الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من بطولات هؤلاء المقاتلين .. سيكتب التاريخ اسم مصر

بوابة روز اليوسف

هل تريد أن تعرف الروح التي حاربنا ونحارب بها؟ اسمع ما يقوله المقاتلون العظام من الجرحى العائدين من الميدان، يعودون عطاشا إليه لا تمنعهم غير الجراح.

ووراء كل مقاتل جريح قصة رائعة وحية من قصص البطولة فى الدفاع عن الأرض والوطن، قصة تعكس الروح العظيمة التي تحركنا اليوم فى نضالنا الدامى ضد الاستعمار والصهيونية.

وعلى أسرة المرض يتابع الجنود المعركة ساعة بساعة، يحرقهم الشوق للمساهمة فيها، رأيت المقاتل إبراهيم من سلاح المدرعات يوم وقف إطلاق النار، رأيته وعينه على الميدان وجسمع مثخن بالجراح.

وكذلك هم جميعا.

وعلى سرير كان يرقد أحد الضباط، وقد غطيت عيناه بالضمادات، وفمه يتدفق ببطولات الرجال على أرض سيناء، ويذكر عشرات الدبابات التي دمرها هو وجنوده فى القطاع الأوسط.

ولن أنسى هذا المشهد الذي رأيته فى مستشفى الدمرداش، ومقاتل شاب فى ربيع عمره، ورأسه وفمه ملفوفة بضماد، ولا يقدر على الحركة أو الكلام، وعندما رأى السيدة جيهان قرينة الرئيس - التي كانت تزور الجرحى المقاتلين - أمسك بورقة وقلم وببطء شديد كتب لها: «إننا نقدم أرواحنا لتحرير الأرض».

فكتبت قرينة الرئيس على نفس الورقة:

«أنتم أبطالنا ونحن فخورون بكم لأنكم رفعتم اسم مصر عاليا».

والحديث عن الوطن والحرص عليه يسبق أى حديث على ألسنة الرجال الراقدين فى المستشفيات، حاملين جراحهم وإيمانهم بما قاتلوا من أجله، وكما يقول الجندى «..» - دفاع جوى - أنه كان يثأر لشقيقه وابن عمه وإخوانه الذين استشهدوا فى 67، ولآبائه الذين هاجروا من بورسعيد والسويس.

وستبقى فی أعماقى بصمة تكاد تضىء على شفة الملازم الشاب «...» الذي أصيب فى المعارك، وعندما اقتربت منه أستمع لقصته كان يحكى فى هدوء وثقة عن دوره ودور زملائه فى المعركة.

والتقى فى مستشفى القوات المسلحة بضابط..

يقول لى إنه سيخرج بعد أيام إلى موقعه، وأنا متفائل وعندى ثقة كبيرة، و6 أكتوبر أعادت للمقاتل المصري كرامته، لقد حارب وكسب المعركة، فقد كان ينتظر هذه الفرصة منذ زمن طويل.

وأسأل النقيب «..» وقد أصابته إحدى الشظايا، وأجريت له عملية سريعة وهو الآن يتماثل للشفاد، أسأله عن شعوره بعد العبور:

- كان لى الشرف أن أكون ضمن الموجة الثانية التي عبرت القناة، وأنا عاجز عن وصف مشاعرى وأنا أخطو على أرض سيناء، وساعتها لم أملك نفسى فبكيت.

 إن العطش لتحرير الأرض كان هو النار التي تدفع المقاتلين جميعا، وكما يقول جندى مؤهلات «...» - صاعقة - وكان واحدا من المكلفين بصد اختراق العدو لمدينة السويس يوم 22 أكتوبر، وأصابته شظايا صاروخ فى يده، وهو يقول ببساطة:

- إن الأرض غالية.

إن مظاهر التضحية تعطر بأنفاسها المستشفيات، تفوح من المقاتلين وغيرالمقاتلين تجدها فى الأطباء الذين رافقوا جيشنا، فى مستشفى الشهيد جلال رأيت أربعة من البعثة الطبية التي كان لها شرف العبور كأول كتيبة طبية دخلت القنطرة، واستولوا على ما فيها من معدات وآلات طبية، ويقول أحد الأطباء إنه لا يمكنه أن يصف مشاعره فى اللحظة التي وضع فيه قدمه على أرض سيناء، لقد عشت أحد عشر يوما من أمجد أيامى.

الصورة عن الممرضات رائعة.. كل واحدة تعتبر الجرحى إخوتها.

إنهن كما تقول رئيسة مستشفى القوات المسلحة يعملن 24 ساعة فى 24 ساعة، لدرجة أنى أصبحت أجبرهن على الراحة حتى يستطعن مواصلة العمل، أضرب لك مثلا بواحدة حصلت على تصريح إجازة مرضية، قطعتها وعادت للعمل رغم صعوبة إجراءات الحصول على إجازة.

الصورة تجدها فى عشرات الحكايات الصغيرة التي تصنع فى النهاية ذلك الشىء الكبير الذي حدث فى بلادنا بعد 6 أكتوبر: الجندى الذي نزع العلم الإسرائيلى ونزع من فوقه نجمة داود ولف به وسطه الذي كان ينزف بالدم.. الضابط الذي كان يطلق عليه الإسرائيليون فى إذاعتهم لقب السفاح، والذي كان يقود أول فرقة عبرت المانع المائى يوم 6 أكتوبر، وقد أصيب فى رجله بشظية صاروخ يوم عشرين، وهو يقول لنا: مهما كانت إصاباتنا وجراحنا فهذه بلدنا وأرضنا.

عشرات من الحكايات الشريفة، وكما يقول أحد رؤساء الأقسام بمستشفى القوات المسلحة، وأنا أسأله عن انطباعه وهو يستقبل الجرحى العائدين من الميدان: كان شعورى مزدوجا، شعورى نحو إخواننا الجرحى الذين أدوا واجبهم، شعور آخر إنه لأول مرة يتوافر للمقاتل المصري فرصة بأخذ حقه ويحقق بطولة، ولا يهم أن يحقق بطولات خارقة، ولكن أن يؤدى دوره خير أداء، وهذه بطولة فى حد ذاتها، وقد لفت نظرى أنهم كانوا يسألوننا عن أحوالنا غير عابئين بجراحهم قبل أن نسألهم نحن عن أحوالهم!

وهذه هى البطولة، أن تقوم بأعظم الأشياء وأنت تحس أنك تقوم بالواجب.

وما أعظم ما قام به هؤلاء الرجال العظام، وما أعظم ما افتدوه!

 

صباح الخير العدد 930  

تم نسخ الرابط