بدأت اليوم الأول في وحدتي الجديدة في مقر قيادة اللواء الخامس بتجهيز الخندق الذي سأقيم فيه مع مجند آخر موجود منذ عامين وحاصل علي مؤهل متوسط اسمه زاهر مسؤول عن الأرشيف واصطحبني في المساء إلى خندق آخر بجوار خندق العميد سيد الشافعي قائد اللواء وتعرفت عليهم وعلمت منهم أنهم وصلوا إلي هذا الموقع في العام الماضي ولمست فيهم الروح المعنوية العالية وأنهم يتطلعون إلي اليوم الذي يمكنهم فيه الانطلاق عبر قناة السويس إلى الضفة الشرقية واقتحام خط بارليف وتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، كانت الحياة في الجبهة في شهر نوفمبر صعبة خاصة في المساء؛ حيث تشتد البرودة فنحن في فصل الشتاء ومن الطبيعي أن تنخفض الحرارة خاصة في المساء مع تساقط الأمطار في بعض الأيام.
ونبدأ في الصباح الطابور العسكري والرياضي يشارك فيه الضباط والجنود ويتم توزيع الخدمات علي الجميع ونحن ننظر إلي سيناء الحبيبة على مرمى البصر، وبعد عشرة أيام وصل إلينا أحد رجال الأزهر في إطار زيارات ميدانية للجبهة للإلتقاء بالضباط والجنود.
وفي الصباح اصطحبت الشيخ الأزهري بسيارة جيب إلي الخط الأمامي على قناة السويس والتقيت زملائى المجندين، الذين حضروا معي من القاهرة وتم تجميع عدد كبير من الضباط والجنود من مختلف الكتائب، وكان حديث الشيخ عن التضحية والفداء والشهادة في سبيل تحرير الأرض وقهر العدو المحتل.
ورد على استفسارات البعض، وكان المشهد مؤثرا للغاية لأن اللقاء كان على الضفة الغربية لقناة السويس وأمامنا علي الضفة الشرقية العلم الإسرائيلي يرفرف علي القناة والجنود الإسرائيليون يراقبوننا وشعرت وقتها بوطأة الاحتلال الإسرائيلي ونحن نراقب هذا الموقف، وبعد انتهاء اللقاء الذي استمر حوالي ساعة عدت مع الضيف إلى مقر قيادة اللواء حيث غادرنا عائدا إلى القاهرة وشعرت في هذا اليوم بالمأساة الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي، وكان نفس الشعور هو السائد لدي الجميع ونحن نتطلع إلي اليوم الذي نستطيع فيه اقتحام القناة وتحرير الأرض وإسقاط العلم الإسرائيلي ورفع العلم المصري إلي مكانه الطبيعي في حضن مصر، وبعد أسبوعين جاء دوري في الحصول علي أجازتي الشهرية لمدة أسبوع وكان الأتوبيس الحربي ينقل الضباط والجنود مجانا من وحداتهم متجها إلي القاهرة وطبعا كان طريق السويس عبارة عن طريق حربي ممنوع مرور السيارات الخاصة أو أي وسيلة من وسائل المواصلات العامة ويتخذ الأتوبيس الحربي طريقه حتي ميدان العباسية؛ حيث ينتظر الضباط والجنود الذين أنهوا أجازاتهم ليستقلوه عائدين إلي وحداتهم على الجبهة، وركبت أتوبيس هيئة النقل العام من العباسية إلى ميدان رمسيس، حيث ركبت أتوبيس الأقاليم من موقف أحمد حلمي إلي بلدتي في المحلة الكبري لقضاء أول أجازة مع عائلتي واستقبلتني والدتي ووالدي رحمهما الله واخوتي والتقيت أصدقائي وحكيت لهم مايجري علي الجبهة والاحتلال الإسرائيلي وكانت أسئلتهم دائما متي ندخل الحرب ونثأر لشهدائنا الأبرار وتعود سيناء الحبيبة إلى حضن الوطن.



