السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"الشرقاوي ثائرا "

الشرقاوي ثائرا
"الشرقاوي ثائرا "
كتب - مصطفى سيف

دفاعًا عن الحق والحقيقة، وشرف الكلمة، كان يكتب؛ تختلف أو تتفق معه في كتاباته سيظل علامة فارقة في تاريخ الأدب المصري، ثائرًا على الموروثات بالكلمة؛ ظلَّ حاضرًا في كل العصور، وقالها: "شرف الله هي الكلمة".

عبد الرحمن الشرقاوي، المولود في 1920 بالمنوفية، جاء في الفلاح الثائر لكمال علي محمد، إن "تعليمه كان على يد شيخ القرية"، وهو ما يفسر بعد ذلك غيرته علي صحيح الإسلام وأنَّ أغلب مسرحياته التي كتبها كانت عن شخصيات إسلامية لها قدرها في الوعي الجمعي المصري بالأخص.

كان أبوه وأخوه الأكبر يخافان عليه من أن يصرفه الأدب والقراءة عن عمله بالمحاماة بعد أنَّ تخرّج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1943، على الرغم من أنَّه اشتغل بالمحاماة لمدة عامين إلا أنَّه في النهاية قرر أن يكتب ما يحب، ويشعر أنَّه سيجد نفسه به.

على الرغم من خوف أبيه وأخيه الأكبر إلا أنَّ ذلك لم يمنعه من انتظار أخواته الذين يعودون من القاهرة في إجازات العام الدراسي وهم مُحمّلون بالكُتُب لقراءتها، وكان يلمح أسماء كبار الكُتّاب عليها في ذلك الوقت كالعقاد، وأحمد شوقي، وطه حسين، ومحمد حسنين هيكل، ومصطفى المنفلوطي، وهو ما شكّل الوعي الثقافي لديه بعد ذلك.

 

الفلاح المبدع

ربما يمكن اعتبار "الشرقاوي" أول من وضع الفلاح والقرية وكفاحها شغله الشاغل، إلا أنَّه في النهاية كانت رؤيته أيضًا في منتجه الأدبي سواء شعرًا أو مسرحيًّا أو روائيًا تمتزج ما بين السياسة والمجتمع، فكان يکتب عن قضايا الواقع في مجتمعه، يعتقد بإصلاح المجتمع وتغيير النظام.

وأكثر عمل أدبي يتعرض له الشرقاوي لحياة الفلاح والظلم الذي تعرّض له كانت روايته "الأرض" التي تحوّلت إلى فيلم بطولة محمود المليجي، وإخراج الراحل، يوسف شاهين، والتي نسف من خلالها كل المعتقدات عن القرية وتصويرها من النظرة الرومانسية أنَّها جنة الله على أرضه.

 

 

ولم ينحاز الشرقاوي لطرفٍ على آخر، ولكنّه قدّم الشخصيات داخل الرواية بكل ما تحمله الشخصيات بما لها وما عليها، فلم يقدم مجرد شخصية روائية بل قدَّم لك إنسان تتعايش وتتفهم ظروفه وما يتعرض له، علاوة على نجاحه في تصوير المشاهد داخل الرواية وكأنكَ تشاهد فيلمًا سينمائيًا.

"إنّي منذ أخذت الکلمة أداة للتعبير، أعيش لأکتب وما أنا من هولاءِ الذين يکتبون ليعيشوا، من أجل ذلك قد عانيت أهوالًا من ألوان العذاب في أيام منعي من الکتابة أو إمتناعي مرغمًا عن الکتابة ويومًا بعد يوم تحولت الالآم النفسية إلی آلام جسدية هائلة، وکلما أمسکت بالقلم لأکتب داهمتني آلام جسام لا يطفيها بشر کأنهّا عذاب الحريق"، هكذا يصف حاله في الكتابة.

 

قلوب خالية

لعل أشهر رواياته على الإطلاق هي الأرض، وهي التي أذاعت صيته بين كُتّاب الرواية، ولكن في سجلات كتاباته عديد من الروايات مثل قلوب خالية، والشوارع الخلفية والفلاح، إلا أنَّه- بحسب كتاب الأدب العربي الحديث لمؤلفه "بول ستاركي"- لم يستطع أن يحقق في هذه الروايات نفس نجاح "الأرض".

ويرى البعض أنَّ أمتع الروايات الثلاث التي تلت أول رواية له كانت "الفلاح" إلا أنّها لا تختلف كثيرًا عن توجُّه "الشرقاوي" بشأن الفلاح، ما يميزها عن سابقتها فقط أنَّها كُتبت بعد ثورة يوليو 1952، وربما كانت روح التفاؤل فيها أكثر من "الأرض" بكثير.

على أيةِ حالٍ فإن روايات "الشرقاوي" كانت تتلامس أكثر مع الواقع الذي يعيشه المجتمع المصري آنذاك، وتناولت المجتمع بكل أطيافه، فمثلًا رواية الشوارع الخلفية، كان بطلها الضابط شكري عبد العال، الذي يُعاقب بالإحالة والتقاعد لرفضه قتل المتظاهرين ضد الاحتلال الإنجليزي.

 

مأساة جميلة

أغلب المسرحيات التي كتبها "الشرقاوي" نجدها بين الديني والتاريخي، مثل الحسين ثائرًا والحسين شهيدًا، ومسرحية مأساة جميلة، والتي تتحدث عن الجزائرية جميلة بوحريد، ولكن ما ميّز الشرقاوي أنَّها انطلق لمناقشة قصة الاثنين من منطلق عقلي لا عاطفي.

مسرحية الحسين شهيدًا، بعيدًا عن الإشكالية الدينية التي تحوم حول إلا أنَّ النص الأدبي الذي كتبه "الشرقاوي" للتعبير عن مأساة الحسين، سيظل أفضل من أعمال كثيرة تناولت الحسين من وجهة النظر الدينية، هو تناولها من وجهة نظر الحق والخير والجمال، وعبّر عن ذلك في كلام الحسين حين قال: "إنني أعرف أن الحق مصلوب على باب المدينة".

مسرحية الحسين ثائرًا؛ "الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، الكلمة فرقان بين نبي وبغي، شرف الله هو الكلمة"، فالنص الأدبي متمثلًا في الحوار بين داخل المسرحية جاء في حبكةٍ فنيّة رائعة دون أدنى جور على صدق التاريخ، ويرى البعض في هذه المسرحية بالأخص عبرًا، ودلائل تستخدم لأي زمن، وما أشبه الليلة بالبارحة في زمننا هذا، والبعض شبّها بملحمة مثل الملاحم اليونانية في الزمن البعيد.

 

 

 

قصائد منسية

تميّز شعره بالكثير من الاغتراب، والقليل من الحنين، ولكن لذلك سبب، وهو الفترة التي عايشها "الشرقاوي" والظروف التي أحاطت به سياسيًّا واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وهو يدفعه للبحث عن ملجأ لدي الطبيعة وآخر عند المرأة أو الحبيبة.

وأشعاره من حيث المذهب الذي اتبعه تقع بين الرومانسية والواقعية، وهي كالتالي: "من أب مصري إلی رئيس ترومان"، و"تمثال الحرّية" و"قصائد منسية"، كلها دواوين صدرت له في شبابه، وكان وقتها واقعًا تحت تأثير الرومانسية وعواطف الشباب، إلا في ديوانه "من أب مصري إلى رئيس ترومان".

"من أب مصري إلى رئيس ترومان" إنّ قصيدته كتبها في باريس عام 1951م، من قصائده السياسيّة ورسالة مفتوحة بعث بها الشّرقاوي إلی الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت "هاري ترومان" تجنّب العالم ويلات الحرب وما تجّره من خراب ودمار ويطالبه بالعمل علی إقرار السّلام.

 

رسول الحرية

كتاباته هنا تعني الكتب التي كتبها بعيدًا عن الأدب؛ وإن كانت جزءًا لا يتجزأ من انتاجه الثقافي بصفة عامة، إلا أنَّ أغلبها يتعرض لشخصيات دينية أيضًا، مثل "علي إمام المتقين" والذي شمل جزئين، والفاروق عمر، وأئمة الفقه التسعة، ومحمد رسول الحرية، وعمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء.

نبدأها بمحمد رسول الحرية، ليس كتابًا كما تعتقد، ليس كتابًا دينيًّا، وإنما كتابًا لإعمال العقل في كل ما فعله رسول الله، محمد صلى الله عليه وسلم، 

 في بداية الكتاب:يقول "لسنا في حاجة لكتابٍ جديدٍ عن الدين، يقرأه المسلمون وحدهم ،لكننا في حاجة لمئات من الكتب الذي يمثله الإسلام كتب يقرأها المسلمون وغير المسلمين، تصوِّر العناصر الإيجابية في تراثنا، وتصور ما هو إنساني في حياة صاحب الرسالة".

وما يميز رسول الحرية أنّه كُتِب بأسلوب قصصي، ومشوِّق، حيث أنَّ الكُتُب كثيرة التي تتحدث عن "محمد"، وأيضًا أنَّه تناول النبي كإنسان، كبشر مثلنا يخطئ ويصيب، هذا هو قيمة الإعجاز، أميٌ عنده فطرة حسنة، حمل الرسالة بتكليف إلهي، فأداها وبلَّغها كأجمل ما يكون.

علي إمام المتقين؛ ربما ما اتبعه مع النبي محمد؛ اتبعه أيضًا مع الإمام علي بن أبي طالب، وتناول لديه الجانب الإنساني أكثر من الجانب الذي تعرفه كل الناس، ومسرود في أمهات الكُتُب بوصفٍ ممل، ويقول "الشرقاوي" نفسه في بداية الكتاب: "هذا ليس كتابًا للتاريخ ولا هو كتاب سيرة ولا هو مفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم" إنما أراد "الشرقاوي" بهذا الكتاب اصطناع شكلًا فنيًّا أقرب للفن القصصي اعتمد فيه على حقائق التاريخ الثابتة ليعرض مبادىء الإسلام و قيمه من خلال تصوير فني.

(عبدالرحمن الشرقاوي صحفي وأديب مبدع، رمز من رموز مؤسسة روزاليوسف، فقد شغل رئاسة مجلس إدارتها).
 

تم نسخ الرابط