بعد الاحتجاجات.. إيران بين "التشدد أو الانفتاح"
كتب - مصطفى سيف
بدأت في أواخر ديسمبر في ثانِ أكبر المدن الإيراني، مدينة مشهد، ثم انتقلت كالنار في الهشيم إلى طهران، قم، وشيراز، وهي مدن إيرانية كبرى أعطت للاحتجاجات ضد "نظام الملالي" رونقًا مختلفًا، وكشفت عنّ أنَّ ما حدث في إيران ليس "سحابة عابرة".
المطالب واضحة لا لبس فيها: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، مطالب اقتصادية بحتة، احتوت على شعارات سياسية "الموت لخامنئي"، "عار عليكَ يا روحاني"، "توقفوا عن دعم الإرهاب".
المتظاهرين اعترضوا أيضًا على توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال تنظيمات مُسلّحة صُنِّفت وفقًا لعديد من دول العالم بـ"الإرهابية"، وذلك بدلًا من حل المشاكل الاقتصادية، وهو ما ظهر جليًا من خلال هتافٍ محدد "ترك سوريا، فكرنا".
شكوك وتساؤلات
تساؤلات عدة أُثيرت حول ما يمكن أن تصل إليه هذه الاحتجاجات التي واصلت طهران قمعها بالحديد والنار، خصوصًا بعد وصول عدد المعتقلين إلى 3700 فردًا، بحسب نائب إيراني.
جيم فيليبس، باحث في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة التراث الأمريكية؛ شكّك من خلال تصريحات لموقع "ذا ديلي سيجنال" في انهيار النظام بسبب هذه الاحتجاجات، إلا أنَّه أكَّد أن ذلك سيُضْعِف أسس النظام".
ويقول فيليبس إن الاحتجاجات الأخيرة في طهران له بعد آخر مفقود، وهو الأفراد في الريف الإيراني لأن هذه المنطقة هي تلك التي يتم انتقاء عناصر الحرس الثوري منها؛ فهذه الاحتجاجات كانت حكرًا على الشباب، والحضر، والمتعلمين الإيرانيين فقط.
الصمتُ الأوروبي
الصمتُ كان سر هذه الاحتجاجات من قِبل الدول التي تُصنّف على أنَّها محايدة ولا تريد "التدخل في شئون الآخرين"، خصوصًا وأنَّ الاحتجاجات لم تُحدِّث الضجة الصاخبة التي كان يريدها المتظاهرون لها.
فعلى الرغم من صمتْ الأمم المتحدة، أكبر مؤسسة معنية بانتهاكات حقوق الإنسان إلا أنَّ الانتقادات للنظام الإيراني لم تأتِ إلا من أعداءه الولايات المتحدة، إسرائيل، السعودية، وكندا.
بهنام بن تاليبلو، كبير المحللين الإيرانيين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات يقول إنَّ الأوروبيين يتخلفون وراءهم لأنهم أقل قلقًا بشأن الأمن والأفكار والمزيد من الاهتمام بالمصالح التجارية"، مشيرًا إلى أنَّ "كندا كانت أكثر استجابة من أوروبا".
تاليبو أشار إلى أنَّ واشنطن يجب أن تبذل مزيدًا من الجهد للضغط على أوروبا، خاصة وأنَّ هذه الدول رأت انتهاكات النظام الإيراني، إلا أنَّها فضّلت الصمت وركَّزت على الأولويات التجارية.
بينما تقول ناتالي نوجرايد في مقال لها بصحيفة الجارديان البريطانية إن "ما كان يمكن أن يُشهد له بأنَّه ثورة ديمقراطية يبدو الآن ضبابيًّا".
وأضافت: "إن الغضب ضد نظام فاسد حوَّل الموارد الإيرانية إلى مغامرات عسكرية يلقى المزيد من التشكك أكثر من الأمل" مؤكدة أنَّ الأنظمة الاستبدادية تستفيد من نظريات المؤامرة حول القوى الخارجية التي تعزز الاضطرابات".
الاحتجاجات واللغة الإنجليزية
لفتة هامة قد تخدم أحيانًا الأنظمة الاستبدادية؛ حيث حظرت إيران اللغة الإنجليزية من المدارس الابتدائية كمحاولة منها لمنع التأثير الغربي بعد الاحتجاجات الأخيرة ضد النظام في طهران.
وقال مهدي نافيد أدهم، رئيس مجلس التعليم العالي الذي تديره الدولة: "تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية الحكومية وغير الحكومية في المناهج الرسمية يخالف القوانين واللوائح"، مضيفًا: "الافتراض هو أنه في التعليم الابتدائي حجر الأساس في الثقافة الإيرانية للطلاب".
التأثيرات الاقتصادية:
الاحتجاجات كانت بالأساس على المشاكل الاقتصادية؛ إلا أنَّها تخطت للشعارات السياسية، والنظام الحاكم في طهران.
يقول موقع "وارتون" التابع لجامعة بنسلفنيا الأمريكية في دراسة أعّدها عن التغييرات الاقتصادية بعد الاحتجاجات في طهران: "يمكن للحكومة الإيرانية تهدئة المتظاهرين، خاصة من المدن الصغيرة، مع اتخاذ تدابير شعبية مثل التحويلات النقدية ودعم الطاقة".
أمَّا البروفسير فيليب نيكولز، المستشار القانوني لـ"وارتون" ذهب بعيدًا قائلًا إنَّ الاضطرابات الإيرانية "يمكن أن يُنظر إليها على أنها جزء من غضب عالمي من قِبل الأفراد الذين لم يغضبوا من الانكماش الاقتصادي منذ 2007-2008".
على الرغم من أنَّ العقوبات الأمريكية ضد إيران، رُفعت منذ عامين إلا أنَّ ذلك لم يحسن المستوى المعيشي للشعب الإيراني، لفصائل كثيرة في المجتمع الإيراني.
وبحسب بعض المراقبين فإن رفع العقوبات في عام 2015 سمح لإيران بزيادة التجارة مع أوروبا وآسيا؛ إلا أنَّ محاولات تحقيق النمو الاقتصادى يعوقه ضعف متأصل في الحكم في إيران.
ماذا تحتاج إيران؟
وفقًا لجواد صالحي أصفهاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، فإن ما تحتاجه إيران حقًا هو استراتيجية داخلية؛ مشيرًا إلى أنَّ حكومة طهران لديها موارد محلية كافية لخلق المزيد من فرص العمل.
وأضاف بحسب "وارتون": "البطالة في إيران واضحة بشكل خاص بين جيل الألفية والنساء، فمعظم الناس فوق سن الثلاثين لديهم وظائف في إيران، ومعدل البطالة بالنسبة إليهم هو حوالي 5٪، ولكن بالنظر إلى الشباب، ولا سيما الشابات، فإن معدلات البطالة مرتفعة جدًا، بالنسبة للنساء أكثر من 40%، وبالنسبة للشباب تتجاوز نسبة البطالة بين الشباب 20%".
وقال موقع بلومبرج الاقتصادي إنه قبل أسابيع من اندلاع الأزمة الأخيرة قدَّم روحاني مقترحات ميزانية خصصت 100 مليار دولار لبرامج الخدمة العامة لخلق فرص العمل ومعالجة أزمة مصرفية وإدخال برنامج جديد للضمان الاجتماعي. إلا أنَّه بعد الاحتجاجات فالحقائق الجديدة قد تدعو إلى نهج جديد.
وعلى الصعيد الاقتصادي أيضًا، فإن المشاكل تلوح في الأفق؛ وبالإضافة إلى الأزمة المصرفية، استنفد صندوق التقاعد الإيراني من خلال سحب الحكومة، وحذَّر من "أزمة في الأشهر المقبلة بسبب نقص الأموال لسداد رواتب التقاعد".
التأثير الإعلامي
بحسب موقع "وارتون" فإن الشباب الإيراني يبدو "غير منظم" خاصة وأنّ الاحتجاجات لم يكن لها زعيم يقودها، مشيرا إلي أن أفضل المجموعات المنظمة في إيران هم رجال الدين، وحزب المحافظين وخاصة الحرس الثوري الإيراني.
أمَّا أصفهاني فقال إن وسائل الإعلام لعبت "دورًا كبيرًا" في إثارة الاضطرابات فى إيران وخاصة غير الحكومية منها.
التغيُّرات بعد الاحتجاجات
تشير الاحتجاجات في إيران إلى أنَّ التغيُّرات التي قد تحدث بعد هذه التظاهرات لن تذهب بالبلاد بعيدًا في سبيل الاصلاحات الاقتصادية خصوصًا مع اهتمام النظام بسطحيات لا تغني ولا تسمن من جوع.
وظهر ذلك جليًّا بعد إعلان انتهاء الاحتجاجات في طهران، بأنَّ أول قرار اتُخذ هو "حظر اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية الإيرانية" لوقف الغزو الثقافي الغربي على حد تعبير رئيس مجلس التعليم الأعلى في طهران.
ومع خروج التظاهرات من مناطق متحضرة بعيدة تمامًا عن مناطق الريف التي يعتمد عليها النظام الإيراني في تجنيد عناصر الحرس الثوري الإيراني؛ فإنه من المتوقع تعيد حكومة طهران توجيه بعض الموارد إلى المدن الصغيرة الفقيرة والمهمشة، حيث إنَّ البطالة تظهر وتنتشر أكثر في المدن الصغيرة من المدن الكبيرة.
ولكن يفنّد البعض هذا القول؛ بأنَّ التظاهرات خرجت من أكبر المدن الإيرانية مدينة مشهد، إلا أنَّ ما حدث فيها من إفلاس للبنوك هو ما دفع للتظاهرات.
من المتوقع أيضًا أن يكون هناك ضغوط كبيرة من الداخل بعد الاحتجاجات لتغيير سياسة إيران الخارجية، فالشعب الإيراني فاض به الكيل وطفح من مواجهة سياسات اقتصادية متعنّتة بسبب أمريكا والأمم المتحدة والعقوبات المفروضة عليها.



