"ذا ديبلومات": أزمة أوكرانيا تقلب السياسة اليابانية تجاه روسيا رأسًا على عقب
رأت مجلة "ذا ديبلومات"، المتخصصة في الشؤون الآسيوية، أن الحرب الروسية الأوكرانية أحدثت تغييرا جذريا في السياسة اليابانية تجاه روسيا، على ضوء قرار الحكومة اليابانية بتشديد العقوبات ضد موسكو الشهر الماضي.
وقارنت المجلة بين ردود فعل بعض الدول الغربية بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في مطلع عام 2014 وموقف هذه الدول في أعقاب العملية العسكرية في أوكرانيا، إذ لم يكن استنكار الغرب للسلوك الروسي أثناء أزمة القرم سوى رد فعل رمزي في أحسن الأحوال؛ حيث كانت العلاقات الثنائية بين روسيا وهذه الدول أكثر قوة مما سبق رغم العقوبات الغربية التي كانت مفروضة على موسكو.
على سبيل المثال، أعلنت ألمانيا عن مشروع مد خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2" الذي يربط روسيا بشمال ألمانيا عام 2015؛ ولم تكن ألمانيا وحدها في هذه الشأن، حيث غضت العديد من القوى الغربية الطرف عن سلوك روسيا إبان أزمة أوكرانيا السابقة منذ ما يقرب من تسع سنوات.
ففي أعقاب أزمة القرم، بلغت العلاقات الثنائية بين طوكيو وموسكو ذروتها، حسبما عكست الخطابات السياسية الرنانة على المستوى القيادي، وهو ما بدا واضحا في "الغزل السياسي"، من جانب رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، تجاه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي الشرقي في ديسمبر 2019.
وحسب المجلة، عكس خطاب آبي - أمام المنتدى - و"إطرائه المبالغ فيه" تجاه بوتين رغبة قوية في حفر اسمه في التاريخ كصانع سلام مع روسيا من خلال إبرام معاهدة سلام تسترد اليابان بموجبها ولو جزءًا من الجزر الأربع المتنازع عليها في شمال غرب المحيط الهادئ، والتي استولى عليها الاتحاد السوفيتي السابق من اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية والتي تُعرف باسم الأقاليم الشمالية.
وإلى جانب اجتماع آبي بالرئيس الروسي 27 مرة، بل ودعوة آبي الموجهة للرئيس بوتين لزيارته في مسقط رأسه، أشارت المجلة أيضًا إلى خفض طوكيو سقف مطالبها بخصوص استرداد الأقاليم الأربعة المتنازع عليها بموجب الإعلان السوفيتي-الياباني المشترك عام 1956، والذي ينص على إمكانية استرداد اليابان جزيرتي هابوماي وشيكوتان بمجرد توقيع معاهدة سلام بين البلدين.
رغم كل ذلك، باءت جهود رئيس الوزراء الياباني السابق بالفشل، مما يعكس عدم تبادل المشاعر ذاتها بين قادة البلدين، على النقيض مما صرح به آبي خلال إطرائه السياسي على بوتين أمام المنتدى الاقتصادي الشرقي عندما دعاه باسمه الأول "فلاديمير" ليعلن بعد ذلك أمام الحضور أن كلاهما يتطلع إلى "الحلم ذاته".
وعلى ضوء الأزمة الروسية-الأوكرانية الحالية، ربما لا يمكن تصور ما آلت إليه العلاقات بين موسكو وطوكيو، التي سارت على خطى بقية دول الغرب فيما يخص العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وذلك رغم إعلان رئيس الوزراء الياباني الحالي، فوميو كيشيدا، عدم التخلي عن حصة اليابان في مشروع خط الغاز الطبيعي "سخالين-2" مع روسيا، والذي يوفر لليابان 9% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال.
وفي حين عكست نتائج استطلاع رأي شعبي أجرته الحكومة اليابانية عام 2014، بعد 8 أشهر فقط من ضم القرم، خامس أكبر تقييم إيجابي تجاه روسيا منذ عام 1975، عكست نتائج الاستطلاع ذاته أسوأ تقييم شعبي على الإطلاق لروسيا خلال العام الماضي، حيث لاقى قرار الحكومة اليابانية بتشديد العقوبات على روسيا تأييدا شعبيا كبيرا.
وأرجعت "ذا ديبلومات" هذا التباين الصارخ في رد الفعل الجماهيري إلى تركيز الآلة الإعلامية الضوء الحرب الأوكرانية خلال العام الماضي، مستشهدة بنتائج بحث أجراه معهد "جلوبال نيوز فيو" - أحد المعاهد المهتمة بالشأن الإعلامي - والتي أظهرت استئثار الحرب في أوكرانيا بحوالي 94.7% من نسبة تغطية الإعلام الياباني للصراعات الدولية خلال النصف الأول من عام 2022.
لكن على ضوء هذا التحول الجذري في الموقف الشعبي تجاه روسيا خلال أقل من عقد، لفتت المجلة إلى أنه رغم احتمالية استمرار اليابان في دعمها لأوكرانيا "مهما طال الأمر"، فإن موقف الشعب الياباني من الحرب في أوكرانيا سيشهد تغيرا مؤكدا مع بدء معاناته من وطأة ارتفاع أسعار الطاقة والمخاوف المتعلقة بمخاطر نشوب حرب نووية كارثية.



