سماء زيدان تكتب: الضوء في نهاية النفق.. وهم جميل!
اعتدنا أن نسمع هذه الجملة كلما ضاقت بنا الحياة، وكأنها طوق نجاة يُلقى إلينا لنتمسك به وسط العتمة. "هناك ضوء في نهاية النفق"، عبارة توحي بأن النفق له نهاية معلومة، وأن الضوء موجود، ينتظرنا حتى نصل إليه. هو كل غاية نسعى لتحقيقها، لكنها في الحقيقة فكرة مغلوطة، أو لنقل إنها نصف الحقيقة.
في الواقع، لا أحد يرى الضوء في نهاية النفق المظلم. نحن نمضي في الظلام، خطوة بخطوة، دون أي يقين بأن هناك ضوءًا في انتظارنا. نظل نتخبط، نخوض معاركنا، نسقط وننهض، النفق طويل، ومتعرج، وأحيانًا نكل ونتعب وتجرح أقدامنا لكننا لا نملك إلا أن نستمر في السير.
الضوء إن كان موجودًا، فهو ليس وعدًا مضمونًا، ولا مكافأة تلقائية لمن اجتاز الظلمة. نحن الذين نصنع الضوء. أحيانًا نجد بابًا جانبيًا في النفق يقودنا إلى الخارج، وأحيانًا نشعل عود ثقاب في ظلامنا فنعرف الطريق، وأحيانًا يكون الضوء هو مجرد إدراكنا أننا لم نعد نخاف من العتمة كما كنا.
الوهم الحقيقي هو انتظار النور وكأنه حقيقة مسلم بها، وكأن الحياة تضمن لنا نهاية مشرقة لمجرد أننا صبرنا. النور لا يُنتظر، النور يُخلق. النفق لن ينتهي إلا إذا قررنا أن نصنع لأنفسنا مخرجًا، وإن لم نجد الضوء في نهايته. لكن لماذا نحن بحاجة إلى هذا الوهم؟ لأن الأمل ضرورة للبقاء. نحن كائنات هشَّة، نخاف العتمة، نخشى التيه، ونحتاج إلى أن نصدق أن هناك خلاصًا ما، مهما بدا بعيدًا. ربما لهذا السبب اخترع البشر القصص والأساطير التي تتحدث عن الخلاص بعد الألم، وعن الجائزة للفائزين . نحن لا نعيش فقط بالمنطق والحقائق، بل نحتاج أيضًا إلى المشاعر والأحلام الجميلة التي تجمل الواقع وتعدنا بالمزيد وتدفعنا إلى الأمام.
لا شيء أكثر إغراءً من فكرة أن المرء قادر على أن يكون سيد حياته، أن يخط مساره بنفسه، أن يقرر كيف يسير وإلى أين يصل، لكن الحياة ليست رواية تُكتب بسلاسة، بل ساحة معركة لا يُكافأ فيها الحالمون. الضوء ليس هبةً تُمنح لمجرد أننا تحملنا الألم، بل هو شيء نصنعه بأيدينا. الإنسان الذي يبقى في النفق منتظرًا النور قد يموت دون أن يراه، بينما الذي يبحث عن طريق آخر للخروج، أو يشعل ناره الخاصة، هو من ينجو.
الضوء في نهاية النفق ليس وعدًا، بل خيار. قد يكون وهمًا جميلاً نحتمي به، لكنه يظل وهمًا إذا لم نقم بأي خطوة تجاه خلقه. الحياة ليست عادلة بما يكفي لتكافئ الصابرين، لكنها تمنح الفرص لمن يبحث عنها، ولمن يملك الشجاعة ليخلق نوره الخاص وسط العتمة.



