الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

بقيت سنوات طوال أهرب من هاجس يطاردني حول المسافة بين ما يدور في قاعات الدرس الأكاديمي في مناهج النقد الحديث والمعاصر، وبين الطريقة الميسرة التي يتم بها كتابة المقال النقدي الذي يستهدف القارئ العام في الصحف ووسائل النشر الإليكتروني المتعددة.

إلى أن ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إتاحة الإمكانية للمتلقي الطبيعي وليس الناقد المختص فقط للتعبير عن وجهة نظره، وتلقيه وفهمه الجمالي والفكري للأعمال الأدبية والفنية المتعددة.

وهى طريقة جديدة في استقبال الأعمال الإبداعية، خاصة في الرواية والمسرح والسينما والدراما التليفزيونية. ومما لا شك فيه أن دور الناقد الاختصاصي سيظل متصلاً وقائماً وفاعلاً، وحتى يحدث هذا الاستمرار، فيجب أن يدرك النقاد الواقع الجديد ألا وهو حضور مدرسة الملتقى.

وهي المدرسة التي جاءت كنتيجة طبيعية للفرص اللانهائية التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي.

ولذلك فيجب على الناقد أن يتناول تلك الآراء ووجهات النظر وتقديرات التلقي المتعددة بمنتهى الجدية، وذلك لتحليلها وتفسيرها واعتبارها تقديرات جادة مقدرة وفقاً لدراسات علم الاستقبال.

ولعل تكاثر تلك الآراء من الجمهور على اختلاف الفئات التي ينتمي إليها، لهى فرصة رائعة معاصرة لتفعيل مبدأ تعدد الآراء، ونسبية الرؤية، واختلاف الفهم والتفسير للأعمال الفنية عامة، ولكل عمل على حدة بشكل خاص.

ولعل ما حدث من حضور آراء القراء والمتلقين للأعمال الأدبية والفنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو أحد أهم عناصر رتق تلك الفجوة التي طاردتني طويلاً، بين الدرس النقدي الأكاديمي وخاصة في المناهج النقدية المعاصرة، وبين الكتابة النقدية المتجهة للجمهور العام والتي هي هدف كل الدراسات النقدية ومناهج النقد منذ أرسطو إلى الآن.

وهو ما يؤكد حدوث تلك الصلة بين علم الدلالة، (السيمولوجيا) وبين تكاثر التأويل مع تعدد المتلقين وقدرتهم على النشر العام.

وهو الأمر الذي يتوافق عملياً مع الفهم العلمي للسيمولوجيا عبر انطلاقها المعرفي الحر، ويساهم في تغيير النظرة للنص، في إطار الإيقاع السريع لتنامي ثقافة التعدد ونسبية الحقيقة.

فقد جاء علم الدلالة لينظر للأدب والفنون كشفرة أو عرف أو مجموعة سنن متفق عليها ضمن مستوى ما. مما أدى إلى ظهور مصطلح استجابة القارئ، ليصف التطورات التي حدثت في مجال النظرية النقدية الجديدة.

وهو الأمر الذي يمكن التأريخ له بتفجر هذا الاهتمام الهائل بعملية القراءة أواخر الستينات واستمر خلال السبعينات، ونتيجة للتطور الكبير في هذا المجال أصبح مصطلح استجابة القارئ مصطلحاً عاماً يشير إلى اتجاهات متباينة في فحص عمليات تلقي الأنواع الفنية والأدبية.

إلا أنه على الرغم من توالي نشر دراسات ترتكز حول القارئ والقراءة، المتلقي وفعل التلقي.

وبالتالي فإن النظريات النقدية المتجهة للمتلقي تطرح العديد من النماذج المهمة للمبدع وللجمهور، وقد نتج عنها مجموعة من الأبحاث المهمة فيما أطلق عليه نظرية الاتجاه إلى المتلقي.

ولعل تصور الناقد الشهير رولان بارت يظل رغم كونه قديما نسبيا، بالنسبة لإنتاجات وأبحاث علوم النقد المعاصر، إلا أنه شديد الأهمية، وقادر على أن يظل ملهماً إلى الآن.

ورولان بارت يناقش فعل القراءة والتلقي عبر مفهومه المشبع بالمتعة وإنتاج النص النقدي، بمساحة من الحرية المساوية لحرية الإبداع، وهو في هذا السياق يقرن الإبداع بمراوغة الدلالة ومعناها، وفي هذا دعم لحرية الإبداع وحرية التلقي والتفسير والتأويل معاً.

ولذلك فربما يجد النقاد فرصة ذهبية متاحة الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي ألا وهي آراء القراء والمتلقين وهم كُثر، وكتاباتهم كثيرة وملهمة وتستحق من النقاد دراستها وفهمها نحو تصور أكثر رحابة لمفهومي النقد الأدبي والفني.

تم نسخ الرابط