عاجل
الأربعاء 10 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية جبل البركل .. شاهد حضارة مروي بالسودان الشمالي

جبل البركل
جبل البركل

يعتبر التراث أهم الموروثات الثقافية التي خلفتها الحضارات القديمة لربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وهو يعرف بأنه كل ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب ومختلف أنواع الفنون ونحوها من جيل إلى آخر، وينقسسم التراث الثقافي إلى قسمين : تراث مادي، وتراث غير مادي ويشتمل التراث المادي: على الآثار والمباني والأماكن الدينية والتاريخية والمنشآت الدينية والجنائزية، كالمعابد والمقابر، المساجد والجوامع، والمبان الحربية والمدنية مثل الحصون والقصور والقلاع والحمامات، وأيضا السدود والأبراج والأسوار. ويتضمّن مفهوم التراث الثقافي غير المادي : التقاليد الشفهية وفنون الأداء  الحركي والممارسات الاجتماعية والطقوس الاحتفالية ، إضافةً إلى المعتقدات المرتبطة بالكون والحياة..



 

يشكل التراث الثقافي غير المادي عاملا ًمهمًا فى الحفاظ على التنوع الثقافي في مواجهة العولمة الثقافية المتزايدة. ففهم التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية المختلفة يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على التعريف المتبادل بثقافات الشعوب. 

 

ويعد جبل البركل أحد المراكز الدينية والسياسية لحضارة مروي بالسودان الشمالي. وتضم المنطقة الكثير من الآثار والمعابد القديمة وثيقة الصلة بالحضارة المصرية القديمة حيث يبدو أثر الحضارة المصرية القديمة جلي في تلك المنطقة .

 

جبل البركل أشهر المواقع الأثرية بالسودان الشمالى:

يمتاز السودان الشمالى بتعدد المواقع الأثرية وأهمها تلك التي ترتبط تاريخيًا بآثار ممالك النوبة وخاصة  مملكتي مروي في منطقة ولاية نهر النيل في البجراوية وآثار مملكة نبته وحضارة كوش حول جبل البركل والكرو في كريمة بمحافظة مروي، وتزخر مناطق الشمال في البجراوية وكريمة والبركل والكرو ونوري بكم هائل من الآثار وقد ارتبط  جبل البركل إرتباطًاوثيقًا بالتقاليد الدينية منذ عصور ما قبل التاريخ، ثم شكًل العاصمة الدينية لمملكة "نبتة" التاريخية، ويضم جبل البركل مواقع أثرية تحمل آثار الحضارة النوبية في الفترة بين 900 و270 ق.م، والثقافة المروية 270 ق.م- 350م، والتي تضم قبور، وأهرامات، ومعابد، وأبنية سكنية، وقصور (1). ويقع البركل علي الضفة الشرقية للنيل في الولاية الشمالية علي بعد 40 كلم أسفل الشلال الرابع (سد مروي). وهو جبل صغير يبلغ ارتفاعه 98 متر، يقع علي بعد 400 كيلومتر شمال العاصمة السودانية في الولاية الشمالية جوار مدينة كريمة عند الانحناء النيلي الكبير، ويتميز بقمته المسطحة وكان من المعالم الأساسية في الطرق التجارية بين وسط أفريقيا والجزيرة العربية ومصر حيث أن مكانه هو المكان الأفضل لعبور النيل إلى كلتا الضفتين، وكذلك لكونه يشكل جزءً أساسيًا من حضارة نبتة الدولة المدينة التي نشأت علي سفوحه، وقد تم إعلان الموقعين نبتة وجبل البركل كأحد مواقع التراث العالمي الإنساني التابعة لليونسكو في عام 2003 (2).

 

الأهمية الحضارية لجبل البركل:

شهد جبل البركل العديد من الأحداث التاريخية منذ عهد الملك "تحتمس الثالث" الذي استطاع غزو المنطقة، وشيَّد حامية عسكرية في الجبل عام 1450ق.م، كما أصبحت المنطقة عاصمة للحضارة الكوشية في عهد الأسرة الـ 25، وهي الأسرة النوبية التي استطاعت حكم مصر من القرن التاسع حتى القرن السابع قبل الميلاد، وهي ما عرفت بالمملكة الكوشية وعاصمتها "نبتة" التي تقع على الضفة الغربية لنهر النيل، وتبعد 400 كم من الخرطوم بشمال السودان (3). ووفقًا للوثائق التاريخية ترجع أهمية الجبل إلى أنه كان عاصمة لمملكة نبتة في القرن الثامن ق.م ومن هذا المكان حكم الملوك السودانيون الأوائل (بعانخي، شباكا، شبتكو، طهراقا، وتوت عنخ آمون) السودان ومصر وامتد نفوذهم حتى حدود فلسطين. وشيد ملوك نبتة الكثير من المعابد والقصور عند جبل البركل ومعبد أبو دوم، كما تم دفن ملوكهم في مقابر الكرو وأهرامات نوري والبركل. ويمثل جبل البركل المركز الرئيسي للتتويج الملكي والطقوس الملكية خلال عصر الحضارة الكوشية، حيث حرص الملوك على إجراء طقوس تتويجهم في الجبل، كما كان الجبل مقرّ اتخاذ قرارات الحرب، وأيضًا إنهاء حكم الملك أو استمرار حكمه، وظل هذا التقليد حتى القرن الثالث قبل الميلاد، حتى أَلغى الملك أرجمنيس هذا التقليد وقام بقتل كهنة الوحي الإلهي في الجبل(4).

 

.  يعد جبل البركل في ثقافة وادي النيل المصرية والسودانية جبل مقدس لاحتوائه على عدد كبير من المعابد الدينية، خلال فترة حكم المملكة المصرية ويمثل جبل البركل مهد ديانة وعبادة الآلة آمون رع كما تدل الآثار الموجودة بالجبل وأسفل الجبل على ذلك . وقد شيد ملوك مملكة نبته معبد للآلة آمون رع قبل 1500 عام ق م. وأمامه كانت تقف ستة تماثيل تحمل اسم الملك أمنحتب الثالث، وكان عرش الملك يقام تحت سفح الجبل أو فيما بين المسلتين. لذا أطلقوا علية اسم (وعب_جو) وتعني في اللغة المصرية القديمة (الجبل المقدس أو النقي) كما أطلق عليه بالهيروغليفية "دجو- واب" والتي تعني الجبل الطاهر، حيث كان يسود الاعتقاد بأن الإله يسكن داخل الجبل كما دارت حول الجبل العديد من الأساطير منها أن إحدى الملكات المصريات قامت بالإحتماء بالجبل بعد محاولة آلهة الشر قتلها فاستقرت به، وبعد فترة جاء أحد الملوك المصريين وعاد بها إلى مصر، ولكنها رجعت للجبل مرة أخرى ومكثت به حتى وفاتها. 

 

محتويات جبل البركل: 

يضم الجبل عدد من المواقع الأثرية النوبية منها  13معبداً، و3 قصور، وقد تم اكتشافها عام 1820، وعدد من الأهرامات تبلغ 15 هرم  شيدت على الطراز المصري، وحملت أسماء الملوك الكوشيين الذين حكموا خلال تلك الفترة منهم الملك "إكتسينس" أو "أريا ماني"، و"صبرا كماني"، و"تريكاس" بالإضافة إلى ملكات كوشيات منهم الملكة "ناوي دماك"، و"أماني ريناس". ومن أهم المعابد الموجودة بالجبل هو معبد "آمون الكبير" الذي يشكل بيت الزعامة الدينية، ومعبد "الإله موت"، بالإضافة إلى معبد آخر يعرف بمعبد "دوت"، وكان  مكان مخصص للملكات كي تضعن فيه، حيث كن تقمن بداخله طيلة فترة الحمل كما يوجد بالمنطقة المعبد الرئيسي الذي يتكون من ثلاث قاعات رئيسية، القاعة الأولى كانت لعامة الشعب، والثانية للكهنة بينما تم تخصيص الثالثة لتتويج الملك. بالإضافة إلى وجود قصر الملك "نتكامني"، ويضم الجبل العديد من الرموز الحجرية المقدسة التي تنتمي  للحضارة المصرية القديمة، كما عثر على العديد من تماثيل ملوك كوش بالجبل مثل تماثيل الملك نتكماني الضخمة، وتمثال الملك" اتلانيرسا" بن تهارقا (5).

 

مهرجان البركل:

 يقام مهرجان البركل تحت سفح الجبل سنويًا وغالبًا يتم تخصيص شهر يناير من كل عام لذلك الاحتفال الهام ، وهو أهم المهرجانات التي تقام في الولاية الشمالية فى قبيلة الشايقية، يشارك فيه عدد من المؤرخين والمختصين والسائحين من داخل وخارج السودان وهو بمثابة مهرجان سياحي ثقافي فني تراثي تسويقي يهدف إلي الترويج للسياحة بالمنطقة وتسليط الضوء عليها(6)  باعتبارها من أقدم المناطق التاريخية في العالم القديم ، كما تقام مجموعة من الفعاليات والأنشطة حول المناطق الاثرية في “الكرو” و”الغزالة” وغيرها ويستغرق صعود الجبل ساعتين ومن أعلى قمة الجبل يمكن مشاهدة القبائل التي تسكن بالمنطقة والتي تحفظ تاريخ حضارتها العريقة وتروي صفحاتها المضيئة وبطولاتها الخالدة لأجيالها المتلاحقة  معتزة بهويتها التي شكلتها الحضارة المروية التليدة.

 

الهوامش: •    زيارة ميدانية لمنطقة جبل البركل يناير /2016م .1http://www.alnilin.com/1160201.htm. .2https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A8%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%83%D9%84

3. هانى رياض،(تاريخ الاطلاع 20/8/2020)، جبل البركل اقدم المناطق الاثرية فى السودان، تاريخ النشر (16/8/2016)

https://al-ain.com/article/mountain-heritage-sudan-famous.4

5. هاني رياض، موقع الكترونى سبق ذكره.

6. مقابلة مع الشيخ محمد أحمد حمرى الشهير ( بالعم حمود) ، رئيس اللجنة الشعبية بمنطقة أبو دوم مروى شرق

 

رئيسة قسم التاريخ والآثار بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا

والباحثة في التراث والثقافة الافريقية

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز