معركة المائة نقطة!
يسميها المقاتلون معركة «المائة نقطة».. لأن الإسرائيليين قاموا بمائة هجوم مضاد متواصلة فى ثلاثة أيام متتالية.. وفى كل مرة يخسرون، وتنكسر هجماتهم على صخرة المقاومة المصرية.. وفى الهجوم المضاد الأخير.. أصابتهم قواتنا المسلحة بالضربة القاضية التي ما عاودوا بعدها المحاولة.
والغريب أن معركة المائة نقطة دارت فى منطقة بصحراء سيناء شرق قناة السويس بسبعة عشر كيلومترا.. والمنطقة تحمل اسم «النقطة مائة».
وأيا كان اسم المعركة «المائة نقطة» أو «النقطة مائة» فإنها دخلت تاريخ معارك التحرير فى سيناء من أوسع الأبواب بل معارك حروب الصحراء جميعا.
وقد بدأت قصة المعركة مع غياب آخر خيط لضوء نهار يوم 6 أكتوبر.. وكان الهدف هو الاستيلاء على تلك المنطقة التي تعتبر نقطة ارتكاز وإشراف هامة على قطاع بكير فى الجبهة الوسطى.
وقد تمركزت فيها قيادة العدو ودفاعات قوية من الدبابات والمشاة والمدفعية.
وقد عمدت القيادة المصرية إلى خداع العدو لاستدراجه.. موهمة آياه أن الهدف هو القيام ببعض مناوشات وليس الاستيلاء على الموقع الذي يشكل هضبة عالية.
وعلى طول خط طويل نسبيا.. بدأت دباباتنا ومدفعيتنا فى ضرب مواقع العدو.
فنزلت دباباته من الهضبة العالية لتتخذ مواقع تحاول فيها الإحاطة بقواتنا.. وقد كان القتال ليليا والقادة العسكريون ملأوا العالم من قبل أحاديث عن تفوق جنودهم فى القتال الليلى بينما قللوا من قدرة المقاتل المصري على ذلك النوع من القتال، بل أى نوع على الإطلاق.
وعندما رأى قائد القوة المصرية أن القوات الإسرائىلية قد أصبحت فى وضع موات، أمر فى الحال بتطوير القتال وصدرت أوامر بالاستيلاء على الموقع.
وصاح ضابط القوة: أنا هاطلع قدام الدبابات علشان أحميها!
ووراء الضابط تقدمت عناصر المشاة المترجلة تحمل مدافع الآر بى جى والصواريخ المضادة للدبابات.. وهى تهتف الله أكبر.
ومن اخلف صبت المدفعية المصرية وابلا من النيران المكثفة على مواقع العدو.
فى الساعة الخامسة صباحا كان قد تم استيلاء قواتنا على الموقع بأسره.. بينما تناثرت فى المنطقة خمس عشرة دبابة إسرائيلية محطمة.. وخمسون قتيلا وجريحا.
بعد احتلال الموقع يجرى ما يسميه العسكريون تطهيره.. ثم إجراءات التمسك والدفاع عن المنطقة.
ولم تمض ساعة واحدة.. حتى بدأ العدو هجومه المضاد الأول.. استخدم الصواريخ أرض.. أرض ومدافع عيار 175 م والهاوتزر عيار 155.
ردت عليه قواتنا بالمدفعية.. فأسكت بعد ساعتين.
عاد مرة أخرى يهجم مستخدما الطائرات هذه المرة التي كانت تحلق فوق كتيبة من المشاة الميكانيكية وراء ساتر من الدبابات أيضا.
فى تناسق كامل أشعلت وسائل دفاعنا الجوى السماء حريقا فى وجه طائراته.
التفت دباباتنا حوله بطريقة تكتيكية بارعة مازالت سرا حربيا حتى الآن.
تحطم هجوم العدو.. وارتد مرة أخرى تاركا خسائر من المدرعات والأفراد.
ولكنه بعد أقل من ربع ساعة بدأ الهجوم مرة أخرى.. عمد إلى تجربة التسلل من الخيران «وهى مجموعة وديان صغيرة» وجمع خمسا وخمسين مركبة ما بين دبابة وسيارة مجنزرة أى نحو نصف لواء.
وهنا حدثت لأول مرة معركة تصادمية بالمدرعات.. بيننا وبينه.. والمعركة التصادمية لا تعنى تناطح الدبابة بالدبابة.. وإنما تصادم ومواجهة وإنما عن بعد يشمل مدى مدفعية الدبابة.
وأسرع العدو ينزل مددا لقواته بالهليكوبتر.. سيارات مجنزرة بطاقمها من الجنود تحملها الهيلكوبتر وتنزل للاشتراك فى المعركة فورا.
وبعد ساعات قليلة انقشع دخان الميدان عن هزيمة جديدة للعدو وبدأت طائرات الهليكوبتر تنقل جرحاه من الخيران.
وخسر العدو فى ذلك الهجوم أضخم خسارة فى أى هجوم من المائة هجمة التي قام بها خلال الأيام الثلاثة.
وخلال يومى 11 و12 أكتوبر ظل العدو يلقى بقوات فى هجوم تلو هجوم، لكنه فى كل مرة يفشل تماما.
إن الجندى المصري كان يصوب المدفع المضاد للدبابات فيصيب الدبابة الإسرائيلية فى أضعف نقاطها.. أو يركز على ركبته ويوجه الصاروخ المضاد للمدرعة الإسرائيلية فيصيبها.
كانت المشاة المضادة للدبابات تنطلق للهجوم مباشرة على الدبابات والسيارات المجنزرة دون خوف.
المقاتل ربيع مثلا.. قفز من ملجئه.. بصاروخه المضاد للدبابات وراء دبابة عبرت الخندق.. وأصابها.
وأدركه المقاتل أبوزيد ليقضى على طاقم الدبابة الإسرائيلى الذي خرج منها.
ماذا إذن عن المقاتل أبوزيد الذي ضرب بصاروخه سيارة مجنزرة.. تحمل اثنى عشر جنديا.. فقتل ثمانية منهم على الفور من أول ضربة وجرح الباقى.
وعندما وقفنا فوق الهضبة العالية ومعنا المقاتل محرم وعلى مرمى البصر منا مواقع المراقبة الإسرائيلية.. كان كل شىء هادئا.. كأنما لم تدر مائة معركة على هذه الأرض.. لمدة 72 ساعة متواصلة.. أعلى رقم قياسى فى تاريخ معارك الحروب.
لكن عشرات الدبابات والمدرعات والسيارة المجنزرة الإسرائيلية المحترقة.. التي تناثرت فى طول وعرض المنطقة.. وخوذات الجنود الإسرائيليين الملقاة هنا وهناك.. يمكن أن تحكى القصة.. قصة الروح القتالية التي استطاع بها المصريون أن يحطموا مائة هجوم مضاد إسرائيلى.. فى معركة المائة نقطة أو النقطة مائة!
مقال صباح الخير العدد 933



