نار "تهويد القدس" هل تحرق ترامب ؟
كتب - عبد الحليم حفينة
يعتقد الكثيرون أن إعلان ترامب نقل سفارة بلاده لدى إسرائيل إلى القدس الشريف مجرد وفاء بتعهد انتخابي، لكن من يدرك كيف تسير الأمور في أروقة السياسة؛ يعرف جيدًا أن كثير من تعهدات الحملات الانتخابية يطويها النسيان، وقد تظهر متطلبات جديدة تبدو ضرورية أكثر من تلك الوعود؛ لإحداث توازن يحافظ على استقرار النظام السياسي، ويبدو أن قرار ترامب جاء مدفوعًا بضغوط داخلية، وتصدعات بإدارته، كان جزءًا من رأبها إتخاذ قرار بهذه الخطورة، وله من العواقب ما يتسبب في إشعال حرائق هائلة بساحات السياسية في الشرق الأوسط، ربما لن تقوى على إخمادها جهود الدبلوماسية.
اتهامات بالتأمر
منذ إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية، والجدل لا يتوقف حول ترامب ورجال حملته، وكانت شخصية الرجل الغريبة على عالم السياسة، مادة دسمة للأخبار والتحليلات، التي تناولت كل ما شاع عنه وعن رجال حملته، ويعتبر التحقيق الذي يقوده المحقق روبرت مولر حول صلات بين حملة ترامب وروسيا، هو أخطر ما أضر بإدارة ترامب حتى الآن؛ حيث يعتبر المتهم الرئيسي في هذا التحقيق بول مانافورت مدير حملة ترامب السابق، والذي قد يواجه اتهامات بالتآمر على الولايات المتحدة، بالإضافة إلى اتهام مستشار الرئيس السابق للأمن القومي، مايكل فلين في ذات القضية.
"اللوبي اليهودي"
نايجل فاراج أثناء حملة ترامب الانتخابية
في نهاية شهر أكتوبر الماضي واجه السياسي البريطاني نايجل فاراج اتهامات بمعاداة السامية؛ بسبب تصريحات قالها في معرض دفاعه عن ترامب من إتهام رجال في حملته في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكي؛ حيث أشار إلى نفوذ "اللوبي اليهودي" نحو سير التحقيقات الجارية في هذه القضية، لافتًا خلال تصريحاته إلى أن عدد اليهود في الولايات المتحدة لا يتعدى 6 ملايين نسمة، لكن نفوذهم السياسي كبير جدًا بما لا يتلائم مع عددهم، في إشارة واضحة إلى تدخل "اللوبي اليهودي" في هذه القضية.
فاراج يعد الزعيم السابق لحزب استقلال المملكة المتحدة اليميني، والذي وصف خطاب تنصيب ترامب "بأنه ثورة سياسية حقيقية" أحد أكثر الساسة في أوروبا تأيدًا لترامب، وظهر إلى جواره أثناء حملته الانتخابية، كما لم يَغِب عن أول عشاء بعد تنصيب ترامب رئيسًا، وتعد هذه التصريحات من رجل وثيق الصلة بالرئيس الأمريكي، إلى وجود ضغط قوي يمارسه "اللوبي اليهودي" على ترامب من أجل الوفاء بتعهده تجاه القدس.
العشاء الأخير
شيلدون وزوجته مريم أديلسون
تقارير عديدة تحدثت عن علاقة ترامب باللوبي اليهودي، كان آخرها تقرير منشور على الموقع الإلكتروني لصحيفة نيويورك تايمز، الجمعة الماضية، أشار إلى التمويل الذي تلقته حملة ترامب من الملياردير اليهودي شيلدون أديلسون، والمقدر بـ 20 مليون دولار، بالإضافة إلى 1.5 مليون دولار لصالح اللجنة التي نظمت مؤتمر الحزب الجمهوري، وذلك مقابل وعد ترامب بنقل سفارة بلاده لدى إسرائيل إلى القدس .
في تقريرها ،قالت الصحيفة أن أديلسون وغيره من اليهود الداعمين لإسرائيل كان يشعرون بالإحباط والغضب، لتأخر إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، الأمر الذي دفع بتنظيم حفل عشاء خاص بالبيت الأبيض في نهاية شهر أكتوبر الماضي، دُعي له أديلسون وزوجته مريم، وحضره ترامب، وكوشنر، وستيفن بانون، الذي عارض قرار نقل السفارة في يونيو الماضي، الاجتماع شهد ضغطًا من أديلسون على ترامب لإنهاء المسألة، بينما أفادت الصحيفة أن قرار ترامب "سياسيًا أكثر منه دبلومسيًا"، وأن "المكاسب السياسية منه تفوق الخسائر".
مجبرا لا بطل
لأكثر من 22 عامًا رفض ثلاثة رؤساء؛ كلينتون، وبوش الابن، وأوباما، تطبيق قانون "سفارة القدس" الذي أقره الكونجرس عام 1995، ليأتي ترامب ويعلن على العالم في خطاب متلفز يوم الأربعاء الماضي وفائه بالوعد الذي كان قد قطعه على نفسه أثناء حملته الانتخابية، وقال ترامب بفخر: "أن هذا الأمر كان الوعد الرئيسي للحملات الانتخابية للرؤساء السابقين، في حين فشلوا في تحقيقه، بينما أنا أفعل"، بات من الواضح أن ترامب الذي يدعي أنه يحقق وعده الآن، امتثل لضغوط "اللوبي اليهودي"، التي حاصرته؛ خصوصًا بعد إختناق رجاله بالتحقيق الذي يقوده روبرت مولر، الأمر الذي يجعله في حاجة إلى نفوذ أديلسون ورفاقه، ربما تتبخر التحقيقات في وقتٍ لاحق!



