"زواج الكشكول" فخ لقاصرات بني سويف

بنى سويف - مصطفي عرفة

<< قصص تدمي القلوب لفتيات في عمر الزهور خضن تجربة الزواج المبكر

<< التصديق على 1979 عقدًا لزواج قاصرات ببني سويف

<< مواليد وموتى بدون شهادات ميلاد أو وفاة

<< أطفال 10 سنوات في الصف الأول الابتدائي

<< الدين يرد على حجة زواج النبي من عائشة وهي في التاسعة

 

 

الطبلة والزغاريد تنطلق إيذانا بخطوبة البنت... والد العروس يصطحب في يده طفلة لا تتعدى الـ14عاما، أخفوا طفولتها بالمساحيق، ليقنعوا الحاضرين أنها عروس، وبكل بساطة يتم اقتطاع ورقة من "كشكول" وكتابة العقد عليها بحضور الماذون والشهود، ويذهب العروسان لمنزلهما انتظارا لبلوغهما السن القانونية لتوثيق الزواج، واستخراج القسيمة الرسمية.

"البنت مصيرها للجواز" شعار يرفعه الأهل منذ ولادة الفتاة، وأول خاطب يطرق بابها تتم الموافقة عليه، مهما كانت ظروفه أو كان سنه، المهم "البنت تتستر وتروح بيت جوزها"، وعندما تصل الزوجة للسن القانونية، يتم تصديق وتوثيق عقد الزواج بنفس العقد وبتاريخ جديد بعد إتمامها 18 سنة.

رقم عقود القاصرات التي تم التصديق عليها في محكمة الأسرة  ببني سويف خلال عام واحد، والذي أعلنته نرمين محمود، مقرر فرع المجلس القومى للمرأة ببنى سويف، وصل إلى 1979 عقدا، رقما مرعبا، خاصة إذا عرفنا أن حالات الطلاق بلغت 4095 حالة بينما بلغت حالات الخلع 379 حالة.

تقول "منى . أ": تزوجت من ابن عمتى زواجا غير رسمي وأنا فى سن 14، وانفصلت بعد عام واحد من زواجى لسوء معاملته لى، وضربى بسبب وبدون سبب، وكنت حاملا فى طفلة لم أستطيع استخراج شهادة ميلاد لها، ورفعت دعوى فى المحكمة، بعد أن عرفت من المحامى أننا ممكن اعتبار الزواج عرفيا بشهادة الشهود وجميع أهل البلد.

وكانت المفاجأة، أن والدتها تدخلت في الحديث، وأكدت أنها سوف تزوج اختها بمجرد حصولها على الشهادة الإعدادية، مؤكدة أنه ليس شرطا أن يحدث لها ما حدث لاختها، وتابعت أن البنت مصيرها للزواج، ضاربة مثلا بأنها تزوجت في سن أصغر من بناتها منذ 18 عاما، وكونت أسرة من 4 أولاد وبنتين، فهذا هو الطبيعي والمتبع لدينا في القرية.

وأشارت "مديحة. ز" من أهل القرية، إلى أنها كانت تشعر بالغيرة من بنت أختها التي تزوجت وأنجبت وعمرها 15 سنة، وابنتها وصلت 15 سنة ولم تتزوج حتى الآن، حتى جاءها أخيرا ابن الحلال.

"أم محمد": تزوجت بعد وفاة زوجى لأجد من ينفق علي وعلى بناتي الثلاثة: "هددنى زوجى بالطلاق وطردى من المنزل إذا لم أوافق على زواج بنتي زينب، فالتزمت الصمت حرصا على أبنائى وتزوجت ابنتى دون توثيق العقد لصغر سنها، وسجل المأذون بيانات الزوجين فى "كشكول" وحصل على ألفي جنيه من العريس".

حكت لنا "فاطمة" قصة تدمي القلوب قائلة: "تزوجت وعمرى ثلاثة عشر عامًا، نزولا على رغبة أسرتى بعد تركى الدراسة فى المرحلة الإعدادية، وفى العام الأول من الزواج، أنجبت طفلا لم أتمكن من تسجيله بالوحدة الصحية، والحصول على شهادة ميلاد نظرا لعدم استخراج قسيمة زواجى والاكتفاء بتسجيل المأذون بياناتنا فى كشكول لحين إتمامى ثمانية عشر عاما، لتوثيق عقد الزواج مقابل تقاضيه أربعة آلاف جنيه، وشاءت الأقدار أن يتوفى الطفل بعد ثلاثة أشهر ولم أتمكن من استخراج شهادة وفاته، ورغم التصريح بدفن الطفل، إلا أنه تم تحرير محضر ضد والدى وزوجى ومازالت القضية تنظر حتى الآن.

تحكى "مريم. ع" قائلة: أنا عمري 17 سنة، تزوجت من سنتين ومعي طفلين (عامان وعاما) وزوجي توفى فى حادث سيارة، وغير قادرة على استخراج شهادات ميلاد لأولادى، ولو عاد بى الزمن لن أتزوج، العيب على أهلي، فرحونى بالملابس الجديدة والهدايا وفستان الفرح، لكن في الحقيقة أنا حياتي انتهت.

أما "محمود الراوي" أحد أهالي المحافظة، قال: أنتوا عاملينها حكاية ليه، روح أى بلد فى بحرى أو فى الصعيد هتلاقى زواج القاصرات شىء عادى، ده غير العادى أن تتأخر البنت في الزواج، فمهما حصلت على شهادات مصيرها لبيت جوزها، وألا عاجبك العوانس إللى ملوا البلد؟!

يحذر محمد نديم: الموضوع انتشر بشكل خطير، ولم يعد يجدي معه ندوات توعوية، مطالبا بتغليظ العقوبة على المأذون وولى الأمر وحرمنهما من أى دعم، وأردف.. "روح أى مدرسة هتلاقى تلاميذ عمرها 10 سنوات فى الصف الأول الابتدائى مع أن أعمارهم طبقا لشهادات الميلاد 6 فقط، والأخطر من ذلك أن يموت قبل توثيق عقد والديه، ويتم دفنه فى سرية ولا من شاف ولا من دري.

وأكد الشيخ محمد عبده، إمام مسجد: من يقول النبى صلى الله عليه وسلم تزوج من السيدة عائشة رغم صغر سنها، أقول هذا تكليف إلهي، أما الآن فسن الزواج  18 سنة طبقا للقانون والطب، وبناءً عليه، فلا يجوز شرعًا الزواج للقاصر أقل من 18 سنة، موضحا أن المأذون الذى يزوج قاصرًا مجرمًا وآثم، لأنه أضر بالقاصرة وضيع حقوقها، وقد لا ينسب الطفل لأبيه بسبب ورقة، وقد تحرم الزوجة من الميراث بسبب ورقة.

يقول أحمد سعدانى، المحامى، المادة 31 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لعام 2008 تنص على أنه "لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق، أن يتم الفحص الطبي للراغبين فى الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض، ويعاقب تأديبًا كل من وثق زواجا بالمخالفة لأحكام هذه المادة".