عاجل
الخميس 23 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
شرم الشيخ.. الطريق إلى حل الدولتين!‏
بقلم
نبيل عمر

شرم الشيخ.. الطريق إلى حل الدولتين!‏

 لا يمكن أن ينكر أحد دور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى وقف حرب الإبادة التي يشنها ‏الجيش الإسرائيلى على فلسطينيى غزة، بشرا وحيوانا ونباتا وجمادا، لكننا نحتار هل هو وقف ‏نهائى أم مجرد هدنة، والحيرة عادية والشك له جذور نابعة من ألاعيب معتادة من الحكومة ‏الإسرائيلية ولها تاريخ فى المماطلة والتسويف وانتهاك الأعراف والقوانين، يساندها اليمين ‏الدينى المتطرف الذي يحكم قبضته على المزاج العام الإسرائيلي، وتحركه شهوة القوة ‏والتوسع! ‏



 

 

قد تكون هذه أول مرة منذ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية يضغط فيها رئيس أمريكى ‏على إسرائيل، ويدس فى فمها «طعاما» لا يقبله العقل السياسى الصهيوني، ويجبرها على ‏بلعه، إذا كانت التصورات الشائعة المعلقة دوما فى سماء العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: من ‏يحكم من.. واشنطن أم تل أبيب؟، وهى تساؤلات تبدو عديمة المنطق، فكيف لدولة فى حجم ‏النملة أن تتحكم فى علاقات إمبراطورية عظمى مع دول حليفة وصديقة فى الشرق الأوسط ‏؟، لكن السؤال له وجاهة أو بروز كالدمل فى جسد الأمة الأمريكية، هو سطوة جماعات ‏الضغط الصهيونية وتأثيرها فى مراكز صناعة القرار الأمريكي؟، الكونجرس بمجلسيه ‏الشيوخ والنواب، مؤسسات الإعلام المرئى والمقروء والمسموع، صناعة الترفيه: الموسيقى ‏والغناء والسينما والمسرح والدراما، والأخطر فى البنتاجون ولهذه الجماعات اتصالات عميقة ‏ذات مصالح مع كبار القادة فى المؤسسة العسكرية الأمريكية، وبالتالى لها دور واضح فمن ‏يصل إلى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض!‏

ويبدو أن اللوبى الصهيونى (اليهودى والمسيحي) فى واشنطن كان عنصرا فاعلا فى «تعديل» ‏موقف دونالد ترامب وإطلاق يده فى الضغط على بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ‏ليبتلع خطة إنهاء الحرب فى غزة، على عكس رغبته التي أعلنها فى تصريحات وحوارات ‏ومواقف طيلة عامين، وبالطبع كان وراء الاستقبال الحافل لترامب فى الكنيست.. فاللوبى ‏الصهيونى الأمريكى له وجود ملحوظ فى صناعة القرار فى إسرائيل بما يقدمه من دعم ‏هائل لها.‏

وإذا راجعنا بيان منظمة إيباك، أقوى جماعة ضغط إسرائيلى فى واشنطن يمكن أن نفهم ‏‏«بعضا» من أسباب قبول خطة ترامب «للسلام» فى غزة بسهولة، وبالمناسبة الإعلام ‏الإسرائيلى أكثر واقعية فى تسميتها «خطة ترامب لوقف إطلاق النار».‏

يقول البيان فى سطوره الأولى، وقد صدر يوم 29 سبتمبر، بعد دقائق من إعلان الرئيس ‏ترامب عن خطته للسلام فى غزة، وقبل أن يصدر أى رد فعل من حماس بأربعة أيام: إنها ‏لحظة استثنائية بالنسبة لأمريكا وإسرائيل والعالم، إن الشراكة الدائمة بين الولايات المتحدة ‏وحليفتنا إسرائيل على مدى العامين الماضيين مكنت من تحقيق هذا الاختراق الدبلوماسى ‏والتوصل إلى نهاية عادلة للحرب الرهيبة التي بدأتها حماس فى السابع من أكتوبر: تحرير ‏الرهائن، ونزع سلاح حماس، وإزالة الجماعة الإرهابية من السلطة فى غزة، إن اتفاق السلام ‏هذا يخلق فرصة هائلة لبناء مستقبل أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين والشعوب فى مختلف ‏أنحاء الشرق الأوسط.‏

وتشيد إيباك بالرئيس ترامب وفريقه المفاوض على هذا الإنجاز الهائل وعلى العمل مع ‏إسرائيل للتوسط فى خطة السلام هذه، ونحن نقدر بشدة الوضوح الأخلاقى والدعم الثابت من ‏الأغلبية الساحقة من أعضاء الكونجرس، الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، الذين ‏وقفوا إلى جانب الدولة اليهودية طوال هذه الحرب وضمنوا حصول إسرائيل على الموارد ‏التي تحتاجها لتحقيق أهدافها ضد حماس.‏

ويخيل لى أن ردود فعل الرئيس الأمريكى على خطته ونجاح مرحلتها الأولى مبالغ فيه جدا، ‏ويتجاوز «حقائق» المشكلة على أرض الواقع، فهو يتحدث كأنه صنع ما لم تقدر عليه آلهة ‏الإغريق فى الأساطير القديمة: هذا هو الخلود إلى الأبد، أحد الأيام العظيمة على الإطلاق فى ‏تاريخ الحضارة، فعلت ما لم يستطع زعيم آخر أن يفعله خلال آلاف السنين من تاريخ الشرق ‏الأوسط فى تأمين سلام دائم»!‏

والعبارة الأخيرة تحديدا التي تتشابه مع عبارة بيان إيباك عن «السلام» لا علاقة لها بالواقع ‏بتاتا، فالسيد ترامب أوقف إطلاق نار، وربما قد ينجح فى إنهاء الحرب فعلا فى غزة، لكنه لم ‏يصنع سلاما حتى الآن، فغزة مجرد جزء من مشكلة أعمق وأكثر تعقيدا، وإنهاء الحرب غير ‏صناعة السلام، بدليل أنه لمدة تزيد على الساعة، وهو يخطب فى الكنيست الإسرائيلى قبل ‏قدومه إلى شرم الشيخ، لم ترد كلمتا «دولة فلسطينية» على لسانه، سواء محتملة أو يمكن أن ‏تقام مستقبلا!‏

ويبدو أن مصر قد انتبهت مبكرا إلى هذه الفجوة بين وقف إطلاق النار وتحقيق السلام، ‏وبحكم تجاربها وتاريخها وإدراكها لأبعاد المعضلة الفلسطينية، وأن غزة بكل الجرائم ‏الإسرائيلية التي ارتكبت فيها مجرد حلقة نار ملتهبة داخل «الدائرة الأصلية»، وإطفاء النيران ‏فى غزة ووقف الإبادة فيها لا يعنى أن السلام حل بالمنطقة، وأن روح الاتفاقات الإبراهيمية ‏بدأت تحوم من جديد حولها، وأتصور أن مصر بمؤتمر شرم الشيخ الذي دعت إليه ما يقرب ‏من 30 دولة وثلاث هيئات عالمية احتفالا بالاتفاق، كانت تصوب التوجه وتعيد رسم الخطوط ‏الصحيحة، وهذه شطارة الدبلوماسية المصرية التي لها تقاليد وخبرات متراكمة، والخارجية ‏المصرية عمرها يزيد على مئتى سنة، وقد تأسست فى عهد الوالى الكبير محمد على باشا فرعا ‏من «ديوان التجارة والأمور الأفرنكية»، ثم صارت نظارة مستقلة فى عام 1878، أى منذ ‏‏147 سنة!‏

أولا: كانت مصر تريد أن تقول للعالم إن اتفاق وقف إطلاق النار وخطة ترامب برمتها، هى ‏خطوة مهمة للغاية، فى طريق طويل ينتهى بحل القضية الفلسطينية حلا، يسمح للسلام أن ‏يهبط على منطقة الشرق الأوسط ويسكن فيها ويرفع عنها أكبر قدر من التوترات التقليدية.. وهو حل الدولتين التي وافقت عليه أغلبية دول العالم، واعترفت به.‏

ثانيا: إذا كانت الولايات المتحدة تريد دوما أن تعمل وتتحرك خارج النظام العالمي، بصفتها ‏كبيرة هذا النظام، وتستبعد الأمم المتحدة من لعب أى دور فعال فى صراع «الشرق الأوسط» ‏بين العرب وإسرائيل، فإن عقد مؤتمر دولى تحضره 30 دولة وأمين عام الأمم المتحدة ‏ورئيس المجلس الأوروبى وأمين عام جامعة الدول العربية، فهو بمثابة «أمم متحدة» مصغرة، ‏شاهدة على الاتفاق وضامنة لتنفيذه، كمرحلة من خطة سلام تتجاوز غزة إلى حل الدولتين!‏

كان من المستحيل أن يأتى نتنياهو إلى شرم الشيخ، فهو بطبعه وشخصيته وأفكاره ‏ومصالحه معاد للسلام، ويعتقد أن الدولة الفلسطينية مهما تعهدت بنبذ العنف، والعيش فى ‏سلام مع إسرائيل هى خطر وجودى لا يمكن التسامح معه، فما بالك بقبوله؟، وبالقطع كان ‏يعرف أن كلمات من عينة فلسطين، الدولة الفلسطنية، حل الدولتين، سوف تتردد كثيرا فى ‏أروقة المؤتمر وكلمات الوفود، ولم يكن يود أيضا أن يكون فى مؤتمر دولى يضم ‏الرئيس الفلسطينى «محمود عباس»، فهو يعتبر وجوده مع أبومازن بمثابة اعتراف ضمنى ‏بالدولة الفلسطينية، ولهذا لم تقبل الولايات المتحدة حضور أبومازن الجمعية العامة للأمم ‏المتحدة وسحبت منه التأشيرة، استجابة لرغبة نتنياهو، حتى لا تجمعهما قاعة دولية واحدة.‏

باختصار كانت مصر فى غاية الحنكة والذكاء السياسى وهى تعقد مؤتمر شرم الشيخ، معتمدة ‏على ثقلها الحضاري، ولم تنجح فقط فى لعب «الدور» الأهم فى ردم الهوة بين المفاوضين ‏الإسرائيليين والمفاوضين الفلسطينيين، وإنما رفعت «لافتة «حل الدولتين» بين الحضور ‏وجعلته أمرا لا يمكن الفرار منه مستقبلا.

 

1713

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز