السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الفريق مرتجى يدلى بشهادة للتاريخ في حديثه لـ "روزاليوسف"

الفريق عبد المحسن
الفريق عبد المحسن مرتجى

أجرى الحوار: يوسف الشريف

 

لماذا كانت نكسة 67 متوقعة.. وانتصار أكتوبر 73 مفاجأة؟

قرار الانسحاب صدر من الرئيس عبدالناصر.. لكنه لم ينفذ فورا

وضوح الرؤيا وتحديد الهدف كانا أهم عوامل انتصار أكتوبر  

يأتى الحوار مع الفريق عبدالمحسن كامل مرتجى فى أهميته التاريخية وتفاصيله الخطيرة.. متوافقا مع بداية أعمال اللجنة القومية التي شكلها مجلس الشعب لتقصى وقائع وأسباب نكسة يونيو 1967.. كما أنه يأتى ملازما لذكرى تغيير واقع النكسة المرير إلى انتصارنا العسكرى المشرف فى أكتوبر 1973!

 

والفريق مرتجى كان القائد العسكرى الذي حمل ظلما بأوزار النكسة باعتباره القائد العسكرى - آنذاك - للقوات البرية ولجملة سيناء.. لكن سرعان ما تكشفت الحقائق الكاملة.. بعد أن تقدم إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتقريره الشهير «أمانة».. الذي اختفت نسخه الثلاث فى الدهاليز.. بعد أن وضع النقط على الحروف إزاء أخطاء القيادة.. وتضارب قراراتها.. من حشد وانتشار للقوات.. إلى الانسحاب غرب القناة.. ثم دفعها إلى سيناء.. ثم سحبها للمرة الثانية.. و.. و..

 

حول كل ما حدث.. يدلى بحديثه لروزاليوسف.. محددا الأبعاد الاستراتيجية لانتصار قواتنا المسلحة فى حرب أكتوبر.. باعتباره علامة بارزة فى تاريخ العرب.

 

 

كان مدخلنا للحوار.. ملاحظة أبديتها للفريق مرتجى عن أسباب قبوله منصب مدير النادى الأهلى.. رغم مناصبه العسكرية ومهامها الجسيمة.

 

ولم تكن ملاحظتى بالجديدة على سمعه.. ومضى الرجل: «هل تعلم أننى لم أسع إلى رئاسة النادى الأهلى.. وهل تعلم أن تعيينى عام 1965 لهذا المنصب كان قرارا سياسيا من ثلاثة: الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر وعلى صبرى.. قالوا لى إن القرار لا يحتاج إلى مناقشة.. عليك أن تتدارك هزائم النادى الأهلى الذي تتعلق به مشاعر الملايين.. فى البداية حاولت أن أحتج بمشاغلى فى قيادة القوات البرية وقيادتى لقواتنا فى اليمن.. ونام القرار فترة دون تنفيذ.. وأذكر يوم 20 أكتوبر أن المشير بعد احتفال فى نادى القوات المسلحة بعيد القوات الجوية طلب منى أن أركب معه سيارته وأمام النادى الأهلى توقف فجأة وقال لى: «من بكره أنت مسؤول عنه».

 

واستأنف الفريق مرتجى حديثه بعد فترة صمت قصيرة قائلا:

 

«الحقيقة أننى لا أجرد نكسة الخامس من يونيو 1967 عن المناخ السياسى والاجتماعى والاقتصادى والعسكرى الذي تولدت عنه وكانت تسلسلا منطقيا ومحصلة حتمية له». قلت: أعلم أن الرئيس جمال عبدالناصر طلب منك بعد اعتقالك فى محاولة انقلاب المشير أن تعد له تقريرا عن نكسة يونيو.

 

قال: لقد رفضت كتابة هذا التقرير وأنا فى معتقل القلعة ما بين 7 و10 سبتمبر 1967 ولأن عبدالناصر كان يعلم أننى كنت على خلاف مع المشير ومع مجموعته التي أدت بنا إلى النكسة.. لذلك  أفرج عنى بكلمة شرف منى ألا أغادر منزلى.. وبالفعل سردت كل التفاصيل التي أدت بنا إلى النكسة وكتبت ثلاث نسخ من التقرير الذي اخترت له عنوان «أمانة» واحدة سلمتها إلى جمال عبدالناصر الذي أقرنى فى مناقشة طويلة حول كل ما جاء فيها من حقائق وتوقعات وكيف يبدأ إعادة بناء القوات المسلحة، وقد تسلم هذه النسخة من الرئيس - محمد حسنين هيكل والنسختان الأخيرتان سلمن ا إلى أمين هويدى الذي تسلم منصب وزارة الدفاع آنذاك.

 

قلت: ماذا عن حرب اليمن وما يتردد أنها كانت سببا من أسباب نكسة يونيو؟

 

قال: الأمانة لتاريخنا وقوميتنا.. إننى مع قولة نهرو الشهيرة التي استنكر فيها السياسات التي كان يتبناها زعماء مجموعة عدم الانحياز.. والتي كانت تستهدف تبديد الجهد الوطني خارج أوطانهم.. صحيح أن الجيش المصري أدى دوره القيادى والقومى بمساندة الشعب اليمنى وثورته وفك أسوار العزلة والتخلف التي كانت تكبل حركته وتقدمه.. وصحيح أننا ساندنا بوجودنا فى شمال اليمن ثورة الشعب فى جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطانى. لكن غير الصحيح أن ذلك تم وفقا لتخطيط وأهداف واستراتيجية سياسية وعسكرية للقيادة فى مصر.. كان وجودنا فى اليمن فى البداية بمائة عسكرى.. وإذا بالأحداث تجرفنا ويصل تعداد الجيش المصري فى اليمن إلى 65 ألفا.. واجهنا أعباء دولة كبرى فى الوقت الذي كانت بريطانيا تنسحب فيه شرق السويس إيذانا بانهيار الإمبراطورية.

 

قلت: فى نقاط محددة.. ماذا كانت سلبيات حرب اليمن وانعكاساتها على هزيمة يونيو 1967؟

 

قال: أولا.. كانت خبرات قواتنا القتالية فى اليمن.. من خلال أمجادها على مستوى الوحدات الصغرى.. باعتبار أننا كنا نواجه حرب عصابات لا تحتاج إلى متطلبات الحرب الحديثة.

 

ثانيا: ظروف حرب اليمن أفقدت القادة والجنود كل متطلبات الحرب الحديثة.. من تفكك الضبط والربط والإحساس بأهمية عامل الوقت والمسافة.. فالمعارك يمكن تأجيلها أياما وليست صراعا مع الزحف ووفقا لجدول زمني.

 

ثالثا: قواتنا كانت متفوقة دائما فى قوة النيران والطيران.. وهذا لا يمكن أن يتوافر لجيش فى أى حرب حديثة.

 

رابعا: فقد جيشنا قدرته على المناورة وأهميتها من حيث التجمع والحشد وتوجيه الضربات المباشرة.

 

خامسا: انتشار سرطان الثقة والانتماء على حساب الكفاءة والخبرة فى القوات المسلحة، وهو ما أدى إلى استغلال شعار الأمن فى ضرب العناصر القيادية الممتازة.

 

سادسا: إجهاد القوات بسبب الظروف الصعبة فى اليمن.. وهو ما أدى إلى هبوط المستوى القتالى بسبب إلغاء دورات التدريب.. وتدليل الأفراد حتى يقبلوا الالتحاق بحملة اليمن عدة مرات.

 

سابعا: وعندما زار عبدالناصر اليمن، قال لى: «أنا كنت عامل حسابى أدخل فى حرب مع إسرائيل عام 1965.. ولكن بسبب ظروفنا القتالية والاقتصادية والسياسية العربية والدولية الصعبة.. فلن أدخل الحرب مع إسرائيل إلا بعد سحب قواتنا من اليمن وإعادة تجهيزها وإعدادها للمعركة»، وهو ما يؤكد أن حرب 1967 كانت مفاجأة.

 

قلت: ما هو الهدف السياسى والقومى الذي وضع لحملة 5 يونيو؟

 

قال: مجرد تطبيق أسلوب الفعل ورد الفعل.. انتهزت القيادة ما أشيع عن حشد القوات الإسرائيلية على حدود سوريا.. ووجدتها فرصة لحشد القوات المصرية فى سيناء وإنهاء مهمة البوليس الدولى والمرور البحرى الإسرائيلى فى خليج العقبة.

 

وكان تقدير القيادة المصرية أن الأمر لا يعدو مظاهرة عسكرية يمكن استغلالها دعائيا لصالح الموقف المصري.. إلا أن الدول الكبرى حذرت عبدالناصر من بدء المعركة.. ووربما أدرك - عندئذ - أنه انتصر سياسيا واكتفى بهذا القدر من الأهداف التي تحققت بحشد القوات فى سيناء، ولكن ما حدث بعد ذلك كان عكس كل توقعات القيادة.

 

قلت: ما دورك ومسؤوليتك فيما حدث؟

 

قال: الجميع يعرفون أننى لم أوافق على حشد القوات.. وكان تعيينى قائدا للجبهة تحت ستار أن أعمل رئيسا للأركان مع المشير عامر الذي وعد بقيادة المعركة بنفسه من مركز القيادة المتقدم.. باختصار كان المطلوب منى أن أبقى فى الصورة!.. ولكن ما حدث أن المشير لم يكن معى فى سيناء.. ولم أصدر أية تعليمات للقوات فى سيناء.

 

قلت: كيف علمت بنبأ ضرب الطيران المصري؟

قال: حتى صباح يوم 6 يونيو لم يكن لدينا علم ولم نبلغ بأن الطيران ضرب على الأرض..وأننا أصبحنا فى سيناء بلا غطاء جوى.. وكان ذلك عن عمد من القيادة.. وفوجئنا بأن العدو اخترق محور العريش، ولكن رغم ذلك كانت لدينا قوات برية تضم 14 لواء لم تمض بعد.. وعندما كلمنى المشير على تليفون الميدان وسألنى: ماذا تفعل؟ قمت بالدور المحدد لى وقدمت اقتراحى بالتمسك بالمضايق.. ونقل النطاق الأول للجيش إلى النطاق الثانى ووضع القوات المدرعة فى النطاق التعبوى.. ووافق المشير وبدأنا فى اتخاذ الإجراءات يوم 6 يونيو مع الفريق صلاح محسن القائد الميدانى فى سيناء ونقلنا مركز القيادة المتقدم إلى مكان متوسط فى إطار الخطة العسكرية الجديدة.

 

قلت: ولكن لماذا لم يمكن التمسك بالمضايق؟

 

قال: فجر يوم 7 يونيو فوجئت بقائد البوليس الحربى يمر علينا فى مركز القيادة وكان معى المرحوم اللواء أحمد إسماعيل رئيس أركان الجبهة واللواء عبدالغنى الجمسى مدير العمليات.. وأبلغنا بخبر كان وقعه علينا كالصاعقة.. وهو أن القوات المصرية صدرت إليها الأوامر بالانسحاب من سيناء.. وأن لديه تعليمات بإبلاغ كد من يجده فى طريقه بهذا القرار.. وأدركنا أننا وحدنا فى الميدان ولا قوات حولنا.. وانسحبنا إلى مقر قيادة الفريق صلاح محسن جنوب البحيرات المرة، للتعرف على تعليمات القيادة فى القاهرة وفهمنا أن الحرب انتهت من الناحية العسكرية.. وأن الجانب السياسى أصبح له المكان الأول.. حيث صدرت الأوامر أن تنسحب القوات إلى غرب القناة ومن هناك يتم توزيعها على أنحاء الجمهورية.. وأن على القيادة المتقدمة أن تنسحب كذلك وتلتقى فى معسكر الجلاء.

 

قلت: ماذا عن قرار إعادة القوات المنسحبة غرب القناة إلى سيناد مرة ثانية؟

 

قال: عندما وصلت إلى معسكر الجلاء كانت بعض وحدات الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة اللواء صدقى الغول قد أتمت انسحابها والباقى فى الطريق وفى يوم 8 يونيو فوجئنا بأوامر القيادة من القاهرة بعودتها من الضفة الغربية للقناة إلى سيناء وأدركت أنها كارثة فوق ما نحن فيه من كوارث.. ولكنى بلا حول ولا قوة.. وكل الأوامر تصدر من القاهرة ونحن لسنا أكثر من واجهات.. وعندما تعقد الموقف اتصل بى المشير عامر وطلب منى تقدير موقف.. وعدت أمارس دوري المحدود فى تقديم الاقتراحات.. وعلمت أن هذا القرار صادر من الرئيس جمال عبدالناصر شخصيا.. ولكنه جاء متأخرا.. وأوضحت صعوبة تنفيذه.. لأن الجيش أصبح بلا غطاء جوى.. والطرق فى سيناء مكدسة بالعربات التي دمرها الطيران الإسرائيلى.. وأن معنى استمرار إعادة القوات إلى سيناء أنها سوف تلاقى حتفها لا محالة.

 

قلت: هل كان من الممكن - رغم كل ما حدث - أن تصمد قواتنا؟

قال: بالتأكيد.. كان يمكن لها أن تصمد لفترة أطول لو أخذ باقتراحى الخاص بالتمركز عند الممرات الاستراتيجية فى سيناء - وكان هذا الصمود لعدة أسابيع من شأنه أن يمكن المحافل والأوساط الدولية أن تتدخل لوقف القتال والتقاط الأنفاس وكان من الممكن استغلال هذا الوقت فى استعواض قوة الطيران باعتبار أن طيارينا لم نفقد منهم سوى أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة.

 

قلت: إلى أى الأسباب - فى تقديرك - كان النجاح لعملية السادس من أكتوبر فى مقابل هزيمة يونيو؟

 

قال: فى حرب 57 لم يكن هناك إعداد للرأى العام المصري عموما.. بينما كان هناك إعداد للرأى العام على مدی الست سنوات التي سبقت حرب أكتوبر.. بل إعداد المسرح الدولى والعربى لتقبل فكرة استردادنا لحقنا.

 

- قواتنا عام 1967 كانت كلها مكشوفة على الأرض وفى حرب رمضان كانت كلها فى دشم وتجهيزات ولدينا مطارات سرية.

 

- فى أى حرب تمثل المرحلة الافتتاحية 70٪ من عوامل النصر.. حيث كانت المبادرة فى أيدينا.. بينما فى 67 كانت المبادرة فى يد إسرائيل.

 

- فى حرب 73 استخدمنا قوة الطيران بالكامل لمساعدة عمليات القوات البرية.

 

- وضوح الرؤية لدى قيادة حرب أكتوبر وتحديد الهدف الأساسى للمعركة.

 

- قادة حرب أكتوبر كانت متاحة أمامهم حرية التصرف والتخطيط.. بالإضافة إلى أن القيادة كانت محترمة.. وليست قيادة سياسية.

 

- القرارات العسكرية كانت تصدر فى حرب رمضان من القيادات العسكرية دون تدخل من الزعامات السياسية.

 

- كانت هناك خطة عسكرية طموحة الإعداد لحرب أكتوبر خاصة بالتدريبب المضنى والتجهيز الكامل لدخول الحرب.

 

- القوات المسلحة بكاملها دفعت لمسرح المجهود الرئيسى وهو الدفاع عن مصر.. لكن عام 67 كانت القوات موزعة ما بين هدف ثانوى فى اليمن ومسرح رئيسى فى سيناء.. بالإضافة إلى اختلاف نوعية القوات المقاتلة.

 

وينتهى الحوار مع الفريق مرتجى أو شهادته حول وقائع نكسة 1967، لكنه عاد يستبقى الحوار وقال: يهمنى مادام الحديث لروزاليوسف أن أوضح موقفى من ثورة 23 يليو، إذ إن ما نشره الضابط حسين عرفة فى مجلتكم حول هذا الموضوع يجافى الحقيقة».

 

قلت له: أذكر أنه حاول أن ينفي تجاوبكم مع عملية حصار قصر رأس التين يوم 26 يناير 1952؟

 

قال: هذا ملخص غير أمين لتفاصيل ما حدث، وأنا كنت «ضابط عظيم» آنذاك فى الحرس الملكى، كان تحت قيادتى سرية من جنود الهجانة السودانيين وسرية مدفعية ملكية، ولم يكن مفاجأة أن الجيش سوف يحاصر قصر رأس التين، وكنت أتوقع للحركة النجاح الكامل لأن الملك كان منهارا تماما، وبلا أى سند فى أوساط الشعب والجيش، ولكن كانت المفاجأة أن البكباشى عبدالمنعم عبدالرؤوف دخل بقواته فى المنطقة الممنوعة باتجاه ساحل قصر رأس التين، واتجهت إليه وحاولت إفهامه أن المطلوب هو حصار القصر من الخارج، لأن معظم القوات التي تحت قيادتى لم تعرف بعد أبعاد وأهداف حركة الجيش، وأننى متخوف من عملية الاحتكاك معها لأن أوامر الطوارئ تقضى بأن يضربوا فى المليان كل محاولة لاختراق أسوار قصر رأس التين.

 

قلت: ولكنك رفضت فى البداية تسليم «طبنجتك» إلى قوات الحصار؟!

 

قال: لأننى لو فعلت ذلك أمام قواتى، فمعنى ذلك أن تندفع بإطلاق النار على الجيش.. ولكن الضابط النقيب حسن حافظ تقدم منى وشهر فى صدرى مدفعه «؟؟» وطلب منى تسليمه سلاحى، فأخرجت الطبنجة من الجراب وسلمتها إليه.. وعندئذ حدث الهرج والمرج الذي حذرت منه، والذي أدى إلى إطلاق النار من داخل القصر على قوات الحصار، وكان ذلك نذيرا لباقى قوات الحرس الملكى لإطلاق النار، ولم يكن هناك داع لهذا الموقف الذي أدى إلى بعض الضحايا.. لأن تقديرى للأمور داخل القصر أن الملك سوف يسلم وينزل عند إرادة الشعب.. وهذا ما حدث بالفعل.

 

 

تم نسخ الرابط