في العراق وسوريا.. سقوط مسؤولين بريطانيين بسبب العدوان على الدول العربية
كتب - مصطفى سيف
مع اشتعال الجدل في بريطانيا حول الضربة الثلاثية ضد سوريا بقيادة واشنطن وبمشاركة باريس ولندن، يعود بنا التاريخ إلى حرب العراق، وسقوط ضحايا بريطانيين بسبب رفضهم الدخول في حرب إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، فهل تُسْقِط سوريا ضحايا جُددا في بريطانيا؟
يدور الجدل حاليًا في بريطانيا وفي مجلس العموم حول شرعية هذه الضربة وقانونيتها، ويتهم زعيم المعارضة البريطاني، جيمي كوربين، رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بتخطيها القانون في بلادها، مؤكدًا أنَّ مشاركة لندن في الضربة "عمل غير قانوني".
انتحار
كان ذلك في 18 يوليو 2003 وتحديدًا في الساعة الثالثة وعشرين دقيقة بعد الظهر، فوضى في العاصمة البريطانية، بلير كان في الهواء على متن طائرة تسافر بين واشنطن وطوكيو، ديفيد كيلي يتصدر عناوين الصحف البريطانية في ذلك الوقت بعد نشر خبر العثور عليه مقتولًا في هاروود داون هيل على بعد ميلين من منزله في ساوثمور.
في ذلك الوقت كان توني بلير قد أصدر تصريحًا يقول فيه إنَّ عراق صدام حسين يمكنه نشر أسلحة دمار شامل خلال 45 دقيقة، "كيلي" كان موظف في وزارة الدفاع البريطانية وخبير في الأسلحة البيولوجية، وأحد مفتشي الأمم المتحدة في العراق.
لم يصمت "كيلي" كثيرًا التقى بمراسل "بي بي سي" في ذلك الوقت الصحفي أندرو جيليجان، وكشف له عمَّا في جعبته من أنَّ ادعاء "بلير" بشأن الـ"45 دقيقة" مشكوك فيه في كل الأحوال، بعد أنَّ صدر التحقيق لـ"بي بي سي" تحت عنوان "الملف الخبيث" الذي تقدّمت به الحكومة لمجلس العموم البريطاني.
تقرير الـ"بي بي سي" أكَّد أنَّ الحكومة البريطانية قامت بتزيين أو "جمع" المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها للجمهور في عام 2003 لتبرير الحرب، وكان كيلي هو الذي طارد هذا الادعاء الذي استخدمته حكومة بلير، خاصة أنَّ نظام صدام لم يكن يمتلكها.
الأزمة أصبحت في أوجها، وأصابع الاتهام وصلت مباشرة إلى توني بلير متهمة إياه باغتيال "كيلي" إلا أنَّ تقرير لجنة التحقيق برئاسة القاضي البريطاني، لورد هاتون، برأه، مشيرًا إلى أنَّ "كيلي" أقدم على الانتحار دون أن يتسبب أحد في ذلك، مضيفًا: "ديفيد كيلي انتحر في يوليو، دون أن يشارك طرف ثالث بذلك.
تُثار قضية "كيلي" حاليًا في بريطانيا بعد كتاب صدر قريبًا تحت عنوان "موت غير مريح" للصحفي البريطاني الاستقصائي، مايلز جوسليت، يتحدث عن ظروف وملابسات مقتل خبير الأسلحة البيولوجية، وكيف أنَّ المؤسسة البريطانية غطّت على هذه القضية.
"جوسليت" قال في كتابه إنَّ إنشاء لجنة التحقيق البريطانية في مقتله، بقيادة وزير الدولة البريطاني للشؤون الدستورية اللورد تشارلز فالكونر، استبق التحقيق وأصدر تقريره قبل تحديد السبب الدقيقي لوفاة "كيلي" وقبل أن يتم العثور على جثته أصلًا، مشيرًا إلى أنَّهم عرقلوا تحقيقات الطب الشرعي، واصفًا موت "كيلي" بـ"الغارق في الغموض".
التحقيق الذي طالب به "بلير" في الظروف المحيطة بوفاة "كيلي" بدأ في 11 أغسطس 2003، بعد 24 يومًا فقط من العثور على الجثة، وانتهى في 24 سبتمبر، وخلص التقرير إلى أنَّ وفاته كانت "انتحارًا" لم يكن لأي طرفٍ آخر فيه أي يد.
وتساءل "جوسليت" في كتابه: لماذا لم يتم العثور على بصمات الأصابع على أي من ممتلكات الدكتور كيلي، بما في ذلك السكين، ولماذا لم تجد مروحية تابعة للشرطة مزودة بكاميرا للتصوير والتي كانت تحلق فوق الموقع أي أثر للجثة؟ قائلًا: "نتيجة لقرار بلير بإنشاء لجنة التحقيق بقيادة "هوتون"، فإن الرأي العام البريطاني مطالَب بقبول قيام الدكتور كيلي بإنهاء حياته؛ لكن استنادًا للأدلة المتاحة، هناك الكثير من التناقضات المرتبطة بالكشف الرسمي عن الانتحار".
استقالات بالجملة
لم يكتفِ المسؤولون البريطانيون فقط بالتنديد بـ"عشوائية" رئيس الوزراء توني بلير في قراره بالدخول إلى حرب ضد العراق، بمشاركة أمريكية، إلا أنَّهم أيضا سجلوا موقفًا سيذكره لهم التاريخ، وهو تقديم استقالات من حكومة "بلير" بعد اقتناعهم بأنَّه "خدعهم".
روبن كوك
روبن كوك، وزير الخارجية البريطاني الذي سجَّل اسمه بحروف من ذهبٍ في التاريخ إبان فترة الحرب على العراق، بعد أنْ قدَّم استقالته احتجاجًا على مشاركة بريطانيا في الحرب، معلنًا أنَّ "بريطانيا ستندم في النهاية" وهو ما حدث بالفعل.
وربما كان هو الأكثر صراحة واتساقًا مع النفس من غيره حيث إنَّه أكَّد أنَّ الحرب ستحدث فجوة بين العالم الإسلامي والغرب وأن بريطانيا لا تستطيع أن تضحي بعلاقاتها مع الشعوب الإسلامية في سبيل إرضاء الولايات المتحدة.
وقيل إنَّه نُقش على قبر "كوك" الذي رحل في 6 أغسطس 2005: "ربما لم أكن قد نجحت في وقف الحرب، لكنني قمت بتأمين حق البرلمان في اتخاذ قرار بشأن الحرب".
كلير شورت
وزيرة التنمية الدولية في عهد "بلير"، استقالت من منصبها في 12 مايو 2003، احتجاجًا على الموقف الذي تتبناه بريطانيا من العراق، متهمة رئيس الوزراء البريطاني بالتنكر لوعوده بخصوص مستقبل العراق، قائلة في خطاب استقالتها: "إنه انتهك الوعود التي قدمها لها بخصوص قيام الأمم المتحدة بدور رائد في عراق ما بعد الحرب".
وقبل اندلاع الحرب هددت "كلير" بالاستقالة قبل اندلاع الحرب حيث أثارت عاصفة بتصريحاتها عندما وصف تعاطي بلير مع الأزمة بأنه "متهور"، ورغم معارضتها للحرب فقد فضلت البقاء في منصبها بعد بداية الهجوم على العراق وقالت إنها فضلت التعاون عندما لم يكن أمام بلير بديل سوى التوجه إلى الحرب دون تفويض جديد من الأمم المتحدة.
"شورت" أشارت إلى أنَّ بلير "خدع" البلاد بشأن الخطر الذي يمثله صدام حسين، قائلة: "كان هناك اتجاه سياسي يتحدث عن معلومات أجهزة الاستخبارات لخلق شعور بوجود وضع ملح، لكن لكن الأمر كان قرارًا سياسيًا لرئيس الوزراء لقد خُدعنا".
سؤال مطروح
السؤال الذي يُطرح الآن هو: هل تُسْقِط سوريا مسؤولين جدد في بريطانيا، خاصة في ظل المعارضة الشديدة للضربة الثلاثية بمشاركة "أمريكية بريطانية فرنسية".
ويشتعل الجدال في بريطانيا- كما ذكرنا آنفًا- خاصة مع عدم ذهاب رئيسة الوزراء الحالية، تيريزا ماي، إلى جلسة طارئة للبرلمان، لمناقشة مشاركتها في هذه الضربة، قائلة إن ردَّها سيكون في الوقت المناسب، وأنَّها تعمل مع الشركاء الدوليين.
بينما اتهمها كوربين (زعيم المعارضة) أنَّ الإجابة الأولى غير مقنعة بالمرة، والثاني أن الجدول الزمني لها هو الذي وضعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والاثنين أسوأ ما يمكن أن يحدث في بريطانيا، وفقًا لـ"كوربين".
بينما نددت الصحيفة البريطانية "اندبندنت" بما أقدمت على فعله "ماي" قائلة: "كان بإمكانها التصويت على مبدأ الضربات العقابية لردع الأسد بعد (مزاعم) بخرق اتفاقية الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، سيتعين عليها أن تشرح عندما تواجه شبح روبن كوك على سؤالي لماذا اختارت تحدي البرلمان والرأي العام في الديمقراطية؟"، مضيفة: "يجب أن يكون هناك ثمن لدفعه".



