الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

سأظل أرى أنه لا شىء ظهر أو سيظهر عن " أم كلثوم " يمكن أن يكون أكثر إبداعاً من غنائها وأغنياتها، وهذا أكبر مأزق يواجه أي مبدع يفكر في تناول سيرتها أو شخصيتها ، فهي أسطورة حية وصلت إلى ذروة الذروة صوتاً وإحساساً وذكاءً وحضوراً طاغياً وصورة ذهنية واكتمالاً في تراثها الغنائي كلماتٍ ولحناً وأداءً وتأثيراً عابراً للأجيال ، بما لم يسبقها إليه أحد ولم يصل إليه أحد في الشرق حتى الآن ولسنوات كثيرة قادمة .

 

وربما لهذا السبب تحديداً يمكن أن نتفهم ( ويجب أن يتفهم صُنَاع فيلم الست ) حجم الانتقادات ( وربما الاتهامات ) الموجهة إليهم لأنهم اختاروا أن يقدموا صورة ورؤية مغايرة للرواية الرسمية التي صدّق عليها واعتمدها الإحساس الشعبي عن " سيدة الغناء ".. وهو اختيار يجب أن يتقبلوا أي ردود فعل حوله .  

لكني لا أقبل نظرية المؤامرة في التعامل مع الفيلم، فأنا لا أتصور إطلاقاً أن صُنّاعه الأساسيين الفنانيّن مروان حامد ومنى زكي والكاتب أحمد مراد (برصيدهم الفني والجماهيري) والذين يتحملون مسئوليته ويدركون بالقطع معنى وقيمة ما تمثله أم كلثوم في العقل والوجدان وتاريخ الفن العربي ، يمكن أن يتعمدوا أو يتورطوا بفعل فاعل في تشويهها بأي شكل من الأشكال.. فهذا تصور لا يستقيم عندي مع أي منطق .

وكما قلت سابقاً فنحن أمام فيلم كبير ومهم، لكنه ليس مكتملاً فنياً ولم يأت معصوماً من أخطاء عديدة .

الخطأ الأهم من وجهة نظري أن التكنيك والمهارات الفنية العالية لم تنجح في إنقاذ إحساس للنص وللإخراج بالشخصية وبالأحداث فاتر وسطحي إلا قليلاً، وأن السيناريو سار بشكل عرضي فلم يعمق خطوطاً درامية ولا شخصيات ( مع احترامنا لمهارات الأداء التمثيلي ) فبدا الاستعراض بأسماء النجوم المشاركين أكثر حضوراً من التأثير الوجداني للشخصيات التي يجسدونها، بل إن شخصية " أم كلثوم " نفسها لم يعطنا النص ما يجعلنا نبني تفاعلاً عميقاً معها ولا إحساساً متصاعداً ولم يعطنا مبررات كافية لدوافع تصرفاتها وجوانب شخصيتها التي اختار الفيلم التركيز عليها دون غيرها، وهكذا أصبحت البطلة " منى زكي " (التي لاشك في موهبتها ولا في تمكنها كممثلة)  حبيسة الشخصية التي تقفز بها المشاهد من مرحلة إلى أخرى بمواقف انتقائية عابرة لا نكاد نقترب منها حتى تهرب من بين أيدينا، وحبيسة روحها التي أراد الفيلم أن يظهرها روحاً وحيدة حزينة أحياناً يائسة وكئيبة أحيانا دون أن تكون لدى البطلة ولا لدينا فرصة للتعايش مع "أم كلثوم مروان ومراد "حباً أو كرهاً ، لكنها بالتأكيد لم تكن شخصية مقنعة درامياً باستثناء مهارات فردية للبطلة أفلتت في مشاهد قليلة كمشهد خوفها عندما اقتحم سفاح مسلح بيتها للسرقة ومشهد ضعفها أمام طبيبها وهو يخبرها بخطورة مرضها ومشهد حزنها أمام جثمان أبيها المسجي .. أما نقطة الضعف الصارخة غير المفهومة فعلاً فهي في الإصرار على أن تؤدي منى زكي الشخصية بلكنة أرادوا أن تكون ريفية فخرجت أقرب إلى البورسعيدية ، بينما لم تكن " أم كلثوم " تنطق بهذه اللكنة أو تلك ، ولا نظن أن هذا مما يمكن اعتباره وجهة نظر أبداً !!!

والخلاصة هنا أنه إذا كان يمكننا اعتبار هذا الدور أهم أدوار منى زكي ( بحكم قيمة الشخصية التي تجسدها وحجم الفيلم إنتاجياً ) فالمؤكد عندي أنه ليس أجمل أدوارها بالقطع، فمستواها الحقيقي وإحساسها الطبيعي أعلى بكثير مما رأيناه وهي مقيدة بالرؤية الإخراجية في التقمص الشكلي والموضوعي ومقيدة بسيناريو وحوار لا يمنح أفقاً لتصاعد إحساس ولا لتحولات أداء تعادل تمثيلياً ما تفعله " الست " بنا غنائياً وهي تتنقل بين المشاعر وتتحول بين المقامات.

الخلاصة أيضاً أنه ومع كامل الحق لصُنَاع الفيلم في اختيار رؤيتهم للشخصية، إلا أنهم أولاً وأخيراً يقدمون هذا العمل لأنه عن " سيدة الغناء " وليس عن مجرد " سيدة "

 فهل قدموا ذلك ؟ .. لا أظن .

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

 


 

 

تم نسخ الرابط