مع الرئيس فوق المدمرة السويس
لم أصعد على ظهر مدمرة من قبل، ولم أصعد على ظهر مدمرة مع رئىس جمهورية، وقد تحقق لى ذلك فى الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق يوم الاثنين الماضى فى العرض البحرى الكبير الذي أقامته القوات البحرية لتكريم وحداتها التي حققت الانتصارات فى حرب أكتوبر!
على الرصيف رقم «9» كانت تجرى مراسم تكريم الأبطال.
الرئيس محمد أنور السادات يرتدى زى البحرية وأكثر من 95٪ من الموجودين فى المكان يرتدون نفس الزى، خلف المنصة التي وقف عليها الرئيس، ترسو الباخرة الصغيرة الشهيرة «الحرية» التي كانت زمان تحمل اسم «المحروسة» والتي حملت الملك فاروق منذ ما يقرب من 22 عاما إلى خارج المياه الإقليمية المصرية!
«الحرية» مزدانة بالعشرات من أعلام البحرية الخاصة والتي لا يتشابه فيها علم مع علم آخر، وجنود وضباط الباخرة ينتشرون فوق ظهرها وفى مواجهتهم وعلى جانب الرصيف الآخر ينتشر الجنود والضباط فوق قطع بحرية أخرى تختلف كثيرا، هل هى مصادفة؟!
الرئيس ومعه كبار رجال الدولة والجيش يتطلعون إلى تلك القطع البحرية الجديدة الحاضر والمستقبل، أما الماضى فيكمن فى تلك الباخرة الشهيرة الواقفة وراءهم!
الحاضر والمستقبل.. الغواصات.. وزوارق الطوربيد، ولنشات الصواريخ، وكاسحات الألغام، والمدمرات، وحاملات الجنود! يصل الجميع - وفى مقدمتهم الرئيس - باللنشات إلى المدمرة الضخمة «السويس» وفور أن تستعد المدمرة للإبحار لتخرج من بوغاز ميناء الإسكندرية حتى يبدأ المهرجان الحقيقى!
سيمفونية من أصوات البحر.
صفارات البواخر التجارية الراسية عند الميناء، سارينات القوارب الخضراء الصغيرة التي يحمل كل منها خمسة من رجال الصاعقة المصرية، وهدير الموج، وصدى طائرات الهليوكبتر المتخصصة فى ضرب الغواصات!
المدمرة «السويس» والساعة الآن قد تجاوزت الثانية عشرة بعشرين دقيقة - تخرج من البوغاز لتصبح فى عرض البحر، وارتفاع الموج لم يكن عاديا فى ذلك اليوم، والمدمرة تشق طريقها مثل حيوان بحرى قو ى، قد يتمايل مع الموج ولكنه أصلب منه.. على جانبى المدمرة صفان من قوارب الصاعقة البحرية «زوديا» يطيران فوق قمم الموج تماما مثل الأسماك الطائرة!
اتجاه المدمرة شمال - شرق، وهذا يعنى أنها ستبحر بمحاذاة الشاطرئ من الميناء الحربى إلى الميناء الشرقى الذي يواجه الإسكندرية ابتداء من السلسلة حتى قلعة «قايتباى».
قبل أن تميل المدمرة من الشمال إلى الشرق وعلى بعد ستة أميال بحرية من البر يبدأ العرض البحرى الكبير!
الرئيس يجلس فى مقدمة أعلى المدمرة، بداية العرض هى ظهور وحدات من اللواء الثانى صواريخ بحرية، الوحدات اتجاهها - بعكس المدمرة - من الشمال إلى الجنوب، وبالصفارات وبالإشارات البحرية الخاصة ترسل الوحدات التحية الخاصة برئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس السادات يرد التحية ويتابع توالى قطع الوحدات فى سرعة فائقة!
ارتفاع الموج الآن تجاوز المترين بقليل وفى المنطقة التي تمتد لأكثر من 20 كيلومترا كان لإبحار المدمرة فى اتجاه الشمال وإبحار القطع الحربية البحرية فى اتجاه الجنوب أثره وفعله الشديدان فى الموج المرتفع أصلا.. فأصبح كالعاصفة التي تدور فى دوامات متلاحقة لا تهدأ ولا تستكين!
ضابط بحرى يقول لى وقد لاحظ على وجهى بوادر دوار البحر:
«هذه هى أحسن حالات البحر بالنسبة لنا، ماذا تقول عندما تشهد حالة البحر فى عز الشتاء؟
أحاول أن أقاوم دوار البحر بقرص أعطاه لى نفس الضابط، ولكن الرؤية بالنسبة لى أصبحت تتحدد فى لونين: أبيض وأزرق، زرقة المياه وبياض قمم الموج.. وبالكاد كنت أرى اللون الذي يأتى بينهما - الرصاصى - وهو لون المدمرة ولون القطع الحربية الأخرى!
مرت ساعة وأصبحنا نقترب من الواحدة والنصف والعرض البحرى الكبير مازال فى عنفوانه.
الرئيس يقف فى مقدمة أعلی ا لمدمرة يستعرض فى جلال وثبات عظيمين موكب كاسحات الألغام وسفن الإنزال.
قوارب الصاعقة البحرية «زوديا» لا تهدأ وتواصل طيرانها فوق قمم الموج، وكل شىء محسوب بالدقيقة وبالسنتيمتر الواحد بين المدمرة والوحدات المشتركة فى العرض وبين هذه القوارب التي تصول وتجول فى أرجاء البحر!
يدور حوار بينى وبين ضابط بحرى كبير حول الفرق بين رجال قوات الصاعقة البحرية ورجال الضفادع البشرية ويقول:
كل الضفادع البشرية مهامها فى الغالب تكون تحت سطح البحر، أما قوات الصاعقة فمهامها تأتى بعد نزولها على الشواطئ، وقد اشتركت هذه القوات فى عمليات كثيرة أثناء حرب أكتوبر، منها سرب بعض وحدات القوات الإسرائيلية فى جنوب سيناء ومنها تدمير «الحفار» الإسرائيلى بناء على تعليمات من الرئيس السادات بحرمان العدو من بترولنا الذي يستغله دون وجه حق!
وأسأل عن مهام الوحدات البحرية التي منح رئيس الجمهورية أعلامها نوط الجمهورية العسكرى من الطبقة الأولى فيقول:
«اللواء الثانى لنشات صواريخ حقق أكبر انتصار فى حماية القاعدة البحرية برأس التين خاصة عندما حاول العدو بوحداته البحرية «سعر» التي صحبتها أكبر دعاية لها بأنها أخطر الوحدات البحرية وأنها لا تهزم أبدا، وقد استطاعت لنشات الصواريخ المصرية أن تثبت كذب هذا الادعاء ودحر غالبية هذه الوحدات التي حاولت الهجوم على القاعدة.
«واللواء الأول - طوربيد كان مفاجأة للعدو والعالم كله باتباعه تكتيكا جديدا للغاية فى أسلوب الهجوم، ظهر ذلك عندما هاجم قواعد العدو شمال سيناء، ومنها قاعدة «رأس بيرون» التي كانت ؟؟ من أهم قواعد الإمداد البحرى بالنسبة له.
مجموعة مدمرات وغواصات، وهى التي اشتركت فى عمليات «باب المندب»، فى أقصى جنوب البحر الأحمر - قبل 6 أكتوبر - وتمكنت من إغلاق المضيق وجعلت البحر الأحمر منطقة محرمة ومغلقة عليه.
والفوج 73 - مدفعية ساحلية وقد استطاع صد كل محاولات العدو لإنزال قوات من البحر إلى الأرض فى سواحل «بورسعيد»، وقد نجح فى قتل واصطياد عدد كبير من الضفادع البشرية الإسرائيلية».
المدمرة «السويس» تمر الآن بجوار قلعة «قايتباى» ثم تلقى مراسيها لتتوقف عند مدخل الميناء الشرقى للإسكندرية.
كبار رجال الدولة والوزراء يغادرون المدمرة إلى اللنشات - هكذا تقتضى التقاليد البحرية - قبل رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون آخر من يغادرها، وهذا بعكس الصعود فوقها، فإن رئيس الجمهورية يكون أول الصاعدين إليها.
موكب جديد، ولكن من قوارب الصيادين يستقبل الرئيس السادات بالموسيقى وبهتافات الترحيب.. وبالزغاريد.
الساعة الآن قد تجاوزت الثانية والنصف والجميع قد أصبحوا من جديد.. فوق الأرض!
روزاليوسف العدد 3403



