السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

يهود الفلاشا بين مطرقة نتنياهو وسندان الموازنة

يهود الفلاشا بين
يهود الفلاشا بين مطرقة نتنياهو وسندان الموازنة
كتب - مصطفى سيف

يقبع يهود الفلاشا في إسرائيل حاليًّا بين مطرقة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وسندان الموازنة التقديرية لدولة الاحتلال في 2018-2019، وذلك بسبب التباطؤ في جلب بقية اليهود الإثيوبيين من أديس أبابا والذين يُقدّر عددهم بين 8 آلاف إلى 9 آلاف.

 

 

 

ليسوا يهودًا كما يجب

يقول د. محمد جلاء إدريس، أستاذ اللغة العبرية وآدابها بجامعة طنطا، في كتابه "يهود الفلاشا.. أصولهم ومعتقداتهم وعلاقاتهم بإسرائيل": "الجديد في هجرة يهود الفلاشا أنّ هؤلاء المهجرين يختلفون عن غيرهم في جوانب كثيرة، لعّل أبرزها بعدهم التام عن اليهودية".

ويضيف في مقدمة الكتاب: "بل إنّ اليهود أنفسهم يتشككون في يهودية هؤلاء الفلاشا وما زالوا لا يعترفون بصدق إيمانهم الأمر الذي جعل فتاوى الحاخامات تفرض على كل (فلاشي) أن يمارس بعض الطقوس مجددًا لهوّيته".

أمَّا عن أصل الفلاشا فأورد "إدريس" في كتابه خمس آراء لأصلهم- إلا أنَّه لم يؤيد أيًّا منهم-: "الفلاشا هم نسل الأسباط العشرة، وخاصة نسل (دان)، هم من نسل يهود هاجروا من مصر، هم يهود هاجروا من اليمن، موجات يهود هاجروا من خلال فترات مختلفة من مصر وجنوب الجزيرة العربية، هم من نسل سبط أجاو (إثيوبيون يتحدثون اللغة الكوشية)".

 

 

الهجرة الحديثة

وأيًا كان أصلهم القديم؛ إلا أنَّهم استقروا في إثيوبيا، ومع بداية إقامة دولة الاحتلال بدأت تبحث عمّن هم ينتمون إلى اليهودية وإن كان يُشكك في انتمائهم، فرأت الوكالة اليهودية في ذلك الوقت "يهود الفلاشا" فنقلت إسرائيل سرًا آلاف اليهود الإثيوبيين في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

إسرائيل أنفقت مئات الملايين من الدولارات لجلب يهود الفلاشا إلى الدولة الحديثة؛ في محاولة منها لمساعدتهم على الاندماج داخل المجتمع القديم، واليوم يُقدَّر عدد يهود الفلاشا ما يقرب من 140 ألفًا، وهو ما يمثل أقلية بالنسبة للبلد الذي يبلغ عدد سُكّانه ما يقرب من 8 ملايين نسمة.

لم تكن الإدارة الإسرائيلية على استعداد لاستيعاب "يهود الفلاشا"؛ خاصة أنَّه بحسب الإحصائيات الإسرائيلية الأخيرة تشير إلى أنَّ الأغلب منهم لم يتلقى التعليم الكافي، وهو ما وضعهم تحت طائلة "الفقر والبطالة"، إلا أنَّهم إضافة إلى ذلك يعانون من أزمة "لم الشمل"، حيث إنّ الكثير منهم في إسرائيل، وعائلاتهم في إثيوبيا.

تقول الكاتبة إفرات يارداي في مقالها المنشور بموقع "هاآرتس" تحت عنوان: "إنهم لا يريدون الإثيوبيين هنا بسبب اللون": "إن محاولة القول بأن طرد طالبي اللجوء ليست مسألة عنصرية هو خطأ منطقي في ضوء تاريخ الهجرة الإثيوبية".

ويأمل ما يقرب من 8 آلا ف إثيوبي؛ في الوصول إلى إسرائيل للم شمل العائلات، ولكن ذلك متوقف على قرار حكومة الاحتلال بتوافر التمويل اللازم لجلب هؤلاء اليهود لتل أبيب، وفي 2015، تعهّدت إسرائيل بجلب الإثيوبيين المتبقين الذين لديهم أقارب إسرائيليين، متعهدة بأنها ستكون الجولة الأخيرة من الهجرة الإثيوبية وتمهد الطريق لوصول 1300 شخص في العام الماضي؛ إلا أنَّ ذلك لم يحدث حتى الآن.

 

 

التنصل من المسؤولية

التنصل من المسؤولية؛ هو داء عصي على العلاج خاصة فيما يتعلّق بدولةٍ تجاه مواطنين- إن صحّ اعتبارها دولة بالمفهوم النظري- وهذا ما تقوم به إسرائيل، ويأتي ذلك جليًّا في تنصلها من لمّ شمل العائلات الإثيوبية على الرغم من أنَّ بعضٌ منهم لديهم أبناء يخدمون في جيش الاحتلال.

زيمنيتش بيلين، تبلغ من العمر 19 عامًا تخدم في جيش الاحتلال، عبَّرت عن غضبها من تنصل الدولة الإسرائيلية من مسئوليتها حيث إنها لم تقم بواجبها تجاه نقل أختها- التي لم ترها منذ عقد كامل- على الرغم من "أنها تقوم بواجباتها كمواطنة لكن الدولة تتنصل من مسؤوليتها في نقل أقربائها إلى إسرائيل".

يرى الإثيوبيون أنَّ طريقة تعامل "إسرائيل" معهم أدت لتفاقم أن حكومة الاحتلال تُميِّز ضد الأقلية التي ينتمون إليها، إلا أنَّ ردّ إسرائيل كان أنَّها "استمرت في تسليط الضوء على هجرة الجالية الإثيوبية لأسباب إنسانية، لكنها حددت أيضًا مجموعة من المتطلبات بشأن أولئك الذين ينتظرون في إثيوبيا، وذلك جزئيًّا لمنع ما يمكن أن يكون حلقة لا نهاية لها من مطالبات الهجرة".

أوج الأزمة كان حين تحولت "الأقلية الوديعة"، من وجهة النظر الإسرائيلية إلى "وحوش كاسرة" تأكل أمامها الأخضر واليابس قبل ثلاث سنوات من الآن، بعد ظهور  لقطات لإثيوبي-إسرائيلي يرتدي زيًّا عسكريًّا يتعرض للضرب من قبل الشرطة.

أفراهام نيجويز، أحد اليهود الإثيوبين الذين تمكّنوا من الوصول إلى البرلمان الإسرائيلي، وهو حاليًّا يشغل رئيس لجنة الاستيعاب التابعة للكنيست، اتهم الحكومة الإسرائيلية بـ"الإضرار بالعلاقة (الهشة) بين الأقلية الإثيوبية والدولة الإسرائيلية، مضيفًا: "الحكومة تنتهج سياسة تمييزية بعدم ترحيل اليهود الإثيوبيين المتبقين.

 

 

بين المطرقة والسندان

في ظل الأزمات السياسية التي تعصف بالإدارة السياسية في إسرائيل؛ يبقى وضع الأقلية الإثيوبية، كما هو عليه بين مطرقة التجاهل وسنديان فقدان الأسرة، خاصة أنَّ الأمر الآن في تل أبيب على صفيح ساخن مع مطالبات لنتنياهو بإجراء انتخابات مبكرة.

وينظم يهود إثيوبيا مظاهرة حاشدة، بعد ظهر اليوم الاثنين، محاولين إقناع الحكومة بالسماح بهجرة ذويهم إلى إسرائيل، حسبما نقلت صحيفة "معاريف" الإلكترونية، وأنَّ حوالي 9 آلاف يهودي إثيوبي ينتظرون الهجرة لإسرائيل بسبب الحالة السيئة التي يعيشون فيها.

ويبقى على وزارة المالية الإسرائيلية حاليًّا إدخال جلب اليهود من إثيوبيا للموازنة المقرر التصويت عليها في الكنيست، وبحسب التقديرات الأولية فإن التكلفة التقديرية المتوقعة لتهجير هذا العدد حوالي 1.4 مليار شيكل، وترى الصحف الإسرائيلية أنه رقم كبير مقارنة بالميزانية التي تُقدّر بـ500 مليار شيكل.

 

 

مظاهرات في إثيوبيا

وإذا نظرنا للوضع في أديس أبابا؛ فإننا نجد اليهود الإثيوبيين الذي تظاهروا الأربعاء الماضي، حيث أعلنوا إنهم سيضربون عن الطعام إذا لم تدرج إسرائيل في ميزانيتها التمويل اللازم لهم للانضمام إلى عائلاتهم في تل أبيب.

ويقول ملس سايديستو، رئيس جالية اليهود الإثيوبيين في أديس أبابا: "كلنا هنا في إثيوبيا موجودون في أرض أجنبية ونعاني من الفقر والجوع الحاد"؛ بحسب ما نقلت عنه  "أسوشيتد برس"، مهددًا بالإضراب عن الطعام إذا لم تسمع الحكومة الإسرائيلية نداءهم.

إلا أنَّه على ما يبدو فإن وزيرة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، أبدت تعاطفًا إلى حد ما في تصريحات نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية حيث قالت: "طلبتُ من رئيس الوزراء إثارة القضية مع الحكومة بشكل عاجل؛ أعتقد أنه يجب علينا وضع حد لهذه المأساة، إنه أمر مروع أن يخدم الجندي في الجيش بينما يقف جزء من عائلته هناك في إثيوبيا".

وتساءلت بحسب ما نقلت عنها الصحيفة عمّا أسمته تباطؤا في تنفيذ قرار حكومي اعتبارًا من عام 2015 لإحضار ما تبقى من اليهود الإثيوبيين، قائلة: "التصاريح لا تصدرها هيئة الهجرة بل وزارة الداخلية؛ لا أريد أن أشير بأصابع الاتهام لأحد، ولكن هناك أماكن كثيرة لاستيعاب المهاجرين"، على حد قولها.

 

 

تم نسخ الرابط