الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

مخطوطات نادرة تكشف: شيوخ شعراء وعلماء رياضيات في وقت واحد

مخطوطات نادرة تكشف:
مخطوطات نادرة تكشف: شيوخ شعراء وعلماء رياضيات في وقت واحد
كتب - محمد نسيم

تراث مدفون (12)

(نصوص عربية، ننفرد بنشرها)

في المخطوطين اللذين ننفرد بتقديم هذه النصوص منهما، نقرأ اسمين غير مشهورين ولا معروفين، الأول: محمد كامل بن محمد بن أحمد الهبراوي الشافعي الأشعري، والثاني: عبد الفتاح بن عبد الرحمن البنا الدمياطي الشافعي.

الأول صاحب مخطوط بعنوان (مختصر علم الحساب) والثاني صاحب مخطوط آخر بعنوان (الانتخاب في علم الحساب). والمخطوط الأول مكتوب عام 1292هـ، والثاني عام 1305هـ.

موضوع المخطوطين هو علم الحساب، والمؤلفان ــ كما هو ظاهر ــ من علماء الدين. أما اللافت للنظر بشكل أكبر في المخطوطين فهو لغة الكاتبين وأسلوبهما الرائع، وأيضا براعتهما على نظم الشعر الجميل، في كلا الكتابين.

نقدم ــ بالترتيب ــ جزءا من المقدمة البليغة للمخطوط الثاني، ونصا شعريا جاء في نهاية المخطوط الأول، عبارة عن مسألة حسابية ظريفة مكتوبة شعرا. بالإضافة إلى قصيدة ختم بها مؤلف المخطوط الثاني كتابه.

فإلى النصوص المختارة، التي ننفرد هنا بنشرها.

 

مقدمة كتاب (الانتخاب في علم الحساب):

بسم الله الرحمن الرحيم.

أحمدُهُ تنزَّهَتْ ذاتُه العليَّةُ عن التعدُّدِ فهو الواحد الأحد، وأشكره عَمَّتْ إفضالاتُه السَّنِيَّةُ فأنَّى يُحصيها عدد، قسَمَ الأرزاقَ على وفق حكمته فقِسمتُهُ عادلة، ومَنَحَ الأنامَ عوائدَ نعمته فمواهبه عاجلة، سبحانه فله الحمدُ حقَّ حمدِه، ونستزيدُهُ من فيضِ فضله ورِفْدِه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، على خلاصة سُلالة مَعَد بن عدنان، سيدِنا محمدٍ صاحبِ المقام المحمود والوسيلة، المخصوصِ بجميع أفراد الفضائل الجزيلة، الرحمةِ المهداةِ لسائر الأنام، نتيجةِ الأنبياء والرسل الكرام، وعلى جميع الآلِ والأصحاب، ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الحساب، خصوصًا أحبارَ الأمة، أئمةَ الأعيانِ وأعيانَ الأئمة، الذين اجتهدوا في توضيحِ المعضلات لتحرير العلوم، وأزاحوا غياهب الجهالات عن كل سر مكتوم.

هذا، وإنَّ علم الحساب من أعمِّ العلوم نفعا، وأجلها وقعا وأحسنها وضعا، إذ هو أُسُّ العلوم الرياضية، ومحورُ المعاملات الدنيوية، وكثيرٌ من المسائل الفقهية تتوقف عليه، وأمَّا قسمةُ التركات فإنها ترجع منه إليه، ولذا رغب كل عاقل هُمام في تحصيله، واعتنى بعض الأفاضل الأعلام في تحرير قواعده وتأصيله.

وكنتُ ألزمتُ نفسي الاشتغال به إبَّانَ الشباب، واجتهدتُ في تعلمه حتى فُتح لي منه بفضل الله تعالى كل باب، ثم رأيتُ أن أكثر فروعه أضاعتها أيدي التفريق، حتى صار الوصول إلى تحصيلها صعبا لتوعُّرِ الطريق، وبعض مسائله في التشتيت كبالي، فوددتُ لو جُمعت بأعذب موردٍ وأنَّى لي.

وبعد، فهذا مجموع يحوي نفائسَ مُهماته، ومنتخبٌ تلوحُ أنوارُ السهولة من ثنايا عباراته، يرفع عن مخدراتِ أنواعه غليظَ الحجاب، ويكشفُ عن محاسنِ مسائله رفيعَ النقاب، جعلتُه تحفةً لكل حبيب، ومعونةً لكل مُرتاضٍ لبيب، رجاءَ أن ينتفعَ به بعضُ المحبين، فيدعو لي بحسن الجزاء يوم الدين، وقد أتممتُ فوائدَه، وأحكمتُ قواعدَه، وسميتُه الانتخاب، في مهم علم الحساب، وقد بنيتُهُ على مقدمة، وعشرة أقسام وخاتمة.

 

مسألة رياضية شعرية من مخطوط (مختصر في علم الحساب):

إليكُم، فحولَ العلم، أرفعُ قِصتي .:. فإني لَصَبٌّ بالصبابةِ مُشْغَلُ

بُليتُ بِظبيٍ لا مَحالةَ قاتلي .:. ومِنْ عادةِ المحبوبِ بالصدِّ يَقتُلُ

طلبتُ وصالا مِنه فَضلا، فقالَ لي .:. أتبغي وصالي؟ دونَ ذاكَ مَراحِلُ

فقلتُ: بذُلِّي، قال: إنْ كنتَ ذا ثَرَا .:. بِمالِكَ جُدْ، والوصلُ إذْ ذَاكَ يَسهلُ

فقلتُ له: خُذ ثلثَ مَالي وخُمْسَهُ .:. وسُبْعيهِ مَعْ ثُمْنٍ وأنْتَ المُفَضَّلُ

فأبدى ازدراءً، قلتُ: خُذ جِذْرَ ما مضى .:. مُضافًا إلى المجموعِ والحِلمُ أجملُ

فإنْ كان لا يُرضيكَ خُذ عُشرَ مَا مضى .:. جميعًا، وظنِّي فيكَ لا شكَّ تقبلُ

وأبقيتُ لي ألفًا وعشرينَ بَعدَها .:. ثلاثٌ وثلثٌ عِلْمُهُنَّ مُحَصّلُ

فقالَ، بلطفٍ، رَحمةً وتعطُّفًا .:. رضيتُ، ولكنْ قَدْرَ ذا المالِ أَجْهَلُ

فبيِّنْ وسلِّمْ كي تفوزَ بِوَصلِنا .:. وإلَّا بعيدٌ أنَّ ذا الوصلِ يَحْصُلُ

فيا علماءَ العصرِ هذا الذي جَرى .:. فمُنُّوا بِتَبْيِينٍ لصبٍّ يُؤمِّلُ

 

قصيدة خاتمة كتاب (الانتخاب في علم الحساب):

بحمد الله، قد تمَّ انتخابي .:. بديعًا في مُهِمَّاتِ الحِسابِ

يَفوقُ البدرَ في الإشراقِ نورًا .:. ويزهو في المحاسنِ باقترابِ

يُريكَ بدائعَ الإتقانِ مِنْهُ .:. بلفظٍ مُفْهِمٍ معنى الصوابِ

وفيهِ كلُّ مسألةٍ تُوازي .:. نظامَ الدُّرِّ لا نظمَ الحُبَابِ

بإيضاحٍ لمُشكِلِ كُلِّ خَافٍ .:. على مَنْ يَبْتَغِي كشْفَ الحِجَابِ

فلُذْ بِحِماهُ إنْ رُمْتَ المعالي .:. لترشُفَ مِنْ لَمَى هذا الرِّضَابِ

ورَوِّ الفِكْرَ مِنْهُ سلسبيلًا .:. ولِجْ في لُجَّةِ البَحْرِ العُبابِ

ففي تحريرِهِ سهرتْ عُيوني .:. لياليَ ذاتَ عَدٍّ واحتِسابِ

وألزمتُ القريحةَ أنْ تُوافي .:. بِما أودعتُها في الاكتسابِ

فجاءَ كما أَرُومُ بكلِّ معنى .:. وجِدًّا مُفرَدًا في كلِّ بابِ

يُفيد العلمَ للطلابِ سَهلًا .:. ويُرشدُهُمْ إلى وجهِ الصوابِ

ولمَّا تَمَّ قصدي قلتُ أرِّخْ .:. زَهَا حُسنًا وفاءُ الانتخابِ

فهاكَ ذخيرتي ونباتُ غَرسي .:. ولَهْوِي في أحايينِ الشبابِ

كمَا كان التعلُّمُ بدءَ فَنِّي .:. ودأبِي، لا تفانينُ التصابي

وأرجُو الله توفيقًا إذا ما .:. جميعُ الناس وافَوْا للحِسابِ

ويُلهمني السدادَ بكل أمرٍ .:. وأنْ يَملَا مِنَ الحُسنى كتابي

كذاكَ شفاعةَ المختارِ جَدِّي .:. عَريضِ الجاهِ محفوظِ الجَنابِ

صلاةُ الله تغشاهُ دَوَامًا .:. كذا والآلَ مَعْ جَمْعِ الصِّحابِ

تم نسخ الرابط