شخصيات من التاريخ الإسلامي بثياب جديدة في «حكاية نملة»
كتب - محمد نسيم
تراث مدفون (3)
(نصوص عربية، ننفرد بنشرها)
...
في معهد الثقافة والدراسات الشرقية بجامعة طوكيو، يقبع مخطوط عجيب، معنون بعنوان (كتاب حكاية نملة)، مجهول المؤلف، مجهول الناسخ، مجهول تاريخ النسخ. ننفرد بنشر ثلاثة نصوص من نصوصه العجيبة.
المخطوط يحتوي على مقدمة ذات طبيعة دينية، ثم مجموعة من الحكايات والقصص الوعظية، أبطالها مجموعة من الأنبياء والملوك والخلفاء وبعض أعلام الصوفية الأوائل، وقصص أخرى عن شخصيات غير مُعرَّفة.
وقد جدنا أن مقدمة المخطوط هي مقدمة كتاب (النوادر)، لشهاب الدين أحمد القليوبي، وهو رجل دين مصري غير معروف، متوفى عام (1069 هـ)، له بعض الكتب منها كتاب (النوادر) هذا. غير أن الكتاب لا يحتوي على بعض القصص والحكايات الواردة بالمخطوط.
وبصرف النظر عن نسبة المخطوط للقليوبي أو غيره، فالواضح من شكل الكتابة ونوع الخط أنه منسوخ في تاريخ يقترب من تاريخ حياة القليوبي.
يقف المؤلف ــ إذن ــ على رأس ألف سنة من التاريخ والتراث الإسلامي، وينظر إلى كل ما ورد في هذا التاريخ والتراث نظرة رجل دين وواعظ، لكنه أديب، يُحوِّل شخصيات هذا التاريخ والتراث إلى أبطال لقصص وحكايات أسطورية، تشبه حكايات ألف ليلة ليلة، لكنها لا تخلو من وعظ وإرشاد، كان هو الغرض من هذا الكتاب.
والآن، نترك شخصيات بعض الخلفاء المسلمين تظهر في ثياب جديدة، كما جاء في «حكاية نملة».
...
نقرأ، في المخطوط، ما يلي:
حكاية
حُكي أنه كان لهارون الرشيد جارية سوداء قبيحة المنظر، فنثر يوما دنانير بين الجواري، فصار الجواري يلتقطن الدنانير، وتلك الجارية واقفة تنظر إلى وجه الرشيد.
فقيل: ألا تلتقطين الدنانير؟! فقالت: إن مطلوبهن الدنانير ومطلوبي صاحب الدنانير. فأعجبه قولها، فقربها، وأثنى عليها خيرا.
فانتهى الخبر إلى الملوك، بأن هارون الرشيد يعشق جارية سوداء. فلما بلغه ذلك، أرسل خلف جميع الملوك، وجمعهم عنده، وأمر بإحضار الجواري.
وأعطى كل واحدة منهن قدحا من الياقوت، وأمر بإلقائه، فامتنعن جميعا. فانتهى الأمر إلى الجارية القبيحة، فألقت القدح، وكسرته.
فقال: انظروا إلى هذه الجارية. وجهها قبيح، وفعلها مليح. فقال لها الخليفة: لماذا كسرته؟! فقالت: قد أمرتني بكسره، فرأيت أن في كسره نقصا في خزينة الخليفة، وفي عدم كسره نقصا في أمره، والنقص في الأول أولى بقاء لحرمة أمر الخليفة. ورأيت أن في كسره وصفي بالمجنونة، وفي إبقائه وصفي بالعاصية، والأول أحب إليّ من الثاني.
فاستحسن الملوك منها ذلك، وعذروا الخليفة في محبتها. والله أعلم بما هنالك.
حكاية
حُكي أنه وقع في زمن عمر بن عبد العزيز قحط عظيم، فوفد إليه وفد من العرب، واختاروا رجلا منهم يخاطبه.
فقال له ذلك الرجل: يا أمير المؤمنين، إنا أتيناك من ضرورة عظيمة، وقد يبست جلودنا على أجسادنا لفقد الطعام، وراحتنا في بيت المال. وهذا المال لا يخلو من ثلاثة أقسام؛ إما أن يكون لله وإما أن يكون لك وإما أن يكون لعباد الله. فإن كان لله فإن الله غني عنه، وإن كان لك فتصدق علينا منه فإن الله يجزي المتصدقين، وإن كان لعباد الله فأعطهم منه حقهم.
فتغرغرت عينا عمر رضي الله عنه، ثم قال: إن الأمر كما ذكرت، أيها الرجل. وأمر بقضاء حوائجهم من بيت المال. فلما همُّوا بالخروج، قال عمر رضي الله عنه لذلك الرجل: أيها الرجل الحر، كما أوصلت إلينا حوائج عباد الله وأسمعتنا كلامهم، فأوصل كلامي وحاجتي إلى الله تعالى.
فحوّل الأعرابي وجهه إلى جهة السماء، وقال: إلهي، بعزتك وجلالك، اصنع مع عمر كما صنع مع عبادك. فما استتم كلامه حتى أمطرت السماء مطرا غزيرا، ووقعت بَرَدَة كبيرة على جرّةٍ فانكسرت، فخرج منها كاغد مكتوب عليه: هذه براءة من الله العزيز إلى عمر بن عبد العزيز من النار.
حكاية
حُكي أن الخليفة المأمون بلغه ما كان عليه الملك كسرى من العدل، فقال: بلغني أن الأرض لا تُبلي أجساد الملوك العادلة، وقد عزمت على أن أختبر ذلك في حق كسرى.
فتوجه بنفسه إلى بلاد كسرى، وفتح عن قبره، ونزل إليه بنفسه، وكشف عن وجهه، فإذا هو في غاية الجمال، والثياب التي عليه باقية على جدتها لم تتغير، ورأى في إصبعه خاتما من الياقوت الأحمر ليس في خزائن الملوك مثله، وعليه كتابة بالفارسية.
فتعجب المأمون غاية العجب، وقال: هذا رجل مجوسي عابد للنار ولم يضيّع الله ما كان يفعله من العدل في الرعية. ثم أمر بأن يُغطى بثوب من الديباج مرقوم بالذهب، وأعاد عليه قبره كما كان قبلُ.
وكان مع المأمون خادم خصيّ، فغافل المأمون وأخذ الخاتم المذكور، فلما علم المأمون بذلك ضرب ذلك الخادم ألف سوط، ونفاه إلى السند، وأعاد الخاتم إلى إصبع كسرى كما كان. وقال: إن هذا الخادم أراد أن يفضحنا بين ملوك العجم، حتى يقولوا: كان المأمون نبّاشًا للقبور.
ثم أمر أن يُسبك على قبر كسرى بالرصاص، حتى لا يُفتح بعد ذلك



