السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

انتهت الحرب.. فماذا بعد.. بين مصر وإسرائيل؟!

بوابة روز اليوسف

إنهم يتحدثون عن السلام ويعملون من أجل الحرب

انتبهوا.. سيحاول الإسرائيليون السيطرة على قطاع المال

د. كمال أبوالعيد

د.عبده سلام

فلننظر إلى المستقبل بقلق.. لأن السلام ليس أيسر حالا من الحرب.. ولأن الصراع سوف يستمر.. ولكن.. بالوسائل السلمية كان ذلك هو ملخص ما انتهى إليه اجتماع الأربعة أيام الذي حضره 298 مديرا ورئيسا لهيئة ووكيلا للوزارة في مصر.

اجتمعوا لمدة 22 ساعة.. كانت كلها ساعات من الحديث المتصل

لم تكن «الاتفاقية المصرية - الإسرائيلية» موضعا للبحث، ولكن البحث كان حول السؤال وماذا بعد؟

اختارت جماعة خريجي المعهد القومي للإدارة العليا عنوانا لمؤتمرها هذا العام هو «الإدارة.. وتحديات السلام» قلت للدكتور زكريا جاد عضو مجلس إدارة الجماعة: إن الحرب هي التحدي لأنها تستنزف الإمكانيات وتعطل الموارد.. أما السلام فهو يضيف ولا ينقص، يزيل التحدي.. ولا يخلقه.

ورد الدكتور زكريا، لكن السلام في ظروفنا مليء بالتحديات.. وعندما ناقشنا الأمر في الجماعة، ولمدة عدة شهور كان الرأي أن الحرب والسلام ليسا مجرد عبء عسكري يتقرر أو يلغي.. لكن الأمر أوسع من ذلك، إنه مسيرة الاقتصاد كله.. بل ومسيرة المجتمع.. هو ما نبحثه في المؤتمر.

المؤتمر إذن أوسع نطاقا من حديث الحرب والسلام، إنه حديث النظرة الشاملة لفترة زمنية من عمر المجتمع.. و.. رغم ذلك فمن الطبيعي أن يكون خيط الحرب وخيط السلام محورا أساسيا في البحث.. ومن الطبيعي أن تتم الإجابة عن السؤال الجوهري، ماذا تواجه من مشاكل وتحديات؟ وكيف نواجهه؟

 يتحدثون عن السلام

ويستعدون للحرب!

في البداية والنهاية كانت هناك ملاحظات عامة على ما يجري. قال د.عبدالله سلام رئيس الشركة العربية للدواء، وهناك أمور يجب أن نتوقف أمامها حتى يتحقق السلام، وحتى تثبت إسرائيل جديتها في ذلك، أن السلام يقتضي أن تنفض أداة الحرب.. فهل فعلت إسرائيل ذلك، إنها تزيد استعدادها للحرب.. و.. من هنا فإننا لا نستطيع أن ننفض عن كاهلنا قضية الاستعداد.. يجب أن تكون دائما منتبهين ومستعدين.. فإذا حدثت خيانة أمكننا التصدق.

مسألة أخرى - والحديث مازال للدكتور عبده سلام، إذا أرادت إسرائيل السلام فلتتوقف الهجرة - لقد لاحظنا أن معدل الهجرة تزايد في عام المفاوضات.. وصدق المثل "أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك استعجب".

أيضا وحول برامج التعليم، لقد زرت القدس عام 1955 ورأيت ما هو مدون في عدة أماكن ومنها المدارس، رأيت اللافتات التي تقول «من النيل إلى الفرات».. فهل يمكن أن يستمر ذلك.. أم أن عليهم أن يراجعوا ما يلقنونه لأبنائهم. وينتهي الدكتور سلام بنصيحة للمديرين، فلنرحب بالسلام، ولكن فلنتصرف على أساس أنه قد لا يدوم.

نفس الكلمات يؤكدها علي فارس «قطاع النقل»، فالصراع لم ينته.. والصراع السلمي يمكن أن يحل مكان الصراع العسكري.. لكن ذلك الأخير أيضا قد يتجدد فإسرائيل مازالت منكرة للحقوق العربية وترفض الجلاء عن غزة والضفة الغربية.

التحدي إذن قائم، أيضًا على الجبهة الداخلية فانتهاء الحرب كما يقول على إدريس «يفجر تطلعات داخلية كانت ساكنة.. وينبغي الاستعداء ووضع الاستراتيجيات الاقتصادية الواضحة لإشباع هذه التطلعات».

 كيف يكون ذلك؟

بشكل عاجل يحدد على إدريس خطأ هنا وخطأ هناك، «إننا نعمل وفق نظامين لا نظام واحد.. هناك القطاع المشترك الذي يتبع الاقتصاد الحر.. وهناك القطاع العام الذي يتبع النظام الاقتصادي الموجه.. وهناك في مصر ثلاثة هياكل تشريعات الأجور والعمل.. هناك القطاع الأجنبي.. والقطاع العام.. والقطاع الخاص.. وهو تناقض لابد أن يزول لكي يصبح اقتصادنا أكثر كفاءة».

أيضا وكما يقول علي إدريس فإنه لابد من أن تكون الحكومة مسؤولة عن مهام محددة.. والوزراء عن أهداف معلنة.. ولا مانع أن يكون هناك وزير يعالج المشكلة السكانية فقط.. و.. وهكذا في كل الأمور التي ينبغي بحثها بعناية، «وهو ما يجعلني اتفق مع الدعوة التي نادي بها د. حلمي مراد في بداية المؤتمر لعقد مؤتمر مغلق نراجع فيه أنفسنا».

 السلام والديمقراطية

السؤال الأساسي إذن: ماذا نحتاج في السلام؟

والإجابة كما يتصورها عضو آخر للمؤتمر هو المهندس حافظ أمين (مدير عام مصنع الفرامل بشركة اليايات) أن «عصر السلام يفرض الإدارة العلمية والديمقراطية. وقد قدم المهندس حافظ أمين ورقة تحمل نفس العنوان، وانتهت الورقة إلى أن السلام حتمية تاريخية بعد انتهت «مرحلة التخلص من الاستعمار الإنجليزي والاستعمار الفرنسي في المنطقة، وهي المرحلة التي كانت تتطلب إشعال الثورات والحروب المستمرة في الوطني العربي»، كذلك فالسلام حتمي لظهور مشكلات عالمية جديدة «على رأسها مشكلة التبذير الشديد في استهلاك الموارد الطبيعية في العالم».. ولكن، وعندما يحل السلام فإنه يفرض الإدارة الديمقراطية و«إذا كانت فترة الحروب والثورات تتميز بإلهاب الغرائز وإشعال العواطف البدائية في الإنسان وفرض الأيديولوجيات بالعنف والقوة. واختيار المديرين والرؤساء من بين الصفوة القادرة على السيطرةف إن عصر السلام يتميز بالحكمة والهدوء وضبط النفس وتبادل الآراء الأفكار بسماحة وروح علمية.. واختيار المديرين والرؤساء من بين أقدر الناس على تنظيم الجماعات وتوجيههم في جو مشبع بالحرية والديمقراطية.

هذه هي متطلبات السلام، ولكن.. هل هناك خطة لذلك؟ يتساءل صادق رضوان المدير بقطاع صناعات البناء ويقول إن الصورة للمستقبل القريب أو البعيد غير واضحة.. وعلى الدولة أن تضع عددا من الاستراتيجيات البديلة. عليها مثلا أن تحدد.. ماذا يحدث لو أن هوة الخلافات العربية اتسعت؟ وماذا يحدث لو أنها ضاقت؟ ما هو تصرفنا في كل حالة؟ و.. هكذا.

يؤكد نفس الكلمات د. مصطفى السعيد رئيس معهد بحوث البناء، ويأتي حديثه في نهاية المؤتمر غاضبا عاتبا «فالسادة الوزراء الذين تحدثوا للمؤتمر لم يتفهم بعضهم الهدف من المؤتمر وفكرته.. وبالتالي قدم معلومات لا تجيب عن الأسئلة المطروحة.. بل - وللأسف - فإن بعض هذه المعلومات كان غير صحيح.. مما يعد إهانة لهذا الجمع من المديرين».

كانت الكلمات غاضبة، وإن وضع لها الدكتور مصطفى السعيد في البداية عنوان «همسة عتاب».. هل يعني ذلك المؤتمر لم يضع يده على لب المشكلة.. التحديات التي نواجهها.. وكيف؟

كانت هناك محاولات جادة أبرزها ما قدمه د.وجيه شندي أستاذ الجامعة السابق ورئيس بنك الاستثمار العربي».

 

 

 

 

 الوجه الآخر

السلام يعني انتهاء الحرب. لكنه يعني أيضا «إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل».. فماذا تريد إسرائيل من هذه العلاقات؟ وماذا نريد نحن؟

يجيب الدكتور وجيه شندي في بحثه «رؤيا للوجه الآخر» أن إسرائيل تتطلع إلى عدد الأهداف من تطبيع العلاقات.

إسرائيل تريد أولا - أن تكون القوة الإقليمية العظمى في منطقة الشرق الأوسط.. تريد أن تكون المشروع الاقتصادي الناجح. تريد أن تكون مركزا متطورا للتكنولوجيا.. ومركزا رئيسيا للمال في المنطقة.

أيضا، ومن أهداف إسرائيل، تحقيق دمج لاقتصاديات الضفة الغربية وغزة في الاقتصاد الإسرائيلي.. بل - وفي المدي البعيد - تريد تكاملا اقتصاديا مع المنطقة عن طريق منطقة تجارة حرة أو سوق مشترك.

يضع الدكتور وجيه شندي حيثيات فكرته فإسرائيل كمشروع عسكري لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.. فالحماس للهجرة، والمساعدة الخارجية والتضحية.. يقل عاما بعد عام.. والموقف الاقتصادي الإسرائيلي يزداد تفاقما عاما بعد عام أيضا.. حتى إن العجز في ميزان المدفوعات بلغ 11 ألف مليون دولار في التفرة بين 1974 و1976 وحجم الواردات الحربية بلغ 7 آلاف مليون دولار خلال تلك الفترة.. والمديوينة الخارجية بلغت 12 ألف مليون دولار في بداية 1978 (وهو ما يساوي مديونية مصر بعدد سكانها البالغ ثلاثة عشر ضعف سكان إسرائيل).

الاقتصاد الإسرائيلي إذن في أزمة. والخروج من الأزمة يتطلب زيادة الإنتاج والتصدير.. وهو ما ترغب إسرائيل في إنجازه عن طريق تقسيم جديد للعمل في منطقة الشرق الأوسط.. وإيجاد روابط اقتصادية بالمنطقة تعينها على توسيع السوق، وتنشيط السياحة، وإنشاء مشروعات مشتركة تستقطب لها رؤوس الأموال التي تنقصها.

تلك هي أهداف إسرائيل، ولكن الأمر - وكما يري د. وجيه شندي - لا يخيفنا.. فنحن نملك سبعة أضعاف ما تملكه إسرائيل من قوي عاملة.. ونملك مستويات في الأجور - وبالتالي في تكلفة الإنتاج - أقل مما تملكه إسرائيل.. وقاعدتنا الاقتصادية أكثر تنوعا.. والسوق المصرية.. سوق اقتصادية بالمفهوم الحقيقي.. والطاقة في مصر أكثر توافرا.. بل والخبرة الفنية أيضا.. والتي طال الحديث عن تفوق إسرائيل فيها «نحن أغني في مجالها.. وأفرادنا أكثر عددا.. وتفوقهم واضح عندما يعملون في ظروف طيبة».

وينهي د. وجيه شندي تصوره بأن تطبيع العلاقات لا يعني أن إسرائيل تنازلت كلية عن أطماعها.. وإذا كان الجانب العسكري هو المحور الحاكم في حالة الحرب فإن الجانب الاقتصادي هو المحور الحاكم في حالة السلام.. وهو محور ينبغي أن نخوضه في ظل التحرر من الخوف.

وكما تغلبنا على أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي في حرب 1973 فإننا يجب أن نقضي على أسطور قد تنشأ بتواتر القول حول تفوق جديد هو التفوق الاقتصادي.

وأخيرا، يطالب الدكتور وجيه شندي بإنشاء جماعات للتفكير أو مجمعات للعقول تدرس وتخطط.. وتواجه الاستراتيجية الإسرائيلي - المعدة سلفا - باستراتيجية أخرى.

 انتبهوا إلى سوق المال

وفي ظل التطبيع أيضا ينبه د. كمال أبوالعيد المدير العام بالبنك الأهلي لخطورة ما قد يتم في قطاع المال - يري على ما قيل من أن بنكا إسرائيليا يعمل في القاهرة «لايهم» ولا يضيف أي إزعاج.

يقول إننا نواجه تحديا حضاريا.. والصراع ينتقل من مجال الحرب. إلى مجال السلم.. وهذا هو الفرق بين أي بنك أجنبي يعمل في مصر، ولا يربطنا بأصحابه هذا التحدي وبين بنك إسرائيلي يفتح فرعا له في القاهرة.. إن البنوك الإسرائيلية قد تأتي، لا لتباشر وظيفتها الاقتصادية العادية.. ولكن لتخريب الاقتصاد القومي وتخريب البنوك المصرية.

أسأل د. كمال أبوالعيد عن توقعاته بتفصيل أكثر؟

فيقول لقد درست إسرائيل بالتأكيد ظروف السوق المصرية في مصر - والأكيد أنها تعلم أننا بحاجة لإقامة سوق مالي دولي.. وسوف تحاول أن تدخل في ذلك، تقدم خبرتها الفنية في هذا المجال - تعطي إيحاء بأنهاء قد نفذت لمصر ما لم تستطع مصر تنفيذه.. والأهم أنها سوف تحاول - باتصالاتها في العالم - أن تجذب الأنظار وتجذب الأموال وتسيطر على سوق القاهرة.. وحين يحدث ذلك.. حين يكون تواجدها في بورصة الأوراق المالية بارزا فإنه يمكنها اللعب بالمشروعات الاقتصادية المصرية.. بل وإفلاس بعضها وغلقه.

إن لعبة السوق المالية من أخطر الألعاب.. وأنا لا أخشى التنافس المصرفي العادي.. لكنني أخشى ما قد يحدث في سوق المال، لأن الصراع - كما قلت - سوف يستمر ولكن بوسائل سلمية.. لذا فلابد أن نستعد وأن ننزل إلى الملعب جاهزين، وأن نضع العقلية الإسرائيلية تحت الميكروسكوب لنعرف الخطوة المقبلة.

 نحن والعرب

العلاقات الطبيعية إذن، وطريقة إدارتها أحد التحديات التي تواجه مصر في المرحلة القادمة، ولكن.. مع نشوء هذه العلاقات، تتعقد علاقات أخرى مع العرب، فكيف نواجه ذلك، وما هو مدى تأثيره.

في الندوة التي تحدث فيها قدري الشرقاوي وكيل وزارة التجارة ومحمد أحمد غانم رجل الأعمال كان ذلك مطروحا، شرح قدري الشرقاوي المشكلة التي تواجه تجارتنا الخارجية.. قدر هائل من الواردات.. وقدر محدود من الصادرات.. عجز مستمر لا حل له بغير زيادة التصدير.

ويفند محمد غانم النقطة الأخيرة، التصدير لمن؟.. ويطالب بألا تحكم العواطف العلاقات الاقتصادية وألا تؤثر المشاكل السياسية على العلاقات التجارية سواء مع العرب.. أو مع الكتلة الشرقية.

يبدأ محمد غانم بمجموعة من الأسئلة:

 ما موقفنا بالتحديد بالنسبة لإسرائيل.. وماذا يحدث لو تعرثت باقي المراحل؟

 ما موقف الدول العربية منا حاليا وخلال المراحل التالية للاتفاقية؟

 ما مستقبل المقاطعة الاقتصادية بالنسبة لمصر.. وبالنسبة لإسرائيل؟

ويتوقف محمد غانم أمام حجم العلاقات المصرية العربية 20 مليون مصري في الخارج تبلغ تحويلاتهم ألف مليون جنيه عام 1979. مشروعات استثمارية يساهم فيها العرب والمصريون العاملون في البلاد العربية، تجارة كاملة تسمى «الاستيراد بدون تحويل عملة» تعتمد على العاملين في الوطن العربي، 20٪ من العاملين في الحكومة والقطاع العام يعملون في البلاد العربية، حجم من التجارة يتزايد عاما بعد عام.

ويبدي رئيس شركة النصر للاستيراد سابقا قلقه من استمرار التوتر، ويرى أنه في غير صالح الطرفين.. مصر والعرب.

 سيناء تحدٍ آخر

قبل أن ينتهي المؤتمر كان قد اتفق على تحدٍ واضح اسمه؛ سيناء - تحدث عنها د. مصطفى السعيد بما يشبه الغزل.. وتحدث عنها د. علي أبوزيد رئيس جهاز تعمير سيناء بعلم ومعرفة.

وتعجب د. نجيب إسكندر الأستاذ بالمعهد القومي للإدارة العليا من الحقيقة التي ألقيت في القاعة، والتي تقول بأن المستعمرات التي يتحدثون عنها في سيناء.. ويباهون بها كإنجاز إسرائيل.. هي في حقيقتها مصرية تم إعدادها وتمهيد أرضها قبل عام 1967.. وأن إسرائيل لم تفعل شيئا غير التشطيب.

تعجب الدكتور نجيب وتساءل: هل هناك جهد متعمد لتشويه صورة مصر عند المصريين، وهو جهد يقابله الإشادة بالطرف الآخر؟

تحدث المؤتمر طويلا عن تلك القضية، وأوصى في النهاية بأن تكون سيناء هي تحدينا القادم.. نصلها بالوادي نعمق الانتماء إليها.. نربط أهلها بنا.. نرسل أبنائنا لتعميرها كنوع من الخدمة العامة.. قال المؤتمر الكثير.. ثم عاد يناقش قضية الداخل. قضية البناء الاقتصادي.. غرب القناة، حيث الوادي بمشاكله التي بدأت قبل الحرب، والتي نشأت في الحرب، والتي يمكن أن تستمر بعد الحرب.

ماذا قالوا عن البناء الداخلي؟

ذلك حديث آخر.

 

روزاليوسف العدد 2665  

تم نسخ الرابط