الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

أعود لأكتب فى التغيرات الإنسانية التي نراها بفجاجة من حولنا ولا نريد الصمت حتى يتحول اللامعقول من كثرة تكراره إلى العادى!

لماذا تغيّرت العلاقات الإنسانية؟ 

كلما نظرنا إلى ما يحدث اليوم فى العلاقات الإنسانية من برود وخيانة وجفاء، نسأل أنفسنا:هل تغيّر الإنسان فعلاً؟ هل اختلفت طبيعته؟ أم أن الإنسان لم يتغيّر، بل الزمن فقط سحب من فوقه غطاء المجاملة والخوف، فظهر على حقيقته؟

هل كانت القيم القديمة حقيقية؟ أم كانت فقط ضرورة اجتماعية فرضها الخوف من كلام الناس أو قسوة الظروف؟ هذا السؤال ليس مجرد فلسفة... بل هو مفتاح لفهم ما نحن فيه.

أولاً: الإنسان كائن قابل للتشكّل، فهو لا يولد نقيًا بالكامل ولا شريرًا بالكامل. بل يولد صفحة مفتوحة، تتشكل ملامحها بفعل التربية، والبيئة، والضغوط، والفرص، والمجتمع.

فى الماضي، كانت هناك أنظمة أسرية صارمة، وتقاليد راسخة، ومجتمع يراقب الفرد فى كل لحظة. كانت السمعة كل شىء، وكان الانحراف عن القيم يُقابل بعقاب اجتماعى حاسم، هذا لا يعنى أن البشر كانوا ملائكة، بل أن مساحة الخطأ كانت أصغر، والرقابة -سواء خارجية أو داخلية- أقوى.

أما اليوم، فقد ضعفت القبضة الاجتماعية، وتفككت بعض أنسجة الأسرة، وسادت الفردانية، وظهرت أدوات جديدة تمنح الإنسان مساحة من الحرية لم يكن يحلم بها قديمًا. ومع هذه الحرية، خرج من داخله ما لم يكن يظهر من قبل.

ثانيًا: التكنولوجيا كشفت ولم تُنشئ، وسائل التواصل الاجتماعى، مثلاً، لم تخلق الغرور ولا التفاخر ولا السطحية.

لكنها أظهرتها، وكشفتها، وسلّطت عليهما الضوء، قبل ظهورها، كانت مشاعر مثل الحسد أو النرجسية موجودة، لكنها كانت مكبوتة أو مغلّفة بالحياء.

أما اليوم، فقد أصبح التعبير عنها سهلاً وسريعًا ومقبولًا أحيانًا. وهكذا، بدأ الوجه الآخر للبشر يظهر أكثر من أى وقت مضى.

ثالثًا: المال والسلطة يغيّران... أو يفضحان، هناك من يقول: «الفلوس تغيّر الناس». لكن الحقيقة الأعمق: المال لا يُغيّرك، بل يكشفك، الإنسان الذي يصبح غنيًا ويتحوّل إلى متكبّر، لم يصبح متكبّرًا فجأة، بل كانت فيه البذرة منذ البداية، لكن لم يكن عنده ما يُغذّيها، السلطة كذلك لا تصنع الطغاة من العدم، لكنها فقط تكشف من كان يحمل فى داخله ميلاً للسيطرة والجبروت.

رابعًا: ضغط الحياة يعرى الإنسان، فى لحظات الشدة، تظهر معادن البشر. فإما يلمع الذهب، أو ينكشف الزيف.

الكثير من الناس -تحت ضغط الفقر، أو المرض، أو الخوف- يتغيّرون، أحيانًا نحو الأسوأ، لكن ذلك التغيّر غالبًا ليس اختراعًا، بل هو «تعرى» لما فى الداخل.

خامسًا: القيم ليست فطرية دائمًا... بل تُكتسب وتُربّى، الصدق، والإخلاص، والعطاء، كلها قيم تحتاج إلى تربية مستمرة، حين تُهمل الأسرة هذه التربية، وحين يغيب المعلم القدوة، وتنهار صورة رجل الدين الصادق، ويخفت صوت الضمير العام، يصبح الإنسان أكثر عرضة للسقوط.

إذًا، المشكلة ليست أن الإنسان تغيّر، بل أن «الدرع» الذي كان يحميه من السقوط... تهشّم.

إذًا، هل الإنسان سيئ بطبعه؟، لا، لكنه قابل للانحراف حين تتوفر له الفرصة، وتنعدم الضوابط.

وفى المقابل، الإنسان أيضًا قادر على النبل، والعطاء، والوفاء، والتضحية، متى وُجد من يُلهمه، ومن يُربّيه، ومن يُسانده، فالطبيعة البشرية ليست شريرة بالكامل، لكنها هشّة، تحتاج إلى التوجيه، وقليل من الحب.

الخلاصة: لم يتغيّر الإنسان بقدر ما تغيّرت الظروف التي تكشفه، فى كل زمن، وُجد الخائن والوفى، الأنانى والكريم، الجبان والشجاع.

لكن فى زماننا، سقطت الأقنعة أسرع، وضعُفت الضوابط أكثر، وتجرّأ البعض على ما كان يخجل منه قديمًا. لذا، لا تيأس من الناس، بل كن أنت البداية، الإنسان الذي لا يتغيّر بالزمن، بل يُغيّر ما حوله بثباته وقيمه.  

 

 أخر ما خطه قلمه في العدد الأخير من مجلة صباح الخير

تم نسخ الرابط