السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

خبراء صينيون لـ"بوابة روزاليوسف": التوتر الصيني-الياباني يحيي “أشباح الماضي” في شرق آسيا

بوابة روز اليوسف

نقلت الصين مؤخرا خلافها المتزايد مع اليابان إلى الأمم المتحدة، واتهمت طوكيو بالتهديد "بالتدخل المسلح" بشأن تايوان وتعهدت بالدفاع عن نفسها بأقوى لهجة لها حتى الآن في النزاع المستمر منذ أسبوعين.

يأتي ذلك على اثر توتر غير مسبوق شهدته العلاقات بين البلدين بعد التصريحات المثيرة للجدل التي أدلت بها رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأن تايوان والتي لم تُنظر إليها بكين كتعليق عابر، بل كإشارة واضحة إلى تحولات استراتيجية وسياسية في طوكيو منذ الحرب العالمية الثانية، ما أعاد إلى الأذهان “أشباح الماضي” في شمال شرق آسيا، بحسب محللين وخبراء صينيي لبوابة روزاليوسف..

 

 

د. تشنغ شيزونغ، باحث أول في معهد تشارهار أكد أن تصريحات ساناي تاكايتشي رئيسة وزراء اليابان مؤخرًا بشأن تايوان مغلوطة ولا تُمثل تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية للصين فحسب، بل تُمثل أيضًا انتهاكًا خطيرًا للتوافق السياسي بين الصين واليابان، مما يُشكل تهديدًا خطيرًا للسلام والاستقرار في المنطقة.

 

وقال د. تشنغ : ادعت تاكايتشي أن "حالة الطوارئ في تايوان" قد تُشكل "أزمة بقاء" لليابان لممارسة الدفاع الجماعي عن النفس. بينما يُمثل هذا الادعاء انتهاكًا صارخًا لمبدأ الصين الواحدة وروح الإعلان الصيني الياباني المشترك لعام ١٩٧٢، الذي يُمثل حجر الزاوية في العلاقات الثنائية.

 

وأوضح د. تشنغ ينص الإعلان الصيني الياباني المشترك صراحةً على أن الحكومة اليابانية تُدرك تمامًا وتحترم موقف الحكومة الصينية القائل بأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية.  كما أشار رئيس الوزراء الياباني السابق هاتوياما يوكيو، عن حق، فإن شؤون تايوان هي شؤون داخلية صينية خالصة، وليس لليابان أي حق في التدخل فيها. في جوهرها، لذلك يرى د. تشنغ ان تصريحات تاكايتشي ساناي ذريعةً مُبطّنةً للتوسع العسكري الياباني، مشيرا إلى انها تهدف إلى تأجيج التوترات في المنطقة لتبرير هذه الأجندة الخطيرة.

 

قائلا : الأمر الأكثر إثارة للقلق هو سعي تاكايتشي لمراجعة "المبادئ الثلاثة غير النووية" لليابان بإلغاء البند الذي يحظر إدخال الأسلحة النووية. وبصفتها الدولة الوحيدة في العالم التي عانت من هجمات بالقنابل الذرية خلال الحرب العالمية الثانية، لطالما كانت "المبادئ الثلاثة غير النووية" لليابان سياسةً وطنيةً تحظى بتأييد شعبي واسع. علاوةً على ذلك، تُشكّل هذه المبادئ حجر زاويةٍ أساسياً في منع الانتشار النووي في المنطقة.  إن مراجعة هذه المبادئ ستُشكّل تراجعًا كاملاً عن سياسة اليابان الأمنية لما بعد الحرب، وستُطلق حتمًا جولة جديدة من سباق التسلح في شرق آسيا، مع عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي.

 

 

من جانبه قال وانغ جيا شيوان، باحث في مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، أن تصريحات تاكايتشي أعادت إلى الواجهة “أشباح الماضي”، معتبرًا أن التلميح العلني لأول مرة من رئيس وزراء ياباني حول احتمال التورط العسكري في مضيق تايوان يمثل تحولًا دقيقًا وخطيرًا في الخطاب السياسي الياباني.

 

 

وأضاف: أثارت رئيسة الوزراء اليابانية مؤخرا زوبعة بتصريحاتها في اجتماع برلماني، حين لمحت إلى أن أي طارئ في تايوان يشمل عملا عسكريا صينيا قد يُفعِّل حق اليابان في الدفاع الذاتي الجماعي. جاءت كلماتها كالحجر في بركة راكدة، ففورا انتشرت التموجات حادة وصاخبة. وبصراحة، بعد سنوات من متابعتي للسياسة في شرق آسيا، لم أتوقع أن تستهلّ الزعيمة اليابانية الجديدة عهدها بخطوة فظة بهذا القدر.

 

وأشار وانغ جيا شيوان إلى أن رد الصين الصارم يعكس اعتبار بكين القضية مسألة كرامة وطنية ومصلحة جوهرية، مؤكدًا أن تصريحات تاكايتشي أدت إلى انقسام داخلي في اليابان بين مؤيدين ومعارضين، مع ملاحظة أن بعض كبار السياسيين السابقين أعربوا عن مخاوفهم من أن تاكايتشي قد “ضيّقت الخيارات السياسية المستقبلية لليابان”، ما قد يدفع طوكيو نحو مواجهة أبعد مما ترغب واشنطن نفسها في الوصول إليه.

 

وأضاف أن الخطر الحقيقي لا يكمن في اندلاع حرب مباشرة فورًا، بل في تطبيع الخطاب الحاد وتقليص مساحة الدبلوماسية تدريجيًا. كما لاحظ أن تصريحات رئيسة وزراء اليابان قد تؤثر على تصورات الرأي العام في تايوان، إذ يعتقد جزء من سكان الجزيرة أن اليابان قد ترسل قواتها في حال اندلاع صراع، وهو تصور غير مطابق للواقع السياسي في طوكيو، لكنه يعكس مدى حساسية الموقف وتأثير التصريحات على المنطقة.

 

 

 

بينما رأى د. مارفن لي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مانشستر، أن تصريحات تاكايتشي بشأن تايوان ليست مجرد موقف سياسي عابر، بل تمثل من منظور الصين  أخطر مؤشرات انزلاق اليابان عن القيود التي التزمت بها منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية. ويشير لي إلى أن وصف تاكايتشي “الهجوم على تايوان بأنه تهديد لبقاء اليابان” يمس ثلاث طبقات شديدة الحساسية لدى بكين: التاريخ، والاتفاقيات، وخطوط الأمن الحمراء.

 

أوضح د. لي أن الصين تتعامل مع اليابان من موقع الذاكرة الجماعية للحرب: استعمار تايوان عام 1895، غزو البرّ الصيني، ومجزرة نانجينغ. وترى بكين أن إعادة طرح اليابان لدور عسكري في محيط تايوان هو إسقاط مباشر لفصل لم يُغلق من تاريخ الحرب العالمية الثانية، ما يجعل أي خطاب ياباني دفاعي حول تايوان يتجاوز “مخاوف أمنية” إلى استدعاء لجرح تاريخي قديم.

 

أكد د. لي أن بكين تربط تصريحات تاكايتشي بمحاولة “إحياء الدور العسكري الياباني”، وهو ما تعتبره خيانة لروح 1972 التي تعهدت فيها اليابان بألا تسعى للهيمنة في آسيا. وهذا يفسّر الرد الصيني الحاد، من استدعاء السفير الياباني إلى تحذيرات السفر، باعتباره رسالة بأن تايوان ليست قضية سياسية فحسب، بل خط أحمر تاريخي وجيوسياسي.

 

ويرى د. لي أن هذا التطور يعكس مزيجًا من التصعيد السياسي والتحول الاستراتيجي طويل الأجل في طوكيو: إعادة تفسير الدستور السلمي، تعزيز الإنفاق العسكري، والتنسيق الدفاعي العميق مع الولايات المتحدة حول “استقرار مضيق تايوان”. الجديد — بحسب لي — هو أن هذه الأفكار التي كانت تُصاغ بصيغة مبهمة أصبحت اليوم تصريحات عملياتية واضحة صادرة عن رئيسة وزراء فاعلة.

 

 

إلهام لي، باحث في العلاقات الدولية، أشار إلى أن التوتر الحالي ليس أزمة عابرة، بل نتيجة تراكم عوامل هيكلية، أبرزها تصريحات طوكيو حول تايوان، التي تُعد بالنسبة لبكين تجاوزًا جوهريًا للخطوط الحمراء السيادية. وأضاف أن اليابان تعمل على إعادة ضبط التموضع الاستراتيجي، وتوسيع دورها العسكري ضمن إطار “الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، وهو ما تعتبره بكين تجديدًا لمناخ المواجهة التاريخي.

وأكد الباحث الصيني أن الصين بدورها اعتمدت لهجة أكثر صرامة، مع استعداد لاتخاذ إجراءات عملية عند الضرورة، ما يعكس رغبتها في الحد من أي مساحة غامضة في قضايا السيادة الأساسية. وأشار إلى أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو “التجميد عالي التوتر مع الحفاظ على الوظائف الاقتصادية”، ما لم تظهر اليابان مرونة في ملف تايوان، مع بقاء احتمالات إعادة بناء الاستقرار على المدى الطويل مرتبطة بالالتزام بالمبادئ والمعاهدات الثنائية.

 

 

تم نسخ الرابط