السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

المجلس الأوروبي: استراتيجية الأمن الوطني الأمريكية 2025 تكشف نية التدخل في الشؤون الأوروبية

المجلس الأوروبي
المجلس الأوروبي

رأى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن وثيقة "استراتيجية الأمن الوطني الأمريكية 2025" كشفت عن موقف الإدارة الأمريكية الواضح تجاه أوروبا في خطوة تعكس تصعيدًا غير مسبوق في العلاقات عبر الأطلسي.

وأشار المجلس، في تقرير له اليوم الجمعة، إلى أن الاستراتيجية الأمريكية تستهدف التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأوروبية، معتبرة أن هذا التدخل يشكل ضرورة استراتيجية. 

وتشير الوثيقة الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة "لن تتردد" في مواجهة ما وصفته بـ"التهديدات" القادمة من داخل أوروبا، داعية إلى تشكيل جبهة أوروبية معارضة لما تعتبره واشنطن "التوجهات غير المناسبة" في القارة.

وتعكس الاستراتيجية بوضوح أن الولايات المتحدة ترى في أحزاب اليمين الأوروبي الوطني، التي تزداد قوتها في الآونة الأخيرة، مصدرًا للتفاؤل، معتبرة إياها حليفًا في مواجهة ما تسميه "التهديدات الحضارية" التي تلاحق القارة العجوز، واصفة ما يحدث في بعض دول الاتحاد الأوروبي من صعود تيارات اليمين المتطرف بأنه "أمل كبير". 

وتتبنى الإدارة الأمريكية، في هذا السياق، حربًا سردية بدلاً من السياسة الخارجية التقليدية، مركّزة على مفردات مثل "محو الهوية الوطنية" و"الرقابة"، كما أنها تشكك في نزاهة الديمقراطيات الأوروبية.

وتتناقض هذه التصريحات الأمريكية مع الخطاب الديمقراطي الذي تتبناه الدول الأوروبية، حيث لا تخفي واشنطن انتقادها للاتحاد الأوروبي، متهمة إياه بأنه "يقوض السيادة السياسية والحرية"، وتدعو إلى تقليص دوره في تحديد السياسات الأوروبية. وتزعم الإدارة الأمريكية أن هذا التدخل "ضروري من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية"، مما يعكس رغبة واشنطن في تقويض القوانين الأوروبية التي قد تحد من نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى مثل شركات وادي السيليكون.

في المقابل، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديًا كبيرًا في التصدي لهذا التدخل، وهو ما دفع بعض القادة الأوروبيين إلى الدعوة لتحرك عاجل من داخل القارة لمواجهة التأثيرات السلبية القادمة من الولايات المتحدة. فهناك حاجة ملحة لإعادة الثقة في المؤسسات الأوروبية والتمسك بالقيم التي تقوم عليها، فالحرب الثقافية التي يشنها ترامب أصبحت حليفًا قويًا لتيارات اليمين المتطرف في القارة، ولا يمكن للأحزاب الوسطية أن تظل متراخية في دعم الاتحاد الأوروبي. وفي دول مثل بولندا، بدأ يظهر تنامي مشاعر الشكوك حيال الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتطلب من الدول الأعضاء في الاتحاد بذل المزيد من الجهد لتطوير قطاعات الدفاع والتكنولوجيا، وهو ما سيمكّنهم من تعزيز قدرتهم على التصدي لضغوط واشنطن.

وعلاوة على ذلك، هناك ضرورة ملحة في أوروبا لضمان عدم السماح لشركات وسائل التواصل الاجتماعي بتغذية الانقسام في المجتمعات الأوروبية. فقد أصبح واضحًا أن هناك حاجة لتشديد الرقابة على هذه المنصات وإجبارها على التوقف عن استخدام الخوارزميات التي تزيد من الاستقطاب. ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يضع قواعده الرقمية بشكل أكثر صرامة، وأن يفرض على منصات الإنترنت الامتثال لها.

لكن، على الرغم من التحديات الكبيرة، لم تتخذ أوروبا خطوات حاسمة تجاه التدخلات الأمريكية. فمنذ الصيف الماضي، وافقت بروكسل على اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة تعتبر غير متكافئة، في حين ظل تطبيق قانون الخدمات الرقمية على شركات التكنولوجيا الكبرى بطيئًا للغاية، وكان فرض الغرامات على شركات مثل "إكس" غير مؤثر بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، خفف الاتحاد الأوروبي العديد من القوانين المتعلقة بالبيئة والتكنولوجيا، وهو ما يشير إلى تراجع في قوته التنظيمية.

وبينما تنتظر أوروبا حلاً في درع الديمقراطية الأوروبي، الذي لا يزال في مراحله الأولى، يبدو أن المواقف الأوروبية الضعيفة أمام التدخلات الأمريكية ستستمر في التأثير على قدرة الاتحاد على حماية ديمقراطياته. وتزداد الضغوط التي تواجهها أوروبا من داخل حدودها الشرقية، لكنها تواجه الآن أيضًا تهديدات قوية من الجانب الآخر من الأطلسي.

تم نسخ الرابط