السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أحمد الجمال يكتب: الحلقة الثالثة: أبو بكر بن وحشية.. البطل المجهول في فك رموز حجر رشيد

أحمد الجمال
أحمد الجمال

"إن سبعة آلاف سنة من الحضارة تنظر إليكم".. من أقوال نابليون لجنوده في معركة الأهرام.

 تفخر الأمم والحضارات بعلمائها ونجبائها، وتتبارى البلدان بالاعتزاز بأبنائها البررة الذين نبتوا على أرضها، ثم أضحوا مشاعلاً تضيئ الطريق نحو مستقبل أمتهم، ولطالما زخرت حضارتنا الإسلامية الغراء بفطاحل العلماء الذين دانت لهم علوم الأرض بأسرها، واليوم وعبر هذه السطول، يسعدني عزيزي القارئ أن نقلب معاً صفحات التاريخ لنقف على سيرة أحد عظماء الحضارة العربية الإسلامية وهو العالم"أبو بكر بن وحشية".             

             قبل شامبليون بنحو 9 قرون، استطاع عالم مسلم فك رموز الهيروغليفية باعتراف أحد أشهر المستشرقين الأوروبيين الذي قام بترجمة كتابه الذي يتناول اللغة المصرية القديمة، هذا العالم اللغوي المسلم هو ابن وحشية النبطي الذي عاش في القرن الثالث هجري.ابن وحشية النبطي.

         عالم مسلم فك رموز اللغة الهيروغليفيةاسمه الكامل هو أحمد بن علي بن قيس بن المختار بن عبد الكريم بن حرثيا، أبو بكر، ويعرف بابن وحشية، لا يُعرف تاريخ ميلاده ولكن بعض المؤرخين ذكروا أنه وُلد بقرية "قسين" قرب مدينة الكوفة القديمة بالعراق، وعاش خلال العصر العباسي، وتوفي بعد سنة 291 هجرية، الموافق لـ914 ميلادية، وذلك بحسب ما جاء في "موسوعة التراجم" العربية.برع ابن وحشية في العديد من المجالات العلمية كالكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلك والزراعة، كما تعمق في دراسة الأديان واللغات القديمة، وترك ابن وحشية حوالي 50 مؤلفاً، ذكرها المؤرخ ابن النديم محمد بن إسحاق المعتزلي في كتابه الشهير "كتاب الفهرست". ومن أشهر تلك المؤلفات "كتاب الفلاحة النبطية" الذي هو ترجمة لتعاليم زراعية لسكان العراق القدماء، والذي أثر كثيراً في مجال الزراعة وتقنيات الري في عصره، بحيث وصف فيه المئات من الأعشاب الجديدة وبيّن البيئة المثالية التي يجب أن تعيش فيها.         كذلك ألَّف ابن وحشية أيضاً مخطوطاً هاماً في الترجمة واللغات القديمة بعنوان "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام"، وهو مصنف احتوى على مقارنة بين العربية و89 لغة قديمة منها اللغة الهيروغليفية، والذي يوضح من خلاله أنّ لغة مصر القديمة ما هي إلّا رموز صوتية، فقام هو بتحليلها وتصنيفها.مستشرق نمساوي وراء اكتشاف مخطوطة ابن وحشية لم نكن هذه المخطوطة معروفة قبل أن يكتشفه المستشرق النمساوي جوزيف فون هامر-برجشتال الذي قام بنشره على شكل كتاب بلندن في سنة 1806 مع نسخة مترجمة إلى اللغة الإنجليزية في العام نفسه.            يقول ابن وحشية في مقدمة كتابه الموجزة، كما وردت في النص الأصلي: "الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.. آمين. وبعد: فإنه لما سلى من لا ترد دعوته إذا جمع له أصول الأقلام، التي تداولتها الأمم الماضية من الفضلاء والحكماء السالفين، والفلاسفة العارفين مما رمزوا بها كتبهم وعلومهم؛ لينتفع به الطالبون والراغبون للعلوم الحكمية. والأسرار الربانية ذاكراً القلم برسمه القديم. واسمه المشهور، وشرح حروفه بالقلم العربي تحته بالمداد الأحمر. ليمتاز عن الآخر. ورتبته على أبواب وسميته شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام.. وبالله المستعان". أما المستشرق همر، قد أشار في نص مقدمته للنسخة الإنجليزية، "إنّ الكتاب يفترض من عنوانه بالعربية أنه لا يحوي سوى بيان الأبجديات المجهولة، فإنه يقدم إلى جانب هذا مفتاحاً للرموز الهيروغليفية، كما يقدم في نفس الفصل بياناً طريفاً عن طبقات الكهنة المصريين المختلفة وطقوسهم وقرابينهم".كما نشر المستشرق الفرنسي أنطوان إيزاك سِلفستر دو ساسي في سنة 1810 بباريس دراسة عن كتاب ابن وحشية، بعدما وصلته نسخته العربية، وذلك دون الحاجة للنسخة الإنجليزية بحكم أنه كان أستاذاً للغة العربية منذ العام 1795 بمعهد اللغات الشرقية بباريس.وقد كان جان فرانسوا شامبليون أحد تلاميذ أنطوان دو ساسي في اللغة العربية أثناء فترة دراسته بباريس (1807 إلى 1809)، ولذلك وعلى الرغم من أنه لم يكن متواجداً بالعاصمة الفرنسية أثناء صدور تلك الدراسة، من طرف أستاذه، حول كتاب "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام"، فإنّه يكون قد اطلع عليها مثلما يكون قد اطلع أيضاً على الكتاب بنسخيته العربية والإنجليزية؛ لكونه باحثاً شغوفاً بالحضارات الشرقية وبالخصوص المصرية القديمة."حجر رشيد" بداية فك شامبليون لرموز الهيروغليفيةوُلد الفرنسي جان فرانسوا شامبليون يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 1790، أي بعد نحو 9 قرون من ابن وحشية، وكبر ونشأ وسط الكتب، بحكم أنّ والده كان يملك محلاً لبيع الكتب، ما جعله يتعلم القراءة بمفرده في سن الخامسة من عمره، دون الحاجة للذهاب إلى المدرسة.

     كان شامبليون شغوفاً بتعلم اللغات الأجنبية منذ صغره، فسافر، لما بلغ من العمر 11 عاماً، إلى مدينة غرونوبل الفرنسية، حيث تكفل به شقيقه الأكبر جاك جوزيف، وتفرغ لدراسة اللاتينية واليونانية والعبرية والقبطية، ثم انتقل إلى باريس التي استقر بها من 1807 إلى 1809 لتعلم دروس في العربية والفارسية والسنسكريتية، بحسب ما جاء في الموسوعة الفرنسية La Rousse. كما استغل شامبليون فترة تواجده بباريس لمحاولة فك الرموز المنقوشة على نسخة "حجر رشيد" الذي كان سبباً في تعمقه في دراسة العلوم المصرية.  و"حجر رشيد" هو نصب من حجر الديوريت البركانية، بارتفاع 114 سنتيمتراً وبعرض 72 سنتيمتراً، مع مرسوم صدر في مدينة منف المصرية، في العام 196 قبل الميلاد نيابةً عن الملك بطليموس الخامس؛ حيث يظهر المرسوم في ثلاثة نصوص: النص العلوي باللغة الهيروغليفية، والجزء الأوسط بالهيراطيقية، والجزء الأدنى باليونانية القديمة. وقد تم اكتشافه في "حصن رشيد"، على بُعد 70 كلم شرق مدينة الإسكندرية، في سنة 1799 على يد جندي فرنسي يدعى بيير فرانسوا بوشار خلال حملة نابليون بونابرت على مصر التي بدأت في 1798 وانتهت في 1801.

      ودائماً وأبداً.. سنحيا بالأمل في الله.. سنحيا بالعلم.. سنحيا بالكفاح.. سنحيا بالتسامح.. سنحيا بالإبتسامة الجميلة.

 

تم نسخ الرابط