د. إيمان ضاهر تكتب: جبل سيناء.. أليس هو مقلة عين الله جل وعلا على أرض مصر؟
سيناء، أنشودة الانغماس العميق في أرض
إلهية، حيث الصبر والاتحاد مع الطبيعة ترنيمة من الفضائل الأهم ، حيث الانسجام مع صحراء مصرية عظيمة، روح الاكتشاف للمشاركة في تأمل المفاتن الأصيلة لإنسانية أخوية تذهلنا بكل ما يشكل تراثها الروحاني والثقافي الذي ما زال وسيبقى حيوية أرض إبداعية، أرض الرغبة الأسطورية منذ ولادتها من إله القمر الذي يضيء كل بقاعها ويحرص على خلودها.
قارئي العاشق لأرض الفيروز، ماذا تمثل سيناء اليوم للوعي المصري؟ وماذا يحكى عن جبلها المقدس الملحمي ورمزيته في القرآن الكريم؟ في القرآن الكريم، روعة جبل سيناء مكان الدعوة واللقاء، حيث "كلم الله عز وجل موسى عليه السلام تكليما" "إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك في الوادي المقدس طوى"، الجبل المحظوظ الذي نودي موسى بجانبه.
صورة جبل النور "الطور" في تسبيح الخالق في القرآن الكريم: أسمعت الجبال ما وعدها ربها؟ "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا" سورة طه. فهذا حال جبل الطور ذي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وثباتها من جلال ربها وعظمنه.
إن رمزية جبل سيناء الموجودة في القرآن تستمد بعض مصادرها من العهد القديم، ولكنها تضيف أيضًا قدرًا من الإثراء إلى نطاق معانيها.
وفي ذكر تكوينه الجيولوجي، أليس كالوتد والدعم في تحصين الأرض المباركة ودوره في إرشاد المؤمنين الذين يصعدون إليه في منتصف الليل ليصلوا عند شروق الشمس في الفجر.. فماذا يمثل هذا الصعود الشاق لقمة الجبل المبارك؟
أليس رمز الجبل في العلاء يجسد حقيقة آيات الله جل جلاله المدهشة تتحدى عقل البشر بإلهام يتجاوز أي ذكاء إنساني وكل ما أوتي به من علم وتقدم وتطور؟
عزيزي القارئ، إنها وقفة تفكر واعتبار روحاني وتأمل وأذكار وإعجاب وإكبار تلك هي آلة من آلات الإبصار، حيث الخشوع والدموع في الوادي المقدس أرض المعجزات وملتقى كل الديانات.
ويشكل جبل الطور أيضا فلسفة جوهرية للتجلي المرتكز على رؤية للطبيعة التي يُنظر إلى عناصرها على أنها "آيات" مطهرة تظهر الإلهية. إن الخالق، العظيم الرحيم في جوهره الذي يهرب في الواقع من إدراك البشر العادي المحدود في المجال الحساس، يجعل من الوصول إلى هذا الجبل ممكنًا من خلال الأشكال المادية التي يتطلب إدراكها اهتمامًا خاصًا يتغذى بالإيمان. ويجسد هذا الجبل المهيب المصنوع من الصخر الذي لا يتحول، فكرة الديمومة في مواجهة عالم المادة الزائل، بينما يلهم بوجود عالم آخر لا يخضع لقانون الموت والفناء.
وفقاً للإسلام، فإن دعوة جميع الأنبياء كانت في الأساس تذكيراً بهذا العهد السابق للوجود وعندما أعرب موسى بعد ذلك عن رغبته في رؤية الخالق، تجلى لجبل مسحوق، في حين انهار الأخير، كما وإذا ضربه البرق، فقد تفكك الجبل في موجة حب أثارتها رؤية الخالق وأدت إلى الرغبة في الاتحاد والاندماج معه.
قارئي المؤمن، في طور سيناء الأبية احن رأسك إجلالا واخلع نعليك تطهرا وتعظيما، واغمض عينيك خشوعا وتبجيلا والتمس رسائل الحكمة الإلهية المباركة من سكينة وهدوء المكان الرفيع وتأمل العظمة والجلال.
ألم يتجل هذا الجبل باسمى الآيات وأكرمها: "والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين.. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون.. فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين".
جبل الطور في سيناء وقسم رب العزة على
خلق الإنسان بأجمل تقويم إلا هؤلاء الناكرين.. شجرة الزيتون المباركة فى جبل الطور ماذا تعني للبشرية؟ شهدت وحى الله، وأقسم الله تعالى بها وجعل الله تعالى فيها سرا وبركة اقتصادية وفيرة لا تعد ولا تحصى: "ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين، وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون، فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون".
فهنا يتحدث الله تعالى عن خلق السماوات السبع والبشر وإنزال الماء من السماء وجنات النخيل والأعناب، وبعدها يقول تعالى: "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين" المؤمنون.. أي جعل شجرة الزيتون التي تنبت في جبل الطور في الوادي المقدس الأمين.
وأخيرًا، جبل الطور الشاهد لكل تلك التطورات الإلهية، من رفع وهبوط، ولا يزال باقيا شامخا حرا أبيا وضرب الله جل وعلا مثالا لنور الهداية في سورة النور الكريمة: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم"ٌ.. وهنا يذكر جل وعلا شجرة الزيتون السيناوية المباركة التي يكاد زيتها يغذي الدنيا باسرها ويجذب كل البشر لرؤيتها. وهنا ربط بين النور المعنوى للهداية وزيت الزيتون باعتباره طاقة لم يتم استغلالها بعد ضمن عناصر الطاقة المعروفة لدينا. أليس هذا تجسيد يشير الى ثروات مجهولة للمستقبل عن أرض سيناء الطاهرة وشجرة الزيتون في جبل الطور؟ والله جل وعلا، هو الأعلم.
ونهاية، أينما ينظر الإنسان في هذه الأرض الفسيحة والمنيعة الممتدة بعين ناصرة وناضرة يتأمل قدرة الله عز وجل الجبارة ومشيئته القاهرة على رفع أرض سيناء فالأعوام تتوالى وتنسج حلاوة الحياة والأضواء الذهبية لسيناء الأبدية العامرة بأجواء سحرية عمادها قدرات بدنية ذات بطولات وتضحيات تتعالى يوما بعد يوم ولطالما أبهر الجيش المصري وقواته المسلحة العالم بأسره بقدسية واجبه الوطني في الدفاع عن أرض الفيروز، سيناء الحبيبة، الأرض التي ينيرها القمر.
أستاذة متخصصة بالأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي من جامعات السوربون في باريس.



