الأربعاء 31 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"انهض وبادر بالقتل".. انت في اسرائيل

انهض وبادر بالقتل..
"انهض وبادر بالقتل".. انت في اسرائيل
كتب - مصطفى سيف

تاريخ الإرهاب الإسرائيلي معروف للجميع كضوء الشمس في نهارٍ اغسطس؛ كثير من الكُتّاب الإسرائيليين المعارضين للكيان يكشفون ذلك مرارًا وتكرارًا إلا أنَّ كتابًا حديثًا للصحفي الإسرائيلي، رونين بريجمان، بعنوان "انهض وبادر بالقتل" كشف ذلك بشكل واسع، معتمدًا على مئات المصادر ، كما ان عمله كصحفي تحقيقات  أتاح له كثير من المعلومات السرية عن الاغتيالات الإسرائيلية منذ إقامة إسرائيل وحتى اليوم.

 

 

بعثات الموساد

ديفيد ريمينيك، صحفي بمجلة "نيويوركر" الأمريكية كتب عن "بريجمان" يقول: "يمكن القول بأنَّه أفضل مراسل تحقيقات في إسرائيل؛ لأنّه كشف الستار (كاملًا) عن السلاح الأكثر سريّة في العالم بعد المخابرات البريطانية، والأمريكية".

يقول "ريمينك" إنَّ "بريجمان" تمكّن من اقتحام أسرار البعثات الخطيرة لـ"الموساد" للقضاء على (أعداء إسرائيل) قبل تمكّنهم من مهاجمة الدولة الإسرائيلية؛ وطرح سؤالًا حول ماهية الأسئلة الأخلاقية الشائكة التي واجهتها القوات الإسرائيلية التي تزعم قادتها بأنَّها " تحمي وطنهم".

الكتاب من كُتُب الحجم الكبير ، 784 صفحة، نُشر عن دار "راندوم هاوس"، والمعلومات الواردة فيه نُقلت عن العديد من المصادر السابقة داخل المؤسسة التي لديها آراء إيجابية وسلبية للتعبير عنها؛ إلا أنَّها في النهاية تعبر عن وجهة النظر الإسرائيلية.

 

 

 

من التلمود

صحيفة هآرتس الإسرائيلية المعارضة للكيان الصهيوني وحكومة نتنياهو بصفة خاصة تقول: "الوثائق التي ذُكرت في الكتاب والمعلومات تتراوح بين عصر ما قبل الدولة، عندما استهدف الناشطون الصهاينة المسؤولين البريطانيين والمقاتلين العرب في فلسطين، والقتلة النازية في أوروبا، إلى الضربات الأخيرة على حماس وحزب الله وسلسلة من الوفيات المفاجئة لمهندسين نوويين إيرانيين ".

عنوان الكتاب؛ مأخوذ اقتباس من التلمود تقول: "إذا جاءك شخص يريد قتلك فانهض أنتَ أولًا واقتله"، فغريزة القتل  الأكثر عدوانية للدفاع عن الشعب اليهودي هي في صلب المجتمع الصهيوني اليميني المتطرف بصفة خاصة؛ منذ بداية إقامتها في عام 1948.

وبحسب موقع "نيوز ويك" فإن الكتاب يكشف عن تاريخ إسرائيل الذي دام لستة عقود من الاغتيالات التي نفذتها ضد "أعدائها" التي طالت مجرمي حرب ألمان هاربين وعلماء صواريخ، للقادة العرب في الخطوط الأمامية للمسؤولين النوويين العراقيين (في عهد صدام حسين) ثم العلماء في البرنامج النووي الإيراني.

ويضيف الموقع: "أكثر من 750 فردًا من كبار المسئولين الإسرائيليين يعترفون بالشعور الذنب عن قتل الشخص الخطأ أو مدني؛ أو قتل زعيمً فلسطينيًّ قد يكون شريكًا جيدًا في مفاوضات السلام".

 

 

مقهي في تل ابيب

 بريجمان يحكي عن سبب تأليفه للكتاب: "ذات يوم كنت جالسًا في مقهى تل أبيب الشمالي مع شخص من سلاح الجو، وكنا نناقش جميع أنواع المواضيع المختلفة؛ وقال (لدي شيء أحتاجه للتخفيف من نفسي، وأنا ظللت لفترة طويلة هكذا)، و بعد أنَّ حكى اتضح لي أن هذه قصة غير عادية عن كيفية إصدار الأوامر من أرييل شارون  وزير الدفاع آنذاك - 1982- والطيارين الإسرائيليين الذين أسقطوا طائرة مدنية تقريبًا بسبب اعتقاد فريق الموساد الخاطئ بأن زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات كان على متنها)".

ويضيف: " هناك دعم أكثر شعبية من أي وقت مضى للأجهزة الأمنية للقضاء على كل  التهديدات الخارجية والداخلية ، المشكلة هي أن أيًا من انتصاراتها التكتيكية لم تجلب لإسرائيل أي شيء أكثر من مجرد تأجيل مؤقت من التهديدات المباشرة، وأقل من ذلك بكثير السلام".

 

 

ياسر"عرفات"

 صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت مقتطفات من الكتاب الذي وصف فيه قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، ديفيد إيفري، كيف أن إسرائيل في محاولتها لاغتيال ياسر عرفات كانت قاب قوسين أو أدنى من إسقاط طائرة تحمل شقيقه فتحي عرفات في أكتوبر 1982.

فتحي عرفات كان يعمل طبيبًا- يشبه كثيرًا الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لكن لديه لحية أكبر من لحية أخيه- كان يرافق نحو 30 طفلًا فلسطينيًّا جريحا من بيروت للقاهرة لتلقي العلاج الطبي، فإن عدة مصادر استخباراتية وضعت ياسر عرفات على متن طائرة أخرى غير المُستهدفة وأقلعت طائرتان اسرائيليتان من طراز (اف-15) واستعدتا لإطلاق الصواريخ على الطائرة؛ إلا أنَّ إيفري توقف عن إعطاء الأمر.

في  1982 حاولت طائرة فانتوم إسرائيلية  استهداف ياسر عرفات في بيروت؛ إلا أنَّها لم تنجح أيضًا  ، حسبما قال أفيم سيلا، الذي كان قائد عمليات القوات الجوية في ذلك الوقت، لبريجمان في كتابه، وتابع "سيلا": " رئيس هيئة الأركان قابلته في تلك الليلة خارج بيروت وقال لي إن إسرائيل تمتنع عن قصف المباني في محيط مدني؛ إلا أنَّه في اليوم الثاني لهذه العملية كان يفعل الأمر ذاته".

وتقول "هآرتس" إن عرفات نجح في الهرب من براثن إسرائيل في أحيان كثيرة قبل ثوان فقط من الهجوم؛ إلا أنَّه في  2004 نجح الموت في اصطياده، عندما مات من مرض غامض في مستشفى باريس ولم تتمكن عدة عمليات تشريح في الأيام والسنوات التالية من الاتفاق على سبب الوفاة.

بيرجمان يقول في الكتاب حسبما نقلت عنه "هآرتس": "حتى لو كنتُ أعرف ما تسبب في وفاة عرفات لن أتمكن من كتابته هنا في هذا الكتاب، ولكي أكتب عن ذلك يجب أن يكون القدرة على معرفة الجواب تمام المعرفة".

 

 

900 رأس صاروخ

في أكتوبر 1956 أسقطت الطائرات الإسرائيلية طائرة مصرية كانت تنقل دبلوماسيين بعد اجتماعٍ في دمشق قبل أيام من بدء العدوان الإسرائيلي على سيناء؛ ويقول بريجمان: "ليس من المستغرب أن إسرائيل قتلت المصريين المدنيين في الحرب التي تلت ذلك، لكنها ذهبت بعد ذلك لتفقد عملية السلام".

في 1962 بحسب "جيروزاليم بوست" التي نشرت مقتطفات من الكتاب عن كيفية تعامل "الموساد" لتنفيذ عمليات سرية في القنصليات المصرية والسفارات في عواصم أوروبية لتصوير رسائل البريد التي كانت تصل إليهم من آنٍ لآخر.

إيسر هاريل، مدير "الموساد" في ذلك الوقت، يقول الكتاب عنه إنَّه أعلن حالة الطوارئ في الموساد بأكمله، قائلًا: "نحن مهتمون بالحصول على معلومات استخباراتية مهما حدث". وقد قام المقر الرئيسي في تل أبيب بتوسيع محطات الموساد في أوروبا في أغسطس 1962.

وبحسب المقتطفات التي نشرها "جيروزاليم بوست" فإن الموساد تمكّن من توظيف موظف سويسري في مكتب شركة "مصر للطيران" في زيوريخ، وهي شركة كانت في بعض الأحيان بمثابة غطاء لوكالات المخابرات إبان فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

الموظف السويسري هذا نجح في أن يحصل على رسائل البريد مرتين خلال الأسبوع، ينقلها إلى منزل آمن، يفتحها، ينسخ محتوياتها ثم يغلقها مرة أخرى من قبل خبراء لم يتركوا أي علامة أنها تم العبث بها، ثم تعود لمكتب الطيران؛ وبعد فترة قصيرة نسبيًّا، كان لدى "الموساد" فهم أوَّلي لمشروع الصواريخ المصري ورؤوسه.

الذعر يصيب "هاريل" بعد العثور على وثيقة أتى بها الموظف السويسري تقول إن مصر استطاع الحصول على 900 رأس صاروخ من أوروبا، وبعد اعتراضها، وأصيبت قيادات الموساد بـ"جو من الذعر القريب"؛ وأثارت الوثيقة خوف الخبراء الإسرائيليين من أن الهدف الحقيقي للمصريين هو تسليح الصواريخ مع المواد الكيميائية المشعة.

هذه الصواريخ  كانت يقوم على تطويرها علماء ألمان؛ هؤلاء العلماء هم الذين لم تستفاد منهم ألمانيا بعد الحرب، فاقتربوا من النظام المصري عام 1959 وعرضوا تجنيدهم وقيادة مجموعة من العلماء لتطوير صواريخ بعيدة المدى.

وفقًا للكتاب فإن الرئيس عبد الناصر وافق على تعيين أحد أقرب مستشاريه العسكريين، العميد عصام الدين محمود خليل، مدير المخابرات الجوية السابق ورئيس قسم البحث والتطوير في الجيش المصري، لتنسيق البرنامج، وأنشأ قسمًا منفصلًا عن بقية الجيش المصري.

 

 

صالح قاهر

 هاريل كان لديه خطة نوعًا ما للتخلص من هؤلاء العلماء فماذا فعل؟؛ جنّد شخصٌ يُدعى "صالح قاهر" اتصل برئيس العلماء الألمان والذي كان يُدعى هاينر كروغ، وفي يوم الاثنين الموافق 10 سبتمبر، الساعة 5:30 مساء، اتصل "قاهر" بمنزل كروغ في ميونيخ.

ويقول بريجمان: "قاهر قال إنه كان يتحدث نيابة عن العقيد سعيد نديم، كبير مساعدي الجنرال محمود خليل، وأن نديم يريد أن يلتقي كروغ "على الفور، في مسألة مهمة"، وكان ذلك في فندق السفير في ميونيخ، كروغ لم يرفي الأمر شيئًا غير مألوف.

صالح قاهر لم يكن إلا يد الموساد، واسمه الحقيقي أوديد، وُلد في العراق، وكان نشطًا في الحركة الصهيونية تحت الأرض هناك، فر من البلاد في  1949 بعد أن تم القبض عليه تقريبًا، وكان يدرس في مدارس بغداد ويتحاور مع المسلمين ما أهلّه لأن يقنع كروغ بأنّه العقيد سعيد نديم.

 كروغ اجتمع مع أوديد (صالح قاهر) في بهو فندق أمباسادور، ثم خرجا منه ووصلا إلى المنزل الذي كان يعتقد كروغ أن نديم ينتظره فيه، بالداخل كان ثلاثة ناشطين آخرين ينتظرون داخل الغرفة. فاجأوا كروغ بالضربات، ثم كمموه، وربطوه، وبعدما أفاق قال له أحد عمال الموساد الناطقين بالألمانية: "أنت سجين. افعل ما نقوله لك أو سننهي حياتك فورًا"، وكان كروغ يظهر فروض الطاعة في ذلك الوقت.

وفي الوقت نفسه، أطلق الموساد عملية تضليل واسعة النطاق، مع رجل يشبه كروغ ويحمل وثائق باسمه يسافر في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية، مما ترك ورقة تشير إلى أن كروغ كان ببساطة يحاول الاستيلاء على المال والهروب من مصر له وللمتعاونين معه. وفي الوقت نفسه، تسربت الموساد معلومات خاطئة إلى وسائل الإعلام تقول إن كروغ قد تشاجر مع الجنرال خليل وشعبه، ويبدو أنهم قد اختطفوا وقتلوا من قبلهم.

و بعدما قال كروغ للموساد كل ما يعرف عن مشروع الصواريخ المصري فإن هاريل اختار الطريق الأسهل؛ وأمر س. ج.، أحد رجاله، بأخذ كروغ إلى بقعة مهجورة شمال تل أبيب وإطلاق النار عليه. وقد استولت طائرة تابعة للجيش على الجثث وألقتها في البحر.

 

 

علي قوة الاحتياط

تقول هآرتس: "انهض وبادر بالقتل ليس كتابًا سياسيًا علنيًا ولكن المصادر التي اعتمد عليها بريجمان هم أولئك الأشخاص الذين دخلوا في العمليات العدوانية والاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل والذين وضعوا المؤامرات المعقدة لخداع وإسقاط (الأعداء)".

ويقول بريجمان : "إن (الموساد) و(آمان) و(أجهزة الأمن) زوَّدوا قادة إسرائيل عاجلًا أم آجلًا باستجابات عملية لكل مشكلة؛ غير أن نجاح مجتمع الاستخبارات قد عزز الوهم لدى معظم قادة إسرائيل بأن العمليات السرية يمكن أن تكون أداة استراتيجية وليست مجرد أداة تكتيكية - يمكن استخدامها بدلًا من الدبلوماسية الحقيقية لإنهاء المناطق الجغرافية والعرقية والدينية والوطنية التي تتدخل فيها إسرائيل".

وفقًا للقانون الإسرائيلي فإن "بريجمان" لا يزال مطلوبًا على قوة الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنَّ عمره 45 عامًا، ما قد يضعه تحت طائلة القانون بعد هذا الكتاب إلا أنَّه ينفي بقوله: "أنا لا أبلغ عن الأشياء التي أفعلها، ولستُ متورطًا في أي شيء مرتبط بما أبلغ عنه. هناك فصل تام بين هذا وذاك".

تم نسخ الرابط