أسعار الفائدة في مصر ما بين نارين "التضخم والاستثمار"
كتبت - نهاد مهينة
تعريف سعر الفائدة، أهميتها على مستوى الأفراد والقطاع الاقتصادي عامةً
تقلبات أسعار الفائدة وأثرها على كل من المُستهلك والمُستثمر
أسباب وتداعيات قرار البنك المركزي الأخير بخفض سعر الفائدة في مصر
أثار قرار البنك المركزي المصري بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس "1%" وذلك في يوم 15 من فبراير الجاري العديد من الآراء حوله ما بين مؤيد ومعارض، فالبعض يرى القرار مناسبا نظراً لانخفاض معدل التضخم مقارنةً بسنة الأساس ولأجل تشجيع الإستثمار أيضا، ولكن علي الجانب الاخر من يري ان هذا القرار غير مناسب وكان لابد من الإستمرار علي معدلات مرتفعة لسعر الفائدة نظراً لوجود توقعات بضغوط تضخمية أخرى خلال 2018. دعنا نستعرض القضية بشئ من التفصيل.
فما هو سعر الفائدة من الأساس؟
سعر الفائدة هو عبارة عن تكلفة رأس المال أو الائتمان خلال السنة؛ ، وهو أيضاً النسبة التي تحصل عليها البنوك عند تقديمها قروض للمستثمرين أو المواطنيين العاديين ، وسعر الفائدة ايضاً هو ما تدفعه البنوك للمدخرين بها مقابل ما لهم من ودائع وحسابات.
أهمية سعر الفائدة
لأسعار الفائدة أهمية كبيرة نظراً لتأثيرها علي العديد من القطاعات وعلي الأفراد أيضاً.
على مستوى الأفراد: يختلف تأثير سعر الفائدة علي الفرد بإختلاف أولوياته فمثلأ إذا افترضنا ارتفاع أسعار الفائدة، هذا القرار سيمُثل عائقاً للأفراد الذين يريدون الإقتراض بغرض شراء سيارات أو عقارات مثلاً لأن ذلك القرار يعني زيادة تكلفة التمويل المالي بالنسبة لهم، وعلي الجانب الاخر سيكون هذا القرار مشجعاً للأشخاص الذين يستهدفون مستويات أعلي من الدخل عن طريق الادخار البنكي.
على المستوى العام: تُمثل أسعار الفائدة أهمية كبيرة في توجيه القطاع الإقتصادي وفقاً للحالة التي تمر بها الدولة حيث يتم إستخدامها كأداة لضمان توازن كمية المعروض والمطلوب من النقود ، التاثير علي حجم الإستثمار والإدخار ، لذلك تُعد من أهم أدوات السياسة النقدية للدولة.
التغير بأسعار الفائدة
مثلا إذا افترضنا تغيرسعر الفائدة نحو الإرتفاع فهذا يؤثر علي العديد من القطاعات ، فيؤدي إلي خفض معدلات الاستهلاك، حيث أنه كما ذكرنا يؤدي ارتفاع نسبة الفائدة إلى ارتفاع التكلفة المترتّبة على الاقتراض من المصارف "ارتفاع تكلفة التمويل"، ممّا يؤدي إلى اقتراض الأفراد كمية أقلّ من القروض، وينتج عن ذلك تقليل حجم النفقات الاستهلاكيّة.
التأثير في حجم الاستثمار ؛ حيث يؤدي ارتفاع نسبة الفائدة إلى خفض معدلات الإستثمار ، نتيجة زيادة تكلفة المال المقترض لغرض إقامة المشروعات والاستثمار بها.
تداعيات وتطورات الحالة المصرية
وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري "انتهج البنك المركزي سياسة نقدية تقييدية بشكل إستباقي ومؤقت من أجل إحتواء الضغوط التضخمية التي واجهها الإقتصاد المصري والتي تؤثر بشكل مباشر علي المواطن. كما أعلن البنك المركزي في مايو 2017 ولأول مرة في تاريخه عن معدل التضخم المستهدف وتوقيت تحقيقه، وهو 13 ±( %3 )%في الربع الأخير من 2018 ومعدلات أحادية بعد ذلك".
حيث جاء رفع سعر الفائدة في ذلك الوقت كأداة من أدوات هذه السياسة التقيدية مستهدفين من تطبيقه خفض معدلات التضخم وضبط الأسعار.
وتغير الوضع خلال الفترة السابقة حيث وفقاً للاحصاءات الرسمية وبيانات البنك المركزي سَجل معدل التضخم في يناير 2018 ادني مستوياته علي الإطلاق منذ اكتوبر وسبتمبر2016 ليُسجل وفقاً للبيان " ليسجل 17.1 % و 14.4 % فى يناير 2018 ، بعد أن بلغ ذروته عند 33.0 % و 35.3 % فى يوليو 2017 على الترتيب".
ولذلك جاء قرار البنك المركزي سريعاً بخفض معدلات الفائدة بمقدار 1% وسط توقعات بإستمرار هذا الإنخفاض نظراً لسير معدلات التضخم بالمعدل المخُطط له مسبقاُ وعدم وجود الحاجة لإستمرارية المعدلات المرتفعة لسعر الفائدة.
تباينت الآراء حول ذلك القرار ما بين مؤيد ومعارض
أبدى الكثيرون ترحيبهم بهذا القرار لما فيه من تحفيز لعجلة الإستثمار بل أبدوا أيضاً توقعاتهم بانخفاض أكبر لأسعار الفائدة ومن بين هؤلاء كان مسئولي شركة " هيرميس" حيث صرح خليل البواب المدير التنفيذي بقطاع إدارة الأصول في الشركة أن "قطاع الأصول بالشركة يتوقع خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنسبة 3% فقط خلال العام الجاري".
وأضاف أيضا خلال تصريحاته أن "الحفاظ على نسبة تضخم صحية مهم من أجل نمو الاقتصاد".
وعلى الجانب الآخر.. جاءت بعض الآراء الأخرى لتحذر من هذا القرار واصفين إياه بأنه سابق لأوانه.. وجاء علي رأس هذا الإتجاه "صندوق النقد الدولي " حيث جاء في تصريحات مسئولية تحذير من إتباع سياسة نقدية تيسيرية سابقة لأوانها وتدهور الوضع الأمني، وحذر الصندوق مصر من خفض أسعار الفائدة قبل الأوان.
ويدفعنا هذا العرض لطرح مجموعة من التساؤلات:
هل انخفضت الأسعار فعلياً على أرض الواقع؟
هل كان خيار رفع الفائدة منذ البداية هو الدواء الأنسب لمشكلة التضخم بمصر؟
يقف الكثيرون أمام البيان الأخير للبنك المركزي متسائلين " عن أي انخفاض أسعار يتحدثون!!" ، تأتي الإجاية من المحللين الإقتصادين لتخبرنا بأن تراجع معدلات التضخم بالإحصاءات الأخيرة لا يعني إنخفاض الأسعار بل يعني إنخفاض سرعة التزايد ، وشتان الفارق بين المعنيين..
ويتجه العديد من المحللين إلي رفض فكرة " رفع الفائدة " كوسيلة للحد من التضخم من الأساس مستندين في ذلك علي الحالة الواقعية لمجتمعنا، فالسبب الحقيقي للتضخم يرجع للصدمة التي تعرض لها السوق ما بعد التعويم أي بفعل " رفع الأسعار بشكل مباشر نظراً لتغير قيمة العملة ولعدم وجود مراقبة علي الأسواق بشكل فعال ،الأمر الذي يطلق العنان للتجار في التلاعب بالأسعار "، لا بسبب الثراء الفاحش لأفراده لكي نقوم بإتباع إجراءات تقيدية برفع أسعار الفائدة ، ومن ضمن سلبيات الرفع أيضاً زيادة العجز الحكومي حيث تقوم الحكومة عادةً بالإقتراض للوفاء بملتزماتها وعندما تزداد الفائدة ,هذا يعني زيادة تكلفة الاقتراض وبالتالي زيادة العجز ، مما يؤدي في النهاية إلي الإقتصاص من الميزانيات المخصصة للخدمات العامة كالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات ، الأمر الذي يضر بالطبقات الوسطي والفقيرة مباشرةً.
فهل من الأرجح رفع الفائدة أم إنشاء هيئة حيوية وفعالة لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار؟
أي الطرق تؤدي الي انخفاض واستقرار علي أرض الواقع وليس فقط بالأرقام والنسب الإحصائية !!؟



