محمود بكري ومشوار المشي على الأشواك
«قد يحار المرء حين يكتب عن عصر عاصف.. وأمواج مضطربة.. وتحولات كبرى عشت تفاصيلها، بوجداني، وأحاسيسي.. لحظات انتصار ومحطات انحدار.. طموحات كبرى.. وحصاد محدود الأثر.. صدمات سياسية.. وانقلابات فكرية.
قد تكون تلك الكلمات آخر ما كتبه الكاتب الصحفي والنائب بمجلس الشيوخ محمود بكري، الذي رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 57 عاما، بعد فترة علاج تخطت الـ 70 يوما، في مقدمة كتابه الأخير الذي يصدر في غضون أيام بعنوان «المشي على الأشواك».
مسيرة طويلة خاضها الراحل في بلاط صاحبة الجلالة وداخل أروقة السياسة في مصر، خاض خلالها العديد من المعارك بجوار شقيقه الكاتب الصحفي والنائب البرلماني مصطفى بكري.
وُلد محمود بكري بمحافظة قنا في قرية المعنّا عام 1960، وتخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة في مطلع الثمانينيات القرن العشرين، وبدأ حياته فى العمل محررا بصحيفة الأهرام العريقة.
عمل بكري محررا في العديد من الصحف والمجلات، وتنقل بين العديد من المؤسسات، حتى استقر به الأمر مديرا لتحرير جريدة الأسبوع التي شارك شقيقه تأسيسها في التسعينيات، واستمر بها حتى وفاته، وكان قد شغل منصب رئيس مجلس إدارتها موقع الأسبوع منذ عام 2015 وحتى رحيله.
عمل أيضا رئيس تحرير ببرنامج حقائق وأسرار، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة محبى مصر للثقافة والتنمية، تم انتخابه عضواً بمجلس الشيوخ فى عام 2020 عن القائمة الوطنية لعل خير من يتحدث عن البدايات هو الراحل نفسه، وفي كتابه المزمع إصداره الأسبوع المقبل بعنوان المشي على الأشواك، عن دار سما للنشر، يتناول الكتاب مسيرته وشقيقه النائب مصطفى بكري من قريته بقنا إلى قبة مجلس الشيوخ المصري، والمعارك التي خاضها بصحبة شقيقه في بلاط صاحبة الجلالة.
ويعرض بكري في مؤلفه لمسيرة حياته وشقيقه من قنا إلى القاهرة، وذكرياتهما خلال فترات السجن التي قضياها سويا دفاعا عن مواقفهما السياسية، ويتناول الكاتب أيضا المشاكل والأزمات التي خلفتها المعارك الانتخابية للنائب مصطفى بكري، والتي كان الكاتب فيها دينامو هذه المعارك.
يقول بكري في مقدمة كتابه: "شيزوفرنيا السياسة تذوقت مرارتها، وأنا أرقب هذا التبدل في وجوه الساسة، وتغير أقنعتهم بين الفيئة والأخرى.. من هناك.. في قريتي "المعني" كنت أشارك شقيقي الأكبر "مصطفى" حلم العبور إلى قاهرة المعز ليصل صوت أهلنا البسطاء الذي لم يعبر يوما سكة حديد قنا ولم يبارح مقام "سيدي عبد الرحيم القنائي".. تسلحنا بإرادة أهلنا وصممنا ألا نتركهم فريسة الإهمال المتعاظم: فشققنا في جسد الجبل المحيط بقريتنا الجسور لبلوغ غايتنا.. وهي غاية مشروعة لكن الوصول إليها كان مؤلما وصادمايل ومكلفا لأبعد مدى.
سنوات طوال من المطاردة والملاحقة والتنكيل وخضوعنا للسجن أو التهديد وتعسف وظلم وجور تجرعناها حتى اكتوت قلوبنا بلهيبها.. وامتلأت مشاعرنا بنيرانها.. لكننا أبدا لم نخر في ثوابت آمنا بها.. وأهداف وضعناها تصب أعيننا أن نكون صوتا لأهلنا في المعنى وفي قنا وفي كل أنحاء الصعيد المحروم بل دفاعا عن كل أبناء مصر وأمة العرب.. تحملنا الكثير في مسيرة الصبر وأدركنا أن الاضطهاد الذي لاقيناه والظلم الذي تجرعناه كان ثمنا يسيرا لتضحيات كبري يستحقها أهلنا ووطننا العظيم الذي كرسنا جل حياتنا للذود عنه.. ولعل تلك الفصول الأحد عشر عزيزي القارئ والتي بين يديك في تلك الرواية هي تجسيد حي وواقعي لتفاصيل ومغامرات ومعارك قاسية عشنا وطأتها في مراحل من الصدام الكبير والمواجهات الصعبة».
قبل أكثر من شهرين، عانى محمود بكري، من مرض الالتهاب الرئوي والخلل بالجهاز المناعي، وسرعان ما تدهورت حالته وتم نقله لغرفة العناية المركزة بعد دخوله في غيبوبة، ودخل إلى مستشفى السلام الدولي قبل أسابيع، ثم نُقل إلى مستشفى المعادي العسكري مؤخرا ودخل إلى غرفة العناية المركزة حتى توفي اليوم.
توفى بعد معاناة استمرت 70 يوما مع المرض تاركًا وصيته للأسرة داعيا فيها أهله ومحبيه بأن يتم دفن جثماته بمسقط رأسه ببلدته "المعنا - بندر قنا".
واستجابة لوصيته، يتم تشيع الجثمان الطاهر ببلدته الحبيبة (المعنا - بندر قنا) عصر اليوم.



