

محمد جمال الدين
شهداء الواجب
لم تكتفِ حكومة مُجرم الحرب نتنياهو بما ترتكبه من جرائم إبادة وقتل وتجويع فى حق الشعب الفلسطينى الشقيق؛ بل امتد إجرامها إلى ارتكاب جرائم أخرى، حينما قام جنود جيشها بقتل واستهداف الصحفيين الذين يقومون بتغطية حرب غزة، متبعين فى ذلك أسلوبًا ومنهجًا متعمدًا؛ يهدف فى النهاية إلى إسكات الصوت الفلسطينى وحجب ما يتعرض له هذا الصوت إلى العالم؛ خاصة بعد أن وضعت هذه الحكومة النازية شروطا يستحيل تنفيذها لمنع وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة إلا نادرًا، مما يجعل المراسلين المَحليين خط الدفاع الأخير لنقل صورة الحرب وما يتعرض له المدنيون من أهل غزة.
وبالتالى أصبح هؤلاء الصحفيون صوتًا وشهود عيان على ما يتم من جرائم فى القطاع، لا بُدَّ من تكميمه وإذا لزم الأمر إسكاته إلى الأبد. لهذا فقدت الصحافة والإعلام أكثر من مائتى صحفى خلال أقل من عامين، وِفْق تقارير منظمات دولية مثل الاتحاد الدولى للصحفيين ولجنة حماية الصحفيين، معظم هؤلاء الضحايا للأسف فلسطينيون، يعملون فى مؤسَّسات محلية ودولية، الغالبية العظمى منهم سقطوا داخل منازلهم وفى أحضان عائلاتهم، مما يعنى أن هناك استهدافًا متعمدًا لهم بهدف منع ظهور صوتهم إلى العلن.
والبعض الآخر منهم تم استهدافهم أثناء أداء عملهم، الذي يكفل لهم وفق القوانين والمواثيق الدولية عدم التعرض لهم، ويجعل من حرب غزة أخطر مكان فى العالم على مهنة الصحافة والصحفيين.
فأرقام وأعداد ضحايا هذه الحرب تتزايد يومًا بعد يوم، بعد أن كانوا ناقلين للأحداث أصبحوا ضحايا، وبعضهم بث لحظاته الأخيرة عبر الهواء أو على وسائل التواصل الاجتماعى، مثل الشهيد أنس الشريف مراسل قناة الجزيرة، الذي كتب قبل استشهاده عبر منصة إكس (هذه وصيتى ورسالتي الأخيرة، إن وصلَتكم كلماتى هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت فى قتلى وإسكات صوتى، عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هى، بلا تزوير أو تحريف)، وصية «أنس» أو كلماته البسيطة، تؤكد أن التغطية الصحفية الكاشفة لحرب الإدانة المستمرة فى قطاع غزة، سوف تستمر ولن تنتهى باستشهاده داخل خيمة كان يتواجد فيها بالقرب من بوابة المستشفى، مع زميله فى القناة محمد قريقع، إضافة إلى المصورين إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة، وسائق الطاقم محمد نوفل، إضافة إلى إصابة الصحفى محمد صبح، الذي يعمل فى وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
هذا الاستهداف المتعمد الذي أقر به الجيش الإسرائيلى تحت حُجَج ومزاعم واهية بأن «أنس» كان قياديًا فى حركة حماس، وأنه كان يتظاهر بأنه صحفى كذّبته شبكة الجزيرة الإخبارية ونددت بحادثة اغتيال أنس وزملائه؛ خاصة أنها ليست المرة الأولى أو الأخيرة التي تغتال فيها القوات الإسرائيلية رجال الصحافة والإعلام، فهناك إسماعيل الغول وحمزة الدحدوح وأحمد اللوح ومن قبلهم شيرين أبو عاقلة التي اغتيلت برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء تغطيتها لاقتحام هذه القوات مخيم جنين.
اغتيالات عديدة ومستمرة وليس هناك من سبيل لإيقافها رغم الإدانات الدولية والتحذيرات المتواصلة من التعرض للصحفيين، لكن لا حياة لمن تنادى، فعصابة مجرم الحرب مستمرة فى غيها وعدوانها؛ طالما ليس هناك مَن يحاسبها أو يفرض عليها إنهاء جرائمها، لدرجة وصل معها الأمر إلى أن داعمها الأكبر فرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت قرارًا تؤكد فيه أن رئيس وزراء هذه العصابة ووزير دفاعه السابق يُعَدّان مجرمَىّ حرب عن جدارة واستحقاق؛ بل إن نفس الداعم أصدر قرارات بمنع هؤلاء القضاة من دخول أراضيه، فقط لمجرد صدور قرار إدانة فى حق البعض من هؤلاء المجرمين.
الأمر المضحك والذي يُبكى فى الوقت ذاته؛ عمّا يحدث من جراء هذه الجرائم، تمثل فى رد تلك الحكومة المجرمة حين قالت إن الصحفيين الذين طالهم القتل المتعمد يدفعون ثمَن قربهم من مواقع قوات حركة حماس، وهو التبرير الذي رفضته جميع المؤسّسات الصحافية العالمية، التي رأت أن ما يجرى من جرائم ترتكب فى حق الصحفيين يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى الإنسانى، الذي يضمن لهم الحماية فى مناطق النزاع المسلحة. بالطبع الرد أو التبرير الإسرائيلى لم يتعرض لعمليات القصف الممنهج التي تتم على رجال الصحافة والإعلام فى منازلهم التي تقصف ليلاً.
ورغم كل هذا التعنت والجبروت والجرم الواضح لكل ذى عين وضمير؛ ستظل دماء الصحفيين الذين استشهدوا فى حرب غزة؛ شاهدًا على أن الحقيقة يستحيل طمسها.
نقلا عن مجلة روزاليوسف