
د. حسام الإمام يكتب: أقسام اللغات كما أحب أن أراها

لا شك أن إتقان اللغات قد بات من الأساسيات التي تفتح آفاقًا جديدة لأبنائنا في سوق العمل، خاصة أقسام اللغات المستحدثة في العديد من الكليات.
جميل أن يكون هناك خريجون يجيدون التعامل في محيط تخصصهم العلمي بلغات أجنبية مختلفة.
لكن لفت انتباهي تعليقات العديد من الطلاب الملتحقين بتلك الأقسام التي تشير إلى المستوى الفعلي لمهارة الدارسين في التحدث باللغات التي يدرسونها، وبما يستوجب ضرورة الاهتمام ببعض الأمور حتى تحقق تلك التجربة الهدف المرجو منها.
أتذكر خلال قيامي بالتدريس في قسم اللغة الإنجليزية بإحدى كليات الحقوق، أنني وجدت بعضًا من طلاب السنة النهائية لا يجيدون التحدث باللغة الانجليزية، وآخرين يخشون التحدث بها، والبعض يخجل من الجهر بما يعرفه منها لعدم تدريبه على ممارستها.
وعندما تعجبت واستفسرت عن الأمر قالوا: عادي يا دكتور، سوف نبدأ في دورات اللغة بعد التخرج؟!
وانتبهت لذلك، بعد كل ما صرفه الأهل، وبعد دراسة استمرت لأربع سنوات، ما زالوا بحاجة إلى دورات في اللغة!
وفى محاولة لتدارك ما يمكنني تداركه؛ أخبرتهم أن المحاضرة القادمة سوف تكون من نصيبهم، وهم من سوف يتولون التحضير والوقوف مكاني والشرح لزملائهم باللغة الإنجليزية، وأخبرتهم أنه لن تكون هناك درجات على ذلك، وأن كل همي هو تحسين اللغة لديهم وإكسابهم مهارة الإلقاء وجرأة التحدث.
وسار الأمر على خير، بل إنهم بدؤوا يتسابقون بعدها للشرح، وأنا أجلس بينهم ولا أتدخل إلا للشرح والتوضيح بعد انتهائهم.
كانت الشرارة الأولى لانتباهي إلى ضرورة الاهتمام بأقسام اللغات في جامعاتنا عندما عايشت مجموعة من الزملاء السودانيين أثناء عملي في الجامعة بالنرويج. عندما رأيت مستواهم الجيد في اللغة الإنجليزية سألتهم: بالتأكيد أنتم تدرسون في مدارس لغات من الصغر، قالوا لا، قلت إذن يتم التدريس في بلدكم باللغة الإنجليزية لكل المواد؟ قالوا لا، اللغة هي مجرد مادة واحدة ندرسها مع باقي المواد! ونفس الكلام سمعته من زملاء جزائريين حول اللغة الفرنسية، مجرد مادة يدرسونها مع باقي المواد، إلا أنهم أوضحوا أن دراستهم الجامعية تكون جميعها باللغة الفرنسية.
وبدأت تتضح لي خطة العلاج، هو إذن أسلوب تعليم اللغة ولا شيء غيره. يجب أن يكون الشاغل الأول لتعليم اللغات الأجنبية في مدارسنا هو إتقان الدارسين لتلك اللغة وبناء مهاراتهم فيها قبل الحرص على الحصول على درجات كبيرة.
يأتي بعد ذلك الاختيار الجيد الحريص لأساتذة ومعيدين يجيدون التحدث باللغة الأجنبية محل الدراسة، بحيث ينطقونها بشكل سليم، ويتفاعلون مع الطلبة لإكسابهم الثقة والجرأة على التحدث.
في كلية الآداب العديد من أقسام اللغات، وقد تعودنا من قدامى خريجي كليات الآداب على مهارة التحدث باللغات التي درسوها، أعلم أن الهدف في كلية الآداب هو دراسة آداب اللغات وتاريخها، لكن ما فائدة الخريج الذي يعلم آداب وتاريخ فرنسا مثلًا، وقد تخرج وهو لا يجيد الحديث باللغة الفرنسية؟ كيف يمكنه تحديث نفسه ومواكبة الأدب الفرنسي وهو لا يستطيع الحديث بلغتهم ولا يفهم ما يقولون ولا ما يكتبون؟
إن خطوة تطبيق نظام أقسام الدراسة بلغات أجنبية في جامعاتنا تعتبر خطوة ممتازة في سبيل صقل قدرات أبنائنا، لكن الحرص والعمل على إتقانهم اللغة الأجنبية يجب أن يكون هو الشاغل الأول والرئيسي، جنبًا إلى جنب مع تدريس آداب اللغة.
مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه