روزاليوسف في مئويتها.. مدرسة صحفية لم تتوقف عن صناعة التاريخ
شهدت الاحتفالية التي نظمتها الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، اليوم الخميس، بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس مجلة "روزاليوسف" انعقاد الجلسة الثانية، التي تناولت الأبعاد التاريخية والتشريعية والثقافية لنشأة المجلة، ودورها الممتد في تشكيل الوعي المصري والعربي.
أدار الجلسة الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة دمنهور، مؤكدًا في كلمته أن روزاليوسف تُعد "المؤسسة الثانية بعد الأهرام عمرًا" في تاريخ الإعلام المصري، وأنها تستحق عملًا دراميًا مستقلًا يجسد مسيرتها الفريدة، وقدرتها على التأثير والسيطرة على الساحة الصحفية لعقود طويلة.
نرمين الأزرق: روزاليوسف ولدت وسط تحديات تشريعية ومجتمعية وسياسية
من جانبها، عرضت الدكتورة نرمين الأزرق، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، قراءة تاريخية لنشأة المجلة، مشيرة إلى أن بدايات روزاليوسف جاءت في ظل "ظروف مجتمعية معقدة ومتغيرات تشريعية ضاغطة"، حيث ظهرت في وقت كان فيه العمل الصحفي محاطًا بقيود دستورية وقانونية، فضلًا عن مناخ سياسي شديد التنافس.
وأكدت أن تأسيس المجلة بعد ثورة 1919 لم يكن مصادفة، فالثورة – كما قالت – كانت حدثًا استثنائيًا جمع كل أطياف المجتمع، وأسّس لمرحلة من الوعي العام أتاحت لتجربة صحفية جريئة مثل روزاليوسف أن تنشأ وتستمر.
وأضافت أن أي مؤسسة إعلامية كبرى هي وليدة بيئتها الاجتماعية، وفي حالة روزاليوسف، نشأت في وقت تزايد فيه حضور المرأة المصرية بفعل البعثات التعليمية منذ عصر محمد علي، وإنشاء مدارس البنات في عهد الخديوي اسماعيل، ما دعم ظهور جيل من النساء القادرات على التفكير والإبداع والعمل العام.
وأوضحت الأزرق أن مصر سبقت العالم العربي في النهضة الصحفية، وأن الحملة الفرنسية كانت أول من لفت انتباه المصريين إلى الطباعة، قبل أن يؤسس محمد علي أول صحيفة رسمية عام 1828 وهي الوقائع المصرية، وأشارت إلى أن المجتمع المصري آنذاك كان "كوزموبوليتن"، منفتحًا على التعددية وقبول الآخر، وهو ما سمح بازدهار الصحافة، وإطلاق مبادرات إعلامية جريئة.
وختمت بأن صدور روزاليوسف عام 1925 في ظل دستور 1923 – الذي نص في مادته 14 على حرية الصحافة – كان حدثًا لافتًا، خاصة لكونها إحدى أولى الصحف التي صدرت باسم امرأة، رغم القيود المفروضة آنذاك بموجب قانون المطبوعات العثماني، الذي وضع شروطًا صعبة لإصدار الصحف.
ومع ذلك، ظهرت المجلة كـ"صوت لا يخاف" وكتجربة ثرية رسّخت حضورها وسط الزخم الفكري والثقافي لتلك الفترة.
سحر حسن: "المصري أفندي".. مرآة السخرية المصرية وذاكرة الفن
في سياق متصل، تحدثت الدكتورة سحر حسن، ممثلة مركز تاريخ مصر المعاصر بدار الكتب والوثائق القومية، عن الدور الثقافي للمجلة، مؤكدة أن "روزاليوسف" أسهمت على مدار القرن الماضي، في تشكيل وجدان القارئ المصري.
وقالت إن شخصية "المصري أفندي" التي ارتبطت بالمجلة كانت تعبيرًا صادقًا عن العقل الجمعي المصري، بروحه الساخرة ونقده اللاذع للأحداث.
وأوضحت أن فاطمة اليوسف، كانت تؤمن بأن الكلمة قادرة على تشكيل وعي المجتمع وفتح آفاق نقدية جديدة، وهو ما جسدته شخصية "المصري أفندي"، التي ابتكرها الرسام الأرمني ألكسندر صاروخان، وصورها كرجل قصير يحمل سبحة ويرتدي الطربوش، ليصبح رمزًا للمصري البسيط المفكر المنتقد.
صالح محمد عمر: روزاليوسف وثورة الجزائر.. من التلميحات إلى التغطية الموسعة
كما تطرق الدكتور صالح محمد عمر، من مركز تاريخ مصر المعاصر، إلى تغطية المجلة لثورة الجزائر عام 1954، مشيرًا إلى أن أولى إشارات الثورة ظهرت في المجلة كتلميحات وأخبار قصيرة عام 1956، قبل أن تتوسع التغطية لاحقًا لتتحول إلى مقالات وتحقيقات موسعة.
وأوضح أن عملية النشر مرت بمراحل تدريجية، وصولًا إلى تغطية اتفاقيات إيفيان عام 1962 التي انتهت باستقلال الجزائر، ثم تغير الطرح التحريري للمجلة بعدها، بما يعكس المرحلة الجديدة.
وأضاف أن روزاليوسف أولت اهتمامًا خاصًا باللقاءات مع قادة الثورة الجزائرية، وقدّمت للقارئ المصري سردًا متسلسلًا لقصة الثورة منذ اندلاعها حتى نهايتها.



