قصة غربة.. وحكاية حرب لبنان ‏

إنها قصة رجل وبلاد.. وﻫﻲ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ ودم؛ لأنها ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺣﻴﺎة، رﺟﻞ ﻃﻤﻮح ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻨﻴﻞ، ﺣﻤﻞ ذات ﻳﻮمٕ، ﻣﻦ ذات ﺳﻨﺔٍ، ﺣﻘﻴﺒﺔ ﺳﻔﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻠﻢ وﻣﺴﻄﺮة وﻣﻤﺤﺎة.. وﺳﺎﻓﺮ إﻟﻰ بلاد غريبة، ﻳﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻛﺒﻬﺎ.

دارت اﻷﻳﺎم ﺑﻪ اﻟﺪوران اﻟﻤُﺘﻌﺠﻞ، ﻓﺘﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻏﺮﺑﺔ إﻟﻰ ﻏﺮﺑﺔ: ﻣﻦ ﺑﻼد ﺗَﻮﻟﻪَ ﺑﻬﺎ، أﻋﻄﺎﻫﺎ وأﻋﻄﺘﻪ، وﺗﻔﺘﺤﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺪارﻛﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻀﻞ واﻷﺣﻠﻰ ﻟﻤﻬﻨﺘﻪ.. ﺧﺎﻟﻂ ﻧﺎﺳﻬﺎ، أﺣﺒﻬﻢ وأﺣﺒﻮه، وﻟﻢ ﻳُﺸﻌﺮوه ﻳﻮﻣًﺎ واﺣﺪًا ﺑﺄﻧﻪ ﻏﺮﻳﺐ ﺣﻞ ﻓﻲ دﻳﺎرﻫﻢ، ﺗﻌﻠﱠﻢ واﺳﺘﻔﺎد ﻣﻨﻬﻢ، وﻫﻢ اﺳﺘﻔﺎدوا ﻣﻨﻪ. إﻟﻰ ﺑﻼد أﺧﺮى، ﻻ ﺗُﺸﺒﻬﻪ، وﻻ ﺗﺤﻜﻲ ﻟﻐﺘﻪ، وﻻ ﺗﻌﺮف ﻋﺎداﺗﻪ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪه، ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺂﻟﻒ ﻣﻌﻬﺎ، ﻓﻘﺒﻠﺘﻪ واﺣﺘﻀﻨﺘﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺒﻠﺖ واﺣﺘﻀﻨﺖ ﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻔﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻤﻠﻮا أﻗﻼﻣﻬﻢ ودواة ﺣﺒﺮﻫﻢ وأوراﻗﻬﻢ وأﻓﻜﺎرﻫﻢ وﻫﻤﻮﻣﻬﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ، وﻋﺎداﺗﻬﻢ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ.. وﻫﺎﺟﺮوا إﻟﻴﻬﺎ، ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺬي ﻣﺰﻗﺘﻪ ﺣﺮب ﻧﺎﺳﻪ، وﺣﺮب اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻴﻪ.. وﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب اﻷﺧﺮى، ﺣﻴﺚ ﺗُﻜﺴﺮ اﻷﻗﻼم، وﺗُﻤﺰﱠق اﻷوراق، وﺗُﻜﻤﱠﻢ اﻷﻓﻮاه، وﺣﻜﺎﻳﺎت ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد، وﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻐﺮﺑﺔ ﻓﻴﻬﺎ .

إنها رحلة فنان كتب بمِدّاد روحه، ورسم بريشة قلبه، لوحة مبهرة حدّ الوجع، وموجعة حدّ الإبهار.

أﺻﻌﺐ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت، ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎول زﻣﻨًﺎ ﻣﻀﻰ ﺑﻨﺎﺳﻪ، ﻓﺘﺴﺘﺪﻋﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻌﺐ اﻟﺬاﻛﺮة؛ ﻟﺘﻤﺮ أﻣﺎﻣﻚ وﺟﻮه ﻛﻨﺖ ﺗﺄﻧﺲ ﻟﻬﺎ وﺗﺤﺒﻬﺎ، وأﺧﺮى ﻣﺮﱠت ﻋﺠﻠﻰ، ﻟﻜﻨﻬﺎ أﺛﺮت ﻓﻴﻚ، ﺛﻢ ﻟﻠﺤﻈﺎت ﻳﺄﺧﺬك اﻟﺤﺰن ﺑﻌﻴﺪًا، وﺗﺸﻌﺮ ﺑﻤﺮارات ﻏﻴﺎب ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺟﻮه ﻋﻨﻚ، وﺗﻌﻮد ﺗﺮﺳﻢ ﺑﺎﻷﺣﺮف واﻟﺤﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء أﻣﺎﻣﻚ؛ ذﻛﺮﻳﺎت ﻣﺎ ﻛﺎن، وﺟﺮى، وﻣﻀﻰ، ﻣﻦ أﻳﺎم وﺷﻬﻮر وﺳﻨﻮات ، ﺑﺤﻠﻮﻫﺎ وﻣُﺮﱢﻫﺎ؛ ﺑﺤﺰﻧﻬﺎ وﻓﺮﺣﻬﺎ؛ ﺑﺈﺧﻔﺎﻗﺎﺗﻬﺎ وﻧﺠﺎﺣﺎﺗﻬﺎ.. لم يّدرْو في خلدي لحظة واحدة ، وأﻧﺎ أدﺧﻞ ﻣﻜﺎﺗﺐ ﻣﺠﻠﺔ ﺻﺒﺎح اﻟﺨﻴﺮ ﺣﺎﻣﻼ ًﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺘﻪ وﻋﺮﻓﺘﻪ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ؛ أﻧﻪ ﺳﻴﺄﺗﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي أﺗﺮﻛﻬﺎ ﺧﻠﻔﻲ، وأُﻋﻄﻲ أوراق اﻟﻐﺮﺑﺔ.. أﻳﺎم ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن . وﺟﻬﻲ ﻟﺒﻼد أﺳﻤﻊ ﻋﻨﻬﺎ وﻻ أﻋﺮﻓﻬﺎ، ﻟﺘﻄﻮﻳﻨﻲ اﻟﻐُﺮﺑﺔ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻨﻬﺎ وﻋﻦ ﻣﺼﺮ، ﺳﻨﻮات ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻠﻴﻄًﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺒﻌﺎد، وﻓﺮح اﻟﻨﺠﺎح وﻧﺸﻮﺗﻪ.

ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺮار اﻟﻐُﺮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻲّ ﻫﻮ اﻟﺴـﻌﻲ وراء ﻣﺎ ﻻ أﻟﻘــﺎه ﻓﻲ ﺑﻼدي، ﻣﺜﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺼـﺮﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﺎﺟــﺮون وﻳﻐﺘـــﺮﺑﻮن ﻟﻠﺤﺼـــﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻮاﻓﺮ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد، إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﺮض ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ﻻ ﻳﻔﻚ ارﺗﺒﺎﻃﻲ ﺑﻤﺆﺳﺴﺔ روز اﻟﻴﻮﺳﻒ، وﻻ ﻳﺒﻌﺪﻧﻲ ﻋﻦ ﺻﺒﺎح اﻟﺨﻴﺮ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﻴﺘﻬﺎ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﻋﻤﺮي.

وﻣﻊ ذﻟﻚ، ﺛﺎر ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي اﻟﺴﺆال: ﻫﻞ أرﻳﺪ ﻓﻌﻼ ﺣﻤﻞ ﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﺴﻔﺮ، واﻻﻏﺘﺮاب ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻋﻦ اﻟﻮﻃﻦ واﻷﻫﻞ واﻷﻗﺎرب واﻷﺻﺤﺎب؟ ﻫﻞ أﺗﺮك اﻟﻤﻌﻠﻮم، وﻫﻮ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﺎﻟﻜﻔﺎف، وأﺳﺎﻓﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺠﻬﻮل؟ ﺗﻼﻃﻤﺖ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﻓﻲ رأﺳﻲ.. ﻟﻘﺪ أﻳﻘﻨﺖ أﻧﻨﻲ وﺻﻠﺖ ﻛﻤﺨﺮج ﺻﺤﻔﻲ إﻟﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ روز اﻟﻴﻮﺳﻒ، ﺛﻢ ﻛﺎن دﻋﻢ وﺗﺸﺠﻴﻊ واﻟﺪي ﻫﻮ اﻟﺬي دﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮار، ﻓﻘﺮرت ﻗﺒﻮل اﻟﻌﺮض. ﺣذروﻧﻲ ﻣﻦ أﻟﻢ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ، ووﺣﺸﺔ اﻟﻌﺰﻟﺔ، وﻇﻼم اﻟﻄﺮﻳﻖ، وﻣﺮارة اﻟﺸﻮق، واﻟﺘﺤﺮق واﻟﺤﻨﻴﻦ.

ووﺟﺪت، ﺧﻼﻓًﺎ ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا وﻗﻴﻞ، أن اﻟﻐُﺮﺑﺔ وﻓﺮت ﻟﻲ ﻓﺮص ﺗﻄﻮﻳﺮ أﺳﻠﻮﺑﻲ ﻓﻲ اﻹﺧﺮاج اﻟﺼﺤﻔﻲ، وﻓﺘﺤﺖ ﻟﻲ سبل اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ، ﻓﻜﻨﺖ أرﻓﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻘﺎت واﻟﻤﻘﺎﺑﻼت اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ، وﺑﻜﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﺞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة، ﺛﻢ ﺧﺪﻣﺔ روزاﻟﻴﻮﺳﻒ ﺑﺘﺄﻣﻴﻦ اﻷﺣﺒﺎر وﻣﻮاد اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺘﻮاﻓﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻞء اﻷﺳﻮاق ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت .

وﻗﺪ ﺗﻌﺎﻣﻠﺖ ﻣﻊ اﻟﻐُﺮﺑﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻛﺸﻒ واﻛﺘﺸﺎف، وﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﺧﺘﺒﺎر اﻟﺬات واﻟﺘﺄﻣﻞ واﻻﺣﺘﻤﺎل.

وﻇﻠﺖ ﻣﺼﺮ، ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ، ﺗﻌﻴﺶ ﺗﺤﺖ ﺟﻠﺪي، ﺑﺘﺎرﻳﺨﻬﺎ وﻓﺮادﺗﻬﺎ وﺗﻤﻴﺰﻫﺎ وﺳﺤﺮ ﻧﻴﻠﻬﺎ وﻋﺎداﺗﻬﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ وأﻋﻴﺎدﻫﺎ.. ﻓﺎﻟﺒﻌﺎد ﻳﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻮﻃﻦ، واﻟﻐُﺮﺑﺔ ﺗﺸﺪ داﺋﻤًﺎ ﻋِﻨﺎن َ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻸﻫﻞ واﻷﺻﺤﺎب.

ﻟﺒﻨﺎن، ﻛﺎن اﻟﻐُﺮﺑﺔ اﻷوﻟﻰ، وﻋﺸﻘﻲ. ﻫﻮ ﻛﺎن ﻟﻠﻤﺸﺮق ﺣﺮﻳﺔ؛ ﺻﺤﺎﻓﺔ؛ ﻣﺮﻓﺄ ﻣﻔﺘﻮﺣًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻣﺪرﺳﺔ وﺟﺎﻣﻌﺔ وﻣﺴﺘﺸﻔﻰ وﺛﻘﺎﻓﺔ وﻣﻄﺒﻌﺔ وﻛﺘﺒًﺎ وﻣﻜﺘﺒﺎت وﺳﻴﺎﺣﺔ وﺟﺴﺮًا ﻣﻤﺪودًا ﻟﻠﻌﺮب ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮب، وﻟﻠﻐﺮب ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺮب.

ﺑﻴﺮوت، اﻟﺘﻲ »ﺗﺮﻃُﻦ« ﺑﻜﻞ ﻟﻐﺎت اﻷرض، أﻋﻄﺘﻨﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ وﺣﺒﻬﺎ ﻛﻠﻪ، وﺑﺎدﻟﺘﻬﺎ اﻟﻌﺸﻖ واﻟﻮَﻟَﻪ. أﻋﻄﺘﻨﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﻦ وﺛﻘﺎﻓﺔ وإﺑﺪاع.. ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻲ أﺑﻮاب اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺘﻨﻘﻠﺖ ﺑﻴﻨﻬﺎ، وﻣﺎرﺳﺖ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ.

وﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﻻ ﻗﻤﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﺧﻄﻔﻮا ﻟﺒﻨﺎن، وذﺑﺤﻮا ﺑﻴﺮوت ﻣﻦ اﻟﻮرﻳﺪ إﻟﻰ اﻟﻮرﻳﺪ، وﻣﺸﻰ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع، ﻋرج ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻮت اﻟﻨﺎس اﻵﻣﻨﻴﻦ، دق ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻮاب ﺑﻘﺴﺎوة.

ﻋﺸﺖ ﺣﺮب اﻟﺴﻨﺘﻴﻦ ﺑﺮﻋﺒﻬﺎ وﻣﺮاراﺗﻬﺎ، أﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ ﻻ أﻋﺮف إن ﻛﻨﺖ ﺳﺄرﺟﻊ إﻟﻴﻪ، أﻣﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺪى ﻣﺎ ﻛﺎن ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺷﺮﻳﻒ اﻷﺧﻮي ﻳﺮﺷﺪ اﻟﻨﺎس إﻟﻴﻪ ﻋﺒﺮ إذاﻋﺔ ﻟﺒﻨﺎن، ﻓﻴﺪﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻮارع اﻵﻣﻨﺔ واﻟﺴﺎﻟﻜﺔ، ﻓﻼ ﻗﺼﻒ وﻻ ﺧﻄﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮﻳﺔ!

وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﻒ، واﻟﺨﻄﻒ، واﻟﻘﺘﻞ، ﻓﺈن ﺑﻴﺮوت ﻇﻠﺖ ﺗﻌﺎﻧﺪ اﻟﻤﻮت.. وﻗﺪ ﻳﻔﺠﺆك أن أﺣﺪث اﻷﻓﻼم اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ واﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻷﻳﺎم، ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻌﺮض ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺮوﺗﻴﻦ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ واﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، واﻷﻣﺴﻴﺎت اﻟﺴﺎﻫﺮة ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ، ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎرح، وﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب ﺗﺠﺪ ﻛﻞ ﺷﻲءٍ ﺗﻄﻠﺒﻪ وﻳﻄﺮق ﺑﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﺳﻠﻊ اﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ وأزﻳﺎء ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﺎت اﻷزﻳﺎء اﻟﺒﺎرﻳﺴﻴﺔ واﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺎت اﻷﺧﺮى..

وﺣﺪث أﻧﻨﻲ أُرﻏﻤﺖ – ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺿﻞ ﺻﺎروخ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻓﺎﻗﺘﺤﻢ ﺑﻴﺘﻲ – ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺣﻴﻞ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮة.. رﺣﻠﻨﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺤﺮ؛ ﻷن ﻣﻄﺎر ﺑﻴﺮوت اﻟﺪوﻟﻲ ﻛﺎن ﻣﻘﻔﻼ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻘﺼﻒ واﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻪ.. ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻣﺨﻴﻔﺔ وﻣﺮﻋﺒﺔ وﻣﻀﻨﻴﺔ ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ.

ﻏﺎدرت ﻟﺒﻨﺎن، اﻟﺬي ﻋﺸﻘﺖ، وﺗﺮﻛﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻨﺪه، وﻫﻮ لم ﻳﺰل ذﻛﺮى، وذاﻛﺮة، وأﺣﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﻮار اﻟﻌﻤﺮ.

ﻟﻜﻦ اﻟﻐﺮﺑﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪِ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻏﺮﺑﺘﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ، وﻟﻬﺎ ﻗﺼﺔ أﺧﺮى.

ﻣﺎ أﺳﻌﺪﻧﻲ ﺑﻪ اﻟﺤﻆ، أﻧﻨﻲ ﻋﺸﺖ أﻳﺎﻣًﺎ ﻣﺘﻄﺎوﻟﺔ، ﻓﻲ ﺻﺪاﻗﺔ ورﻓﻘﺔ وزﻣﺎﻟﺔ ﺻﺤﻔﻴﻴﻦ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﻴﻦ، ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛُﺘﺐ ﻟﻬﻢ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ واﻟﻨﺠﺎح ﻓﻲ ﻣﻀﻄﺮب اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أدﺑﺎء وﺷﻌﺮاء ﻋﻠﻘﻮا أﺷﻌﺎرﻫﻢ ﻓﻲ ذواﻛﺮ اﻟﻨﺎس، وﻓﻨﺎﻧﻴﻦ ﻣﺴﺮﺣﻴﻴﻦ أﺑﺪﻋﻮا وأﺛﺮوا اﻟﻤﺴﺮح ﺑﻌﻄﺎءاﺗﻬﻢ .

وﺣﺴﺒﻲ، ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، أن ﻳﺠﺪ ﻣَﻦ ﻳﻘﻠﺐ ﻫﺬه الأوراق، اﻟﻠﺬة ﻓﻲ ﻗﺮاءة ﻓﺼﻮﻟﻬﺎ، ﻣﺎ وﺟﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ.. القصة والحكاية فى كتاب أوراق الغربة، الصادر من الدار المصرية اللبنانية.