عاجل
الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الخيال والذكاء الاصطناعي.. عن الروبوت والفنون الدرامية

الخيال والذكاء الاصطناعي.. عن الروبوت والفنون الدرامية

طالعتنا الأخبار المثيرة للدهشة وبالضرورة للتأمل والإلهام في العشرين من أبريل الجاري 2025 بمشهد سباق جري، نصف ماراثون للروبوتات مع العدائين البشر، وذلك في العاصمة الصينية بكين، وفيه حدثت منافسة شارك فيها عشرون ربوتاً وأكثر، وهم من نوع الروبوت ثنائي القدمين، مع أثنتا عشر متنافساً بشرياً، للجري لمسافة إحدى وعشرين كيلومتراً.



 

وقد انتصر البشر في السباق، ولكن وبعيداً عن المشهد الرياضي الواقعي المشحون بخيال وتكنولوجيا متطورة، وما يحمله من آفاق قادمة للإنسان الآلي وقدراته، تذكرت تلك الرغبة الجامحة في صنع دمي متحركة تشبه الإنسان لكنها لا تحمل إرادته.

وعلى حين غرة قفز إلى عقلي من عمق الذاكرة المخرج الإنجليزي الشهير إدوارد جوردون كريج، (1872: 1966) وهو مخرج ومصمم مناظر وكاتب وصاحب رؤى نقدية، وهو المخرج الذي غير عناصر العرض المسرحي الحديث تغييراً جذرياً.

وبعيداً عن دوره الإبداعي الكبير في عالم المسرح، إلا أن ما جاء به إلى ذاكرتي هي أبرز أفكاره العملية والتي نفذها بالفعل وهي عن علاقة الممثل البشري بالدمية.

إذ ذهب كريج إلى أن الدمية هي الشاعر الملهم للمخرج في التعبير عن الأفكار والمشاعر التي يريدها، أكثر مـــــــن البشــــــــر الممثليــــــــن.

وقد فضل كريج في عالمه الدرامي الإبداعي الذي يحاكي الواقع الدمية، إذ أنه يستطيع السيطرة عليها أكثر من السيطرة على الممثل البشري.

بدأت هذه المسألة عند كريج بعد صدامات عدة بينه كمخرج وبين الممثلين في ضبط علاقة الحركة بالفراغ المسرحي وكافة عناصر العرض المسموعة المرئية، ثم إرتاح تماماً لأفضلية الدمي.

وقد ذهب كريج إلى استخدام الأقنعة والدمي والعرائس الماريونيت بدلاً من الممثلين وخاصة النجـــــــوم.

وقد كانت طريقة كريج تسعى للحد من غرور النجم في المسرح الإنجليزي والذي كان يتبختر متدللا، وكثيراً ما يخرج عن تعليمات المخرج، ولذلك ذهب كريج للدمي كي تكون الدمية أو الممثل البشري الذي يرتدي القناع وبالتالي يخفي الوجه البشري ليصبح دمية بشرية متحركة، هي المعبر الأمثل عن أفكاره ومشاعره كمخرج، وهكذا فكر المخرج المبدع في الإنسان الآلي البديل.

وقد كان جوردون كريج من أكثر المخرجين استبداداً في عمله، وقد كان هو ودوق ساكس مايننجن - أول مخرج بالمفهوم الحديث - نموذجين للاستبداد في الإخراج المسرحي، حيث كان الدوق يزج بالممثل إلى الحبس إذا ما خرج عن النص المتفق عليه، فقد كان مخرجـــــاً ودوقــــــاً حاكمـــــــــــــاً.

 

وجدير بالذكر أن فترة عمل جريج في إنجلترا وفرنسا وألمانيا قد حققت له شهرة كبرى، ولكن هذا الولع بالسيطرة جعله هو المخرج المفضل للديكتاتور النازي أدولف هتلر، إنه البحث عن الإنسان المطيع إلى أقصى حد.

ولكن بلا أدنى شك تبقى حيوية الممثل المبدع، والنجم صاحب الجاذبية هي سر حيوية المسرح والفنون التعبيريـــــــة الأخـــــــرى.

 

إن المخرج الإنجليزي كريج مصمم المناظر الأكثر تأثيراً في المشهد المسرحي المعاصر أثار اهتمام الجميع بكل تلك الرغبة في السيطرة، وهي سيطرة استهدفت تحقيق الصورة المسرحية الإبداعية، والتي كان يشعر أن الممثلين يفسدونها عندما لا يلتزموا بنسخة التدريبات النهائية في العرض أمام الجمهور.

 

 

أما ما يجعلني أعود إلى كريج فهو شعوري بمدى تشابه طريقه تفكيره مع تفكير المطورين التكنولوجيين في مجال الذكاء الاصطناعي، وهؤلاء الذين إبتكروا الإنسان الآلي وهو الأسم القديم للروبوت المعاصر، وهاهم يطورونه إلى حـــدود خياليــــة.

 

 

دعك من المخاوف المتزايدة والتي تحذر وفق المفاهيم الشعبية لأفلام الخيال العلمي المثير، والذي يصور عالما مستقبليا يتم فيه السيطرة علي البشر من الروبوت أو تلك الشخصيات المسيطرة القادرة علي نسج واقع جديد عبر مهارات التكنولوجيا وقدرات الذكاء الاصطناعي.

وهو تصور في ما أعتقد يعبر عن صياغة سينمائية شعبوية لمزج المهارات الاحترافية في أفلام الحركة الأمريكية، بتلك المخاوف الكابوسية عن نهاية العالم عبر تطور الروبوتات إلى حد السيطـــــرة علــــــــي البشــــــــــــــر.

 

 

إنها سلسلة أفلام تشبه سلسلة أفلام حرب الكواكب، والتي صورت البشرية في حالة حرب كوكبية مع غزو الفضائيين الذين لا نعرفهم، جاءت وستختفي.

فماذا إذن عن أفكار وأحلام العلماء حول الروبوت، وهل يأتي الوقت الذي يمكن المخرج المسرحي استخدام الروبوتات عبر الذكاء الاصطناعي لتقديم عرضا مسرحيا حيا؟

أعتقد أنها إتاحة ممكنة لم يحلم بها إدوار جورودن كريج.

فهل يحلم بها مخرج مسرحي معاصر، وهل يأتي اليوم الذي يذهب البشر لرؤية العروض المسرحية ويدفعون الثمن ليحصلوا علي التذاكر، كي يشاهدوا مجموعة من الروبوتات تشارك الممثلين الإبداع أو تنفرد به؟

إن مشهد الروبوتات وهي تشارك في هذا الماراثون المدهش يمنح الخيال الإبداعي استدعاء تلك الروبوتات إلي عالـــــم المســــــــرح.

لا شك أن التكنولوجيا ومسألة الذكاء الاصطناعي قد تم إدماجها في عالم الفنون التعبيرية في عالمنا المعاصر، وقد أضحي من الضروري الاهتمام الحقيقي بها في مصر وعالمنا العربي.

 

 

عالم مدهش وخلاق ومغاير قادم بلا شك بأحلام ملونة وليس بتلك الكوابيس المزعجة عن الصراع بين البشر والذكاء الاصطناعي، ذلك أن التكنولوجيا مهما تقدمت لا يمكنها أن تحمل مقدرة الخيال الإنساني المبدع، والذي إبتكرها بالتأكيد، إنه عالم يحلم فيه الفنانون ويحقق العلماء تلك الأحلام لتصبح واقعا حيا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز