ازدواجية السوشيال والغرب بين "هدوء" عفرين و"احتراق" حلب والغوطة
كتب - مصطفى سيف
ازدواجية يعيشها رواد السوشيال ميديا، خاصة في العالم العربي؛ تفاعل مع أشياءٍ ربما تبدو تافهة في نظر البعض؛ وغضَّ الطرف عن أشياء هي بمثابة الجحيم الذي يحدث على الأرض، هذه الازدواجية تنميها نظرية "ركوب الموجة".
"ركوب الموجة" في عُرف "السوشيال ميديا" بكل أنواعها ينمي فكرة "تكريس" الفهم الخاطئ لشيء ما أو إيهام العالم بشيء ربما لا يكون صحيحًا أغلب الوقت؛ فركوب الموجة أحيانًا يصوِّر للبعض أنَّه يفقه في كل شيء ويخرج بـ"فلسفات عميقة" لا تمُّت للواقع بأية صلة.
هذه الازدواجية تحدث غالبًا مع سوريا والأحداث التي تحدث فيها؛ وعلى اختلاف المواقف السياسية، سواء كنتَ تجلس في مدرّج اليمين مع بشار الأسد، أو سواء كنتَ في مدرج اليسار مع المعارضة السورية.
منذ أنَّ اصطُلح على مفهوم "اللجان الإلكترونية" (وهو مفهوم انتشر حديثًا مع وجود مدرجات يمينية ومدرجات يسارية تعارضها في الفضاء الإلكتروني)، بات الحديث على مواقع السوشيال ميديا أشبه بـ"الطنطنة الفارغة" التي لا تجدي ولا تسمن من جوع.
بالعودة إلى شهر أبريل 2016 وانطلاق "هاشتاج #حلب_تحترق"، بدا الأمر أشبه بالتعاطف الإنساني في المقام الأوّل دون التعاطي مع الواقع على الأرض؛ انتشار صور الجثث والقتلى والأطفال والنساء لا يمكن ألا تتعاطف معها مهما وصلت من درجة في الفُجْر، إلا أنَ تسب وتلعن وتشتم وأنتَ لا تعرف شيئًا فتلك درجة من درجات الازدواجية التي تمارسها مع نفسك في المقام الأول.
لا يمكن الادعاء أو حتى التأكيد بهوية أولئك الذين يتداولون صور القتلى والجثث والجرحى، فالعالم العربي كلّه تقريبًا تعاطف مع حلب وما يحدث فيها تعاطفًا وصل إلى حد البكاء إلا أنّه في النهاية أقصى ما يمكنهم فعله هو "تغيير الصورة الشخصية" لهم على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
ما أشبه الليلة بالبارحة؛ أمس حلب تحترق؛ واليوم الغوطة الشرقية تُباد، وبينهما عفرين ضائعة، على الرغم من أنَّ عفرين منطقة سورية على الحدود الشمالية مع تركيا إلا أنَّ الازدواجية طغت فغطت.
إلا أنَّ رواد السوشيال ميديا ربما "نسوا" أو "تناسوا" عفرين، ويرجع هذا ربما لعدة أسباب؛ أولها هو أن غالبيتها "أكراد"، وثانيها هو أنَّ البعض منهم يرى أن أردوغان يدافع عن حقّه ضد "منظمات هو نفسه يصنفهم كإرهابيين".
وبمتابعة بعضًا من الحسابات الإلكترونية على "تويتر" و"فيس بوك" التي كانت تطلق هاشتاج "حلب تحترق" و"الغوطة الشرقية تحترق"، لا تجد أحد منهم يقول "عفرين تُنتهك" أو "عفرين تُباد" ربما لأن الإبادة على يد "شخص يصنّفوه زعيمًا إسلاميًّا لهم" أمرٌ واجب شرعًا.
الغرب قصة مبتذلة
أمَّا الغرب؛ فهو قصة مبتذلة في مسلسل درامي سخيف؛ تشعر وأنَّت تتابعه أنَّ مؤلف السيناريو لم يسمع أو يقرأ في حياته سوى جملة واحدة تتكرر في كل الحلقات وكل المشاهد "نعرب عن قلقنا البالغ إزاء الهجوم" وقِس على ذلك كل ما يحدث في سوريا إذا قام به الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
أمَّا فيما يتعلّق بالرئيس السوري بشار الأسد فتخرج الاتهامات التي تطاله- هذا بعيدًا عن الموقف السياسي منه سواء كنتَ تراه مجرمًا أو محافظًا على شعبه وبلده- وتتهمه بتدمير سوريا، وتخريبها، بل وتدخل التحالف الدولي في سوريا دون إذن على الرغم من أنَّ ذلك انتهاكًا للسيادة وفقًا لقوانين الأمم المتحدة.
القاعدة التي تقول "طالما أنّك شخصية عامة فيجب عليك أن تتحمل الانتقاد" يفهمها رواد السوشيال ميديا خطأ؛ فليس معنى الانتقاد أن تطال شخص وعائلة الشخصية العامة، انتقد برأي، وبدلائل، لكن الشتم والسب واللعن والهاشتاجات "ثرثرة" لا تتعدى كونها ثرثرة.



