عاجل
السبت 9 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

سفاحين الأسفلت

المهندس إيهاب محمود يكتب: دماء الطريق وفوضى النقل الخاص وروابط السائقين الخارجة عن السيطرة

المهندس إيهاب محمود
المهندس إيهاب محمود

في مشهد مأساوي يتكرر دون هوادة، امتزجت الدماء بالأسف على الطريق الإقليمي، عندما لفظت مجموعة من الفتيات الباحثات عن لقمة العيش أنفاسهن الأخيرة في حادث مروري مروّع، هو ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير ما لم تتحرك الدولة بصورة حاسمة وجذرية لإعادة هيكلة قطاع النقل الخاص الذي استشرى فيه الإهمال والتسيّب، بحسب ما أكده المهندس إيهاب محمود، الخبير الاقتصادي ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الجيل الديمقراطي بالإسكندرية.



 

 

ضحايا لقمة العيش.. والشارع المصري في حداد دائم

 

 

"لم يعد الطريق مكانًا للوصول، بل تحول إلى ساحة موت"، هكذا عبّر المهندس إيهاب محمود عن حزنه وغضبه بعد الحادث الأخير الذي راح ضحيته عدد من الفتيات البسيطات العاملات، واللواتي كن في طريقهن إلى العمل، يحملن الأمل رغم الظروف القاسية.

 

وأضاف قائلًا: "هذه الفتيات هن عنوان الشقاء والكرامة في آنٍ واحد. خرجن للعمل الشريف، ولم يعدن. هذه ليست مجرد حادثة مرور، بل جريمة متكررة تُرتكب كل يوم في ظل فوضى قطاع النقل الخاص، الذي تحول إلى قنبلة موقوتة تهدد حياة المصريين يوميًا".

 

قطاع نقل خاص بلا رقابة.. وسائقون بلا ضمير

 

 

وتابع المهندس إيهاب محمود: "القطاع الخاص في النقل فقد السيطرة منذ سنوات، لا توجد رقابة حقيقية على شركات النقل، ولا على من يتم توظيفهم كـسائقين. فالكثير من هؤلاء – للأسف – من أصحاب السوابق أو المدمنين، ممن يتعاطون المخدرات وهم على عجلة القيادة، ويقودون مركبات محمّلة بالبشر وكأنهم يقودون خردة لا تهمّ أحدًا".

 

وأكد أن هناك العديد من الحوادث التي كشفت عن سائقين ثبت تعاطيهم للمخدرات، أو تورطهم في مخالفات جسيمة، بل إن بعضهم من المسجلين خطر. "كيف يُترك أمر حياة المواطنين في أيدي هذه النوعية من البشر؟ هذا تهاون لا يغتفر".

بين انفلات الأسعار وغياب الرقابة: أزمة النقل تتجاوز الطرق إلى الموانئ وحركة السوق.

 

وفي سياق حديثه عن خطورة غياب الرقابة عن قطاع النقل، حذّر المهندس إيهاب محمود من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لرفع أسعار الوقود حتى وإن كانت بنسب طفيفة، كزيادة نصف جنيه أو جنيه على سعر لتر السولار أو البنزين، مؤكدًا أن تلك الزيادة – وإن بدت محدودة – تؤدي إلى قفزات جنونية في أسعار "موانين النقل" داخل الموانئ المصرية، تصل إلى أكثر من 30% في كثير من الأحيان، خاصة في موانئ مثل ميناء السخنة، وميناء الإسكندرية، ودمياط، وغيرها.

 

وأوضح أن المشكلة لا تكمن فقط في زيادة التكلفة، بل في وجود روابط غير رسمية لبعض السائقين العاملين في الموانئ والمناطق اللوجستية، وهي روابط لا تخضع فعليًا لأي رقابة من الدولة، وتتحكم في التسعير والتوقيتات وحتى الأولويات داخل منظومة النقل البحري والبري المرتبط بالموانئ.

 

وأضاف: "هذه الروابط تُمارس ضغوطًا على التجار والمستوردين، وتتسبب في تعطيل حركة الشحن، ورفع أسعار السلع المنقولة داخل السوق المحلية. وهذا الانفلات يُشكل عبئًا مباشرًا على المواطن البسيط، الذي يتحمل في النهاية كل زيادة غير مبررة، سواء في الغذاء أو الدواء أو السلع الأساسية".

 

ودعا المهندس إيهاب إلى إخضاع كل روابط النقل وسائقي الموانئ لنظام رقابي صارم وموحد على مستوى الجمهورية، لضمان الشفافية، وتفادي الاحتكار أو فرض رسوم عشوائية، قائلاً: "الاقتصاد لا يمكن أن يتنفس بشكل طبيعي بينما الموانئ مشلولة بفعل روابط خارجة عن القانون، وأسعار النقل تقفز بلا منطق، وسط غياب للرقابة والمحاسبة. إذا أردنا سوقًا منضبطًا واقتصادًا منتجًا، فعلينا أن نبدأ بضبط حركة النقل داخل الموانئ وعلى الطرق".

 

الحل يبدأ من الدولة.. والإصلاح لا بد أن يكون جذريًا

 

وطرح المهندس إيهاب رؤية واضحة للمعالجة، قائلاً: "لا يمكن أن نظل نتحسر بعد كل حادث. لا بد أن تتحرك الدولة لتحويل هذا القطاع بالكامل إلى مسؤولية حكومية أو شبه حكومية. يجب أن تخضع جميع شركات النقل الخاص لإشراف كامل من الدولة

ويقترح التالي:

قاعدة بيانات وطنية موحدة للسائقين، تتضمن بياناتهم الجنائية والطبية والمهنية.

تحاليل دورية إلزامية للكشف عن تعاطي المخدرات لكل سائق يعمل في النقل الجماعي أو التجاري.

كاميرات مراقبة ذكية داخل المركبات مرتبطة بغرفة عمليات مركزية لرصد أي سلوك خطر أو غير قانوني.

نظام تقييم مركزي للشركات والسائقين يحدد مدى الالتزام ويكشف المخالفات.

تشريعات حازمة تجرّم الإهمال أو توظيف غير المؤهلين، وتضع عقوبات رادعة على الشركات المتقاعسة.

 

النقل الجماعي والأمان الاجتماعي

 

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن تطوير النقل ليس فقط مسألة مرورية، بل قضية أمن اجتماعي واقتصادي. فالحوادث المرورية تُكلف الدولة مليارات الجنيهات سنويًا في شكل خسائر بشرية ومادية، كما تؤثر سلبًا على الإنتاج، وتزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي بين المواطنين.

 

وقال: "إن توفير وسائل نقل آمنة ومنظمة يخدم أهداف التنمية المستدامة التي تنادي بها الدولة، ويعكس وجه مصر الحضاري، ويصون حياة المواطنين، خاصة الفئات المهمشة التي تعتمد على المواصلات الخاصة الرخيصة رغم مخاطرها".

 

 

بين الإهمال والفساد.. لا حياة بدون مواجهة

 

 

واختتم المهندس إيهاب حديثه بتوجيه نداء عاجل إلى الجهات المعنية قائلاً: "هذه الفوضى في قطاع النقل الخاص لن تتوقف ما لم تواجهها الدولة بصرامة. يجب أن يتوقف هذا التواطؤ غير المعلن بين بعض الشركات والسائقين المخالفين، ويجب أن تتوقف المجاملات في منح التراخيص أو غض الطرف عن المخالفات. حياة المصريين أغلى من أي استثمار خاص لا يحترم قوانين الدولة".

 

وأضاف: "نحن نثق في أن القيادة السياسية لن تقف صامتة، وندعو لتشكيل لجنة برلمانية مشتركة تبدأ في سنّ قانون عاجل لضبط منظومة النقل الخاص ووضع نهاية لعشوائية الطرق".

كلمة أخيرة:

إن دماء فتيات لقمة العيش يجب أن تكون الشرارة لا الحكاية، بداية لمشروع وطني لإعادة الانضباط لطرقنا، وإعادة الكرامة والأمان للمواطن المصري، الذي أصبح يتنقل كل يوم بين الأمل والموت.

تسجيلي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز