الأحد 21 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

قصة 1595 يومًا من الكفاح الدبلوماسي في "إفريقيا"

قصة 1595 يومًا من
قصة 1595 يومًا من الكفاح الدبلوماسي في "إفريقيا"

خرجت نكوسازانا دلاميني زوما، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي معلنة تعليق عضوية مصر في الاتحاد، في الخامس من يوليو 2013، احتجاجًا على سقوط نظام الإخوان، بزعم أن الإطاحة بالرئيس المخلوع مرسي تمت بطريقة غير دستورية.

خرج الإخوان وحلفاؤهم القطريون مهللين للقرار، الذي تجاهل إرادة شعب خرج قرابة ثلاثين مليونًا منه في الشوارع ثائرين في الثلاثين من يونيو، مطالبين بتصحيح مسار ثورة ٢٥ يناير، بإسقاط حكم المرشد، حماية لهوية الدولة الوطنية، وحفاظًا على الصبغة المدنية لدولة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ لأكثر من سبعة آلاف عام.

تكالبت الأمم على مصر، إلا القليل من المخلصين المحترمين لإرادة المصريين، بينما كانت مصر بكل مؤسساتها عازمة على حماية إرادة شعبها، منطلقة من تلاحم الشعب ومؤسساته في الداخل للانطلاق لتصحيح مفاهيم الخارج حول حقيقة ما حدث في مصر.

 

أمس الأول، قررت 55 دولة إفريقية بالإجماع انتخاب مصر، رئيسًا للاتحاد الإفريقي، دورة ٢٠١٩.

ما بين الخامس من يوليو ٢٠١٣، و٢٨ يناير ٢٠١٨، انقضى ١٥٩٥ يومًا من الكفاح الدبلوماسي، لعلاج مشكلات الماضي وسد ثغرات خلفتها سنوات الغياب المصري عن القارة السمراء، وهي الأيام الحبلى بالإنجاز المتمخض عنه أمس الأول، هي قصة تستحق أن تروى.

لم يكن الإنجاز المتحقق، إلا نتاج استراتيجية محكمة، ورؤية عميقة صاغتها قيادة حكيمة، وعمل جاد لا يعرف الكلل ولا الملل، وإرادة سياسية فولاذية، ونظرة واقعية تعمل من منطلقات المصالح المشتركة لتحقيق المكاسب الجماعية وفي مقدمتها مصلحة الوطن.

 

البداية

كانت البداية، إعادة بناء مؤسسات الدولة، فبدون بناء أعمدة الدولة لن تكون قادرة على بسط نفوذها في المحيط.

 

 

واستمرت الجهود الدبلوماسية، ومساعي مصر لتوحيد كلمة العرب في المحافل الدولية، ففي الأمم المتحدة عام ٢٠١٤، استطاعت مصر توحيد كلمة الأفارقة حول متطلبات القارة تنمويًا، وحددت مسؤولية الغرب، كان ذلك في نقاشات الآثار السلبية للمتغيرات المناخية وآليات مواجهتها.

نجحت مصر حينها في وضع دراسات ما قبل الجدوى، ولم تكتف بذلك بل وفرت معهد تدريب للأشقاء بعدد من الدول الإفريقية لتدريب كوادرها على صياغة دراسات جدوى مماثلة، فكانت كلمة الأفارقة واحدة، القارة تحتاج ٥٠ مليار دولار لمواجهة التغيرات المناخية وإيجاد مصادر للطاقة المتجددة.

يومها أشاد الرئيس الفرنسي بالدور المصري في توحيد كلمة الأفارقة، فمسؤولية التغيرات المناخية الضارة تقع بالأساس على عاتق الدول الأوروبية الصناعية الكبرى، فنمها تخرج غالبية الانبعاثات الحرارية، بينما الدول النامية تدفع الثمن.

وأسفرت الجهود الإفريقية بقيادة مصرية عن تشكيل لجنة على مستوى الرؤساء والحكومات المعنية بالتغيرات المناخية، ضمت ٦ دول إفريقية بينها مصر وممثل للبنك الإفريقي وممثل لفرنسا وآخر للأمم المتحدة، تلقت منح قيمتها ٦ مليارات دولار، بخلاف مليون ونصف المليون دولار لدراسات الجدوى.

كان نتاج ذلك الجهد المصري صدور توصية بالإجماع من الدول الإفريقية الأعضاء بمنح مصر عضوية دائمة باللجنة لقاء ما طرحته عبر رئيسها عبد الفتاح السيسي من مبادرات خدمة التنمية في القارة السمراء ومشروعات الطاقة المتجددة بها، وتحولت التوصية إلى قرار اتخذه الاتحاد الإفريقي أمس.

وفي طريق استعادة إفريقيا للحضن المصري، كانت توضع العقبات من آن لآخر، وتتوالد التحديات، وفي مقدمتها سد النهضة، لكن كانت القيادة السياسية المصرية، تنطلق من رؤية شاملة واقعية مفادها دعم جهود التنمية في إثيوبيا دون السماح بالأضرار بالمصالحة المصرية وحصتها في المياه: "لكم تنميتكم ولنا مياهنا".

 

 

وفي سبيل ذلك بذلت الجهود الدبلوماسية بقيادة رئاسية، فلم تترك مصر الساحة لحظة واحدة، فقد كانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإثيوبيا ٢٤ مارس ٢٠١٥، حدثًا تاريخيًا، فهي الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها رئيس مصري لإثيوبيا منذ ٣٠ عامًا.

هذه القطيعة على مستوى الزيارات الرئاسية لدولة إفريقية مهمة، وتمثل أهمية خاصة لمصر، لمدة ثلاثين عامًا، ثم ما فعله الرئيس عبد الفتاح السيسي تعكس مدى تطور الرؤية والاستراتيجية الدبلوماسية في التعامل مع دول تربطنا بهم علاقات شراكة في المصير، هل هناك أهم من الشراكة في شريان الحياة نهر النيل؟!

 

 

الزيارات الرسمية للدول الإفريقية لم تكن مقصورة على السودان وإثيوبيا، بل امتدت في ديسمبر ٢٠١٦ لأوغندا، حيث تبادل الرئيس السيسي ونظيره يوري موسيفيني المباحثات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الشراكة في مجالات التنمية، وتوحيد المواقف في المحافل الدولية، ودعت مصر موسيفيني لزيارتها فلبى الدعوة وزارها في فبراير ٢٠١٧.

 

 

وتوالت الزيارات لدول إفريقية بلغت ١٢ زيارة لثماني دول فإلى جانب إثيوبيا والسودان وغنيا الاستوائية وأوغندا زار الرئيس عبد الفتاح السيسي كلًا من تنزانيا، ورواندا، والجابون، وتشاد.

 

 

تلك الجولات المكوكية التي طاف خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي للقارة الإفريقية شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، انطلقت من استراتيجية عميقة الأهداف

 

 

تمخضت بالنهاية عن تحقيق عدة أهداف تصب جميعها في خدمة الدولة المصرية والقضايا الإقليمية والبلدان الإفريقية الشقيقة ومنها:

 

 

١ - استعادة مصر دورها الإقليمي بمحيطها الإفريقي، وتمخض ذلك عن انتخاب مصر بالإجماع رئيسًا للاتحاد الإفريقي بعد أربع سنوات وبضعة أشهر من قرار تعليق عضويتها.

٢-  توحيد كلمة الأفارقة في المحافل الدولية خاصة الأمم المتحدة، وأثمر ذلك تشكيل لجان للتنمية وتحميل الغرب مسؤولية دعم مشروعات توليد الطاقة المتجددة والمشروعات التنموية لتخفيض مخاطر التغيرات المناخية بالدول الإفريقية.

٣ - خلخلة القضايا العالقة، وفي القلب منها قضية سد النهضة، والتوصل إلى رؤية ثلاثية مصرية سودانية إثيوبية مشتركة تنطلق من حماية حقوق مصر المائية مع الاعتراف بحق إثيوبيا في التنمية، وهو ما خرجت به القمة الرئاسية الثلاثية، وما يتبعها من تكليف لجنة رفيعة المستوى إنهاء الإجراءات الفنية في غضون شهر.

٤ - تشكيل صندوق لدعم التنمية في مصر والسودان وإثيوبيا.

٥-  تشكيل لجنة على مستوى الرؤساء والحكومات المعنية بالتغيرات المناخية، حصلت مصر بالأمس على عضوية دائمة بها، نجحت في تفعيل مبادرتي الرئيس السيسي اللتين أطلقهما بالأمم المتحدة بشأن الطاقة المتجددة وتخفيض مخاطر التغيرات المناخية، من عوائدها على مصر بدء تنفيذ أكبر محطة توليد طاقة شمسية في الشرق الأوسط بمصر، وكذا أكبر محطة توليد طاقة الرياح.

 

 

٦ - التعاون المصري - الإفريقي، أسفر عن موقف موحد بالأمم المتحدة داعم لإقامة الدولة الفلسطينية، رافض لقرار ترامب أحادي الجانب بنقل السفارة الأمريكية للقدس.

٧-  نجحت مصر في إحباط مخططات الكيان الصهيوني للتغلغل في إفريقيا، ففشلت مساعي تنظيم قمة "إسرائيل - إفريقيا" التي دعت لها تل أبيب.

فلم تكن الإنجازات المتحققة على الساحة الإفريقية في الساعات الأخيرة، إلا ثمار كفاح دبلوماسي، واستراتيجية واقعية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فتحية لقائد ذي بصيرة وللخارجية المصرية بقيادة وزيرها سامح شكري.

عودة إفريقيا لمصر نجاح يُضاف لنجاحات كبيرة داخلية وخارجية تحققت في السنوات الأربع الأخيرة.

 

 

تم نسخ الرابط