منذ ولادتنا حتى مرحلة الشيب نمر بمحطات كثيرة نلتقي خلالها بوجوه كثيرة منها الصاحب الذي يرتبط بك ويلازمك باستمرار في دروب الحياة، والزميل الذي تجمعك به المراحل الدراسية أو ظروف العمل، والجار الذي يرتبط بك من خلال النطاق السكني، والصديق الذي تخرج به من الدنيا والصدق سائد بينكما في جميع المعاملات المختلفة.
كل صديق هو صاحب، ولكن ليس كل صاحب صديقا، فالصديق هو الذي يتم اختياره بناءً على صفات جوهرية مثل الدين والأخلاق والصدق، وهو أيضا بمثابة المرآة التي عندما تنظر إليها تجد صورتك أمامك.
تمر السنوات وتزداد أعمارنا سنوات أخرى ونكبر ونعيش المواقف معا.
الدنيا ما هي سوى لقاء وفراق، نلتقي وتجمعنا المقادير، نتعامل ونتشارك في أمورنا الحياتية أو العملية، وفي النهاية حبل التواصل يمتد بيننا وتربطه الذكريات التي منها الأحداث الحزينة التي نهون على بعضنا ألمها ومرها، وأوقات مفرحه وسعيدة كنا نلهث لاقتناصها، وقد حاولنا كثيرا واجتهدنا كي تتحول كل التحديات التي نقابلها إلى ذكريات نضحك عندما نتذكرها. ورغم انشغالنا داخل دوامة الحياة فإننا كنا نسترق اللحظات لكي نطمئن على أصدقائنا من حين لآخر.
"رب أخ لك لم تلده أمك".. كلمات تعكس مدى قوة العلاقة بين الأصدقاء التي تصل غالباً إلى درجة الأخوة الحقيقية، تتنوع الصداقات في حياتنا بين أصدقاء الطفولة والتي تستمر مهما تفرقنا بين متاهات الدنيا، وأصدقاء الحياة الذين يظهرون بمختلف محطاتك الحياتية، منها المؤقتة وأخرى من خلالها يرافقك ويلازمك ويصادقك خلال دروب الحياة المختلفة، وتشعر في وجوده بالأمان يتمنى لك الخير وأحياناً يفضلك على نفسه، ليس من منطلق التضحية لكنه يشعر إنك أنت نفسه التي يتمنى أن يقدم لها كل شيء.
طاحونة الحياة لم تؤثر على جوهر وقيمة الصديق بل أكدت على أنه كنز لا يختلف عن كنوز الحياة التي وهبنا الله إياها ومنها: الصحة، الستر، الأخلاق، وغيرها من نعم أنعم الله علينا بها لكي نحافظ عليها ونحمده ونشكره دائماً وأبداً، ومن هذه النعم التي أصفها بالكنز، هو الشخص الذي يقف بجانبك وقت المحن، يواسيك ويقويك ويساعدك على تخطيها، هو من تجده عندما تحتاجه، هو من يفرح لفرحك ويسعد بنجاحك، وهو أيضا الذي إذا استشرته أو سألته أجابك بصدق وصراحة دون مجاملة أو نفاق، نعم هو الصديق الصدوق.
في النهاية.. حافظوا على العلاقات الطيبة التي تجمعكم بأصدقائكم، وتمتعوا بأوقاتكم التي ربما في لحظة نتمنى عودة لحظة واحدة منها، لا تجعلوا الشيطان يدخل بينكم ويعكر صفو علاقاتكم الزاخرة بأروع وأجمل الذكريات، صفوا قلوبكم من شوائب الأمور الهامشية التي تدمر العلاقات الطيبة، انتهزوا الفرصة ووطدوا أواصر الحب والأخوة بينكم، تذكر أن اختيارك وعثورك على شخص يطلق عليه صديق يتطلب سنوات يتخللها مواقف عديدة وتجارب حياتية تتعايشها على أرض الواقع، حقاً العثور على صديق مخلص خاصة فى هذه الأيام شيء مرهق وقد يصل إلى حد المستحيل.
ختاماً.. نصيحتي لكل شخص رُزقَ بصديق أو أكثر، عليه أن يعي أن الصداقة الحقيقية عملة نادرة تزداد قيمتها كلما تقدم بنا العمر، لهذا عليك أن تعلم أن أوراق شجرة الحياة تتساقط مع مرور الزمن، ولا أحد يعرف متى تسقط ورقته، فبماذا ستشعر عندما تلتفت حولك، ولا تجد من كنت تشاركه ذكرياتك؟، فهناك من يغادر في صمت وأنت في غفلة عن السؤال عليه، تسامح ولا تجعل في قلبك مكان للمشاحنة، حتى تستطيع أن تحافظ على كنوز الحياة من الأصدقاء الأوفياء.



