"ذا ديبلومات": التطورات الجيوسياسية في المحيطين الهندي والهادئ تُدخل سريلانكا دائرة اهتمام الولايات المتحدة
رأت دورية "ذا ديبلومات" الأمريكية أن الأوضاع الاقتصادية في سريلانكا والتي تتزامن مع تطورات جيوسياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تجعل من الطبيعي أن تهتم واشنطن ونيودلهي بكولومبو.
وأشارت إلى أن الحزب الشيوعي في سريلانكا طالب الحكومة بتوضيح ما إذا كان رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" وليام بيرنز قد أجرى زيارة سرية إلى البلاد الشهر الماضي، وتوضيح - إن كان الأمر صحيحا – ما جرى مناقشته خلال الزيارة.
ونقلت الدورية الأمريكية عن السكرتير العام للحزب الشيوعي في سريلانكا، الدكتور جي وييراسينجي، زعمه أن وفدا من المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" وصل على متن طائرة خاصة في الرابع عشر من فبراير الماضي وأن الرحلة لم تخضع لضوابط دخول البلاد، مضيفا أنه "لا توجد سجلات لبعض الأشخاص الذي دخلوا البلاد على متن هذه الرحلة".
وذكرت "ذا ديبلومات" أن يودايا جامانبيلا سياسي كان ينتمي في السابق للحزب الحاكم "SLPP" وهو الآن محسوب على المعارضة، صرح بأن مجلس النواب أجرى استجوابا حول من زار البلاد ولكن الحكومة والولايات المتحدة لزمتا الصمت، كما زعم أنه جرى خلال الزيارة مناقشة أربعة مقترحات على الأقل "من شأنها الإضرار بأمن سريلانكا"، وتشمل "إنشاء مركز تحليل استخباراتي – التبرع بنظام تحليل الهجرة البيومتري – ضمان الوصول إلى كابلات الاتصالات والبيانات البحرية – مراجعة اتفاقية وضع القوات "SOFA"
ورأت الدورية الأمريكية أن ما سبق الزيارة كان أكثر إثارة للجدل عما تم مناقشته فيها، ففي الرابع والعشرين من فبراير الماضي، أوضح تقرير لصحيفة "ذا إنديان إكسبريس" أن حكومة نيبال منعت بيرنز "في خطوة نادرة" من زيارة البلاد، وأن حكومة نيبال أوضحت أن الزيارة لن تكون "مواتية" في ضوء بعض التطورات، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، التي أصبحت مجالا للتنافس السياسي والجيوسياسي.
كما أشارت الصحيفة الهندية إلى أنه كان مقررا أن يسافر بيرنز إلى نيبال في الخامس عشر من فبراير الماضي في زيارة تستمر لـ18 ساعة، قادما من سريلانكا على متن طائرة خاصة من طراز "سي 17 جلوبماستر 3"، كما كشفت شبكة "ناجاريك" النيبالية عن تفاصيل أكثر دقة حول موعد الزيارة وموعد انتهائها.
وأوضحت "ذا ديبلومات" أن الجدول الزمني للرحلة "مثير للاهتمام"؛ بسبب إرسال وفد أمريكي رفيع المستوى وعلى درجة عالية من السرية وفي حراسة مشددة إلى سريلانكا في السادس عشر من فبراير الماضي، والذي ترأسه، جديديا رويال، النائب الأول المساعد لوزير الدفاع الأمريكي للشؤون الأمنية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي التقى خلال الزيارة بعدد من المسؤولين الحكوميين في البلاد بما في ذلك وزير الدفاع، كمال جوناراتني، ووزيرة دفاع الدولة، بريميثا باندارا تينكون، فيما يبقى لقاؤه برئيس البلاد، رانيل ويكرميسينج، غير مؤكد، على الرغم من زعم أحد نواب المعارضة أنها تمت.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أنه على الرغم من أن تفاصيل هذه الاجتماعات أبقيت بعيدا عن الصحافة إلا أن هناك العديد من التكهنات، للدرجة التي جعلت رويال يضطر إلى نفي الشائعات حول إنشاء الولايات المتحدة لقاعدة عسكرية في منطقة ترينكومالي ذات الأهمية الاستراتيجية في البلاد، إلا أن هذا البيان الرسمي لم يمنع التكهنات، إذ أهتم السريلانكيون بوصول طائرتين من طراز "سي 17 جلوبماستر" إلى مطار باندارانايكا الدولي بالقرب من كولومبو بالتزامن مع وصول الوفد، إذ أشار أحدهم على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إلى أنه نظرًا لأن هذا الطراز من الطائرات يمكن أن يحمل أكثر من 100 راكب، فليس من المنطقي إحضار طائرتين من هذا القبيل لوفد يضم 20 شخصا فقط.
وأضافت أنه لم يصدر أي بيان رسمي من الجانبين حول الطائرتين، وعندما تواصلت صحيفة "ذا آيلاند" المحلية مع سفارة الولايات المتحدة، كان رد متحدث باسم السفارة بأنه ليس لديه تعليق، وعلى الجانب الآخر، ردت وزارة الخارجية السريلانكية بأن "القضية يجب أن تثار مع سكرتارية الرئاسة أو وزارة الدفاع".
وأوضحت "ذا ديبلومات" بالقول "بتنا نعرف، من وسائل الإعلام في الهند ونيبال، أن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كان من المقرر أن يطير إلى نيبال على متن طائرة من طراز "سي 17 جلوبماتسر 3"، وبينما لا يعني هذا بالضرورة أن الطائرتين كانت مهمتهما نقل أو مرافقة رئيس أقوى وكالة تجسس في العالم، ومع ذلك تبقى زيارة وفدين أمريكيين رفيعي المستوى إلى سريلانكا في غضون شهر أمرا يدعوا للشك؛ إذ جاءت زيارة رويال بعد أسبوعين من توقف وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند في سريلانكا، كجزء من جولة استمرت أسبوعًا عبر جنوب آسيا".
وأشارت إلى أنه من غير المتوقع أن تفصح الحكومة في سريلانكا أو السفارة الأمريكية هناك أو واشنطن عن تفاصيل هذه الزيارات في وقت قريب، إلا أن ذلك أدى إلى طرح عدد من الأسئلة المهمة خاصة حول موقع سريلانكا من التوتر المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ووفقا لتقارير رسمية، فإن سريلانكا على وشك تلقي 2.9 مليار دولار ضمن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، والتي تحتاجها البلاد بشدة، وأنه سيتم طرحها على عدة شرائح على مدى أربع سنوات، ورغم أن الخطة في حد ذاتها غير كافية لإنقاذ اقتصاد البلاد الغارق في الديون، إلا أن المحللين يرون أن خطة الإنقاذ ستعيد ثقة المستثمرين في بلد يعاني من سلسلة لا تنتهي من الصدمات الخارجية والتحولات السياسية والانتفاضات الشعبية.
وأوضحت "ذا ديبلومات" أن اهتمام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بمنطقة جنوب آسيا ليس بجديد، إلا أن المثير للاهتمام هو أنه بينما سارعت الحكومة النيبالية برفض دخول بيرنز، اتهمت الحكومة السريلانكية بفتح أبوابها أمامه، حتى على حساب الأمن القومي، إذ تعرضت هذه الزيارات والوفود لانتقادات صريحة من قبل الأحزاب القومية واليسارية، التي كانت تنتقد مفاوضات صندوق النقد الدولي أيضا، فيما انتقد حزب المعارضة الرئيسي في البلاد "SJB" الأحزاب المعارضة لإصلاحات صندوق النقد الدولي، وأقر بشكل أو بآخر بأنه لا يوجد بديل عن ذلك.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى أن أحزاب المعارضة في سريلانكا كانت أكثر صراحة حول محاولات الحكومة ربط قطاعي الوقود والطاقة في البلاد بشركات هندية مثل شركة "أداني جروب"، إذ قال وزير خارجية سريلانكا، علي صبري، في مقابلة أجراها مؤخرا مع صحيفة "ذا هيندو" الهندية إنه كان واثقًا من إمكانات مجموعة "أداني" في مشروع محطة ميناء كولومبو ومشروع طاقة الرياح في شمال الجزيرة على الرغم من التقارير السلبية الأخيرة حول المجموعة الصادرة عن شركة "هندنبرج" المختصة بأبحاث الاستثمار، كما وصف الصفقة بأنها "مشروع نوعي بين الحكومتين"، مؤكداً بذلك المبادرات التي اتخذتها كلا البلدين على أعلى المستويات لربط قطاع الطاقة.
ورأت "ذا ديبلومات" أن هذه التطورات تضافرت مع التطورات الجيوسياسية الأكبر في جنوب آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مؤكدة أنه في حالة أجرى رئيس وكالة المخابرات المركزية زيارة إلى سريلانكا ، كما تزعم أحزاب المعارضة، فلا ينبغي أن تكون مفاجأة، فخلال العام الماضي أصبحت سريلانكا أكثر أهمية من أي وقت مضى للولايات المتحدة والهند، ومن الطبيعي أن تتعامل البلدان مع معظم قضايا المحيط الهندي.
واختتمت "ذا ديبلومات" بالقول إن الأسابيع والأشهر القليلة الماضية تشير بقوة إلى أن سريلانكا أصبحت محل اهتمام كبير للولايات المتحدة والهند وخاصة فيما يتعلق بالصين.



