الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

معنى العريش

بوابة روز اليوسف

تحرير مدينة العريش المصرية في عام 1979، هو في تقديري أحد فصول ملحمة تحرير مصر التي خاضها المصريون في العصر الحديث، وقد يختلف المؤرخون حول بداية هذه الملحمة، فيرى البعض أنها بدأت مع بداية القرن التاسع عشر وغزو نابليون بونابرت لمصر، ويرى البعض الآخر أنها بدأت مع احتلال الإنجليز لمصر في يوليو عام 1882، وعلى أي حال كانت معركة استقلال مصر وتحريرها هي قضية المصريين الأولى حتى يومنا هذا، وقد لا تدرك الأجيال الشابة أبعاد هذه القضية، كما يدركها الذين واجهوا الإنجليز يحتلون القاهرة والإسكندرية، وشاهدوا ثكنات الجيش الإنجليزي تطل على النيل في الأربعينيات في نفس المكان الذي ترتفع فيه اليوم مباني الجامعة العربية واللجنة المركزية وفندق الهيلتون، وشاهدوا ثكنات مصطفى باشا قلعة بريطانية في رمل الإسكندرية.

وبعد الحرب العالمية الثانية انحسر الاحتلال إلى شرق الدلتا ومنطقة القنال، وكان الكيلو تسعين شرق القاهرة نقطة تفتيش للقوات الإنجليزية، يمر بها المصريون في طريقهم إلى مدن القنال.

وفي عام 1956 وبعد شهور من جلاء الإنجليز عن قاعدتهم في القنال مع احتفاظهم بحق الرجوع إليها في زمن الحرب؛ هاجمتنا قوات إنجلترا وفرنسا وإسرائيل في محاولة للاستيلاء على سيناء.

فكانت محصلة هذه الأحداث هي استرداد مصر استقلالها وسيطرة الإرادة المصرية على أراضيها حتى الشاطئ الغربي لقنال السويس، ثم كان الكفاح الأخير الذي انتهى بالعبور عام 1973 وتثبيت أقدام المصريين على شرق القنال. ثم كانت المرحلة الدبلوماسية والمفاوضات وما انتهت إليه من استرداد سيناء وتحرير العريش.

إن هذه الرؤية التاريخية، توضح لنا جوهر الصورة وخلاصة الموقف، فالإرادة المصرية تكافح من أجل استقلالها جيلا بعد جيل، وهي تعتمد في كفاحها على جميع الوسائل من ثورات وحروب ومفاوضات. ثورة عرابي، ثورة 1919، حرب 1956، حرب 1973، مفاوضات سعد زغلول، وعدلي يكن ومصطفى النحاس، ومعاهدة 1936 ومعاهدة الجلاء عام 1954، ومفاوضات فض الاشتباك وإعلان كامب ديفيد ومعاهدة السلام 1979، تاريخ زاخر بالثورة والحرب والدبلوماسية، يؤدى في كل مرحلة إلى خطوة نحو الهدف الكبير وهو تحرير الإرادة المصرية، وتحقيق الاستقلال الكامل لمصر.

والإنجاز الذي تم كبير بكل المقاييس، ولا يدرك حقيقة حجمه إلا الذين عرفوا كيف كانت النظرة الأجنبية إلى أرض مصر قبل مائة عام، ويكفي أن تقرأ هذه الفقرة التي كتبها مؤرخ إنجليزي «جستين مكارثي» في كتابه «موجز لتاريخ عصرنا»، إنه يقول عن مصر في نهاية القرن التاسع عشر:

«يبدو أن هناك قانونًا دوليًا معترفًا به، ولكنه غير مكتوب، يسمح لأي دولة أوروبية أو «دولة أخرى» أن تستكشف الأراضي المصرية، وأن تحتلها- إذا رأت أن في ذلك مصلحة لها- بشرط ألا تكون الأرض تحت سيطرة دولة أوروبية أخرى، فالأوروبيون أحرار في الاستيلاء على صحارى مصر، وفي حالة إذا كانت هذه الصحارى آهلة بالسكان، فلا بد ألا يعارض سكان هذه الصحارى الاستيلاء على منطقتهم، أو يتبين أنهم عاجزون عن تأكيد معارضتهم في مواجهة السلاح»!

هكذا ببساطة كان المؤرخ الإنجليزي يكتب في عام 1907 عن مصر، إنها أرض مفتوحة يستولي عليها من يشاء باسم قانون دولي مزعوم، والمنطق الذي يعتمد عليه هذا القانون هو منطق القوة، فما دام المصريون غير قادرين على الاعتراض في مواجهة القوة المسلحة، فكأن اعتراضهم لم يكن، ويجوز «قانونا» الاستيلاء على أراضيهم.

هكذا كان الأوروبيون يعاملون بلادنا منذ أقل من مائة عام، ولنا أن نتصور الجهد المبذول لتغيير هذه النظرة، والقيام بعملية غسيل للعقول الأوروبية والعالمية عموما ليدركوا أن حرص المصريين على استقلالهم، هو حرص إنساني وحضاري، وأن فرض السيطرة بالسلاح، عملية عقيمة لا جدوى من ورائها.

ولا شك أن استرداد العريش، قد حمل إلى الرأي العام العالمي هذا المعنى الإنساني والحضاري، وهو المعنى الذي نريد له أن يسود العالم.

ومعركة التحرير ما زالت مستمرة!  

 

روزاليوسف العدد 2660

تم نسخ الرابط