د. أحمد عبد المنعم يكتب: العطاء المشروط بين الحاجة والحرية
كبرت، وكبر معك ذلك الإحساس الدفين بأنك مطالب دائمًا بأن تعطي. أن تقدم دون تردد، أن تضحي دون تفكير، أن تضع الآخرين في المقدمة حتى يراك جديرًا بمكان بينهم.
لكن، هل تذكر كيف بدأ الأمر؟ كيف زُرعت تلك الفكرة بداخلك منذ الصغر؟ كيف امتدت جذورها في داخلك حتى غطّتك تمامًا؟
"أنا أساوي ما أقدمه". "عطائي هو ثمني للحصول على القبول".
وهكذا، ربطت بين العطاء والاستحقاق، بين الجهد والاحتواء، بين التضحية والحب. صرت تعطي ليس حبًا في العطاء ذاته، بل لأنك تخشى أن تُترك، أن تُرفض، أن تُحرم من القبول الذي تبحث عنه.
لكن، ماذا عن الآخرين؟ ليس الجميع يعطي بنفس القدر، وليس الجميع يرى العطاء كما تراه. أنت تبذل وتنتظر في المقابل، ولكنهم لا يشعرون بأنهم ملزمون بذلك.
وهنا، تبدأ الدائرة المغلقة...
تعطي أكثر، ظنًا منك أن المزيد من العطاء يعني المزيد من الحب والتقدير.
تنتظر التقدير، لكنك لا تحصل عليه دائمًا.
تشعر بالألم، فتضاعف العطاء أكثر.
تخشى الفقد، فتبذل مجهودًا أكبر لتثبت أنك تستحق البقاء.
ثم تأتي الصدمة.. عندما يبتعد شخص كنت قد منحته كل شيء.
وحينها، تسأل نفسك بحسرة: "كيف يرحل بعد كل ما قدمته له؟".
لكن الحقيقة أن العطاء لم يكن المشكلة، بل الربط اللاواعي بينه وبين استحقاقك للحب والتقدير. كنت تعطي وأنت تخشى، لا وأنت حر. كنت تمنح وأنت تنتظر، لا وأنت مكتفٍ.
كيف تتحرر من العطاء المشروط؟
افصل بين العطاء والتقدير: ليس كل عطاء يقابله امتنان، وليس كل امتنان يدوم. العطاء الحقيقي لا ينتظر مقابلًا. امنح وأنت ممتلئ، لا وأنت فارغ: اسأل نفسك قبل أن تعطي: هل أفعل هذا لأنني أريد، أم لأنني أخاف؟ تقبل أن العلاقات لا تُقاس بالمعادلات: لا تتوقع أن يكون الجميع مثلك في العطاء، فلكل شخص طريقته المختلفة في التعبير عن اهتمامه. تعلم أن تقدر نفسك دون انتظار تأكيد من الآخرين: قيمتك ليست فيما تقدمه، بل في وجودك ذاته.
العطاء حين يكون نابعًا من الحرية، يكون متعة... لكن حين يكون مشروطًا بالقبول، يصبح قيدًا.



