هشام ومحمد حافظ في إصدار صحيفة "الشرق الأوسط" اليومية، حيث وظفا الفاكس ثم الأقمار الاصطناعية فيما بعد، لنقل الصحيفة من مقرها في لندن إلى دور النشر في العالم العربي.
ولقد شجع نجاح هذه الصحف الناشرين الآخرين على اتباع نفس النهج، مثل صحيفة الحياة عام 1988 وغيرها من المطبوعات الأقل أهمية التي شكلت ملامح ما يسمى "الصحافة العربية المهاجرة" أو ما يعرف باللغة الإنجليزية Pan-Arab Media. ويعد نموذج الصحف الأربع أو بتسمية أخرى "الصحيفة اليومية المنقولة بالقمر الاصطناعي" أول أثر كبير للتقنية الحديثة على الصحافة العربية في القرن الماضي.
احتوت مكاتبي في قلب العاصمة البريطانية جريدة القبس في بدايتها، قبل أن تنتقل إلى مقر خاص بها بمنطقة ساوث كنسينجتون South Kensington، وتم نقل أجهزة الأقمار الاصطناعية ومعها شريف مودي، الابن البكر ليتولى التشغيل والإشراف والتنسيق بين الجريدة والمطبعة، تحت إدارة مدير التحرير الصديق وفائي دياب وعبد الله برهم مدير مطابع القبس بالكويت الذي حضر خصيصًا إلى لندن للمتابعة في بدايات انطلاق المشروع. لم أر في حياتي مثل هذا الرجل عشقًا بماكينات الطباعة يطرب لسماع أسطوانتها تدور والابتسامة تخفي معالم وجهه، فعبد الله برهم واحد من المؤسسين الكبار للمطابع التجارية والصحفية في الكويت، واختير بعد أن انطلقت القبس عام 1972 من مطبعة إبراهيم المقهوي التي كان يعمل بها لتأسيس مطبعة القبس بتكليف من عبد العزيز الشايع والراحل جاسم الصقر. وكلف باستطلاع طباعة "القبس الدولي" من لندن والتعاقد على شراء أجهزة استقبال وإرسال، حيث تحرر الجريدة وتُخرج فنيا بالكويت، وترسل لمطابعي بلندن.
في هذه المرحلة أتى إلى لندن من الكويت فنان الكاريكاتير ناجي العلي لينضم للأسرة الصغيرة لمكتب التحرير بلندن مع رفيقه "حنظل"، ومعه ريشة فلسطين المقاتلة، والمدافعة بشراسة عن حق الفلسطيني في كل مكان من العالم، الريشة التي رسمت التشرد والمنافي، والثورة والعمل المقاوم، والأعداء والانتهازيين. الريشة التي ما عرفت يومًا طريقًا إلى فلسطين إلا طريق الكفاح، والمواجهة.
.. وله قصة تحكى!



